في ظلال سورة آل عمران (1)
من هو عمران؟ البيت الرسالي
طارق مصطفى حميدة
قال تعالى في مستهل قصة آل عمران من السورة الكريمة: (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على
العالمين)، فأما آدم ونوح، وإبراهيم وآله عليهم الصلاة والسلام، فمشهورون
ومعروفون لقارئ القرآن الكريم، لكن الاسم العَلَم الأخير: ( عمران) ليس بتلك
الشهرة، وربما اختلط بغيره ـــ كما سيأتي ــــ ولذلك التبس الأمر على كثير من أهل
العلم والتفسير، بل إن كثيراً منهم، حتى من الذين لم يقعوا في اللبس وجدوا أنفسهم
مضطرين للتفريق بين عمرانين، وتحديد عمران المقصود به في هذه الآية.
فسنجد من المفسرين فريقاً يرجح أن عمران المذكور هو أبو موسى
وهارون عليهما الصلاة والسلام، مضعّفاً القول بأنه أبو مريم عليها السلام، وسنجد
فريقاً آخر يرجح القول الثاني على الأول، أو يذكر القولين دون ترجيح، وهناك من
يقول بأن عمران الأول ــــ الوارد في الآية مع آدم ونوح وآل إبراهيم ــــ هو أبو
موسى وهارون، وأن عمران الآخر ــــ الذي أضيفت له امرأة عمران بعد آيتين
ـــــ هو أبو مريم.
ولعل مما تسبب في هذا اللبس، أنه لم يرد في المصادر الكتابية
النصرانية أن اسم أبي مريم هو عمران، فيما اشتهر في العهد القديم أن اسم أبي موسى
هو عمران.
ومع أنه قد تكرر في القرآن الكريم وصف مريم بأنها ابنة عمران،
فإنه لم يرد في القرآن أن اسم والد موسى عليه السلام هو عمران، وإن كان قد ورد في
بعض الأحاديث النبوية تسمية موسى بأنه ابن عمران، كما في حديث ابن عباس رضي الله
عنهما عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: (مَرَرْتُ
لَيْلَةَ أُسْرِيَ بي على مُوسى بنِ عِمْرانَ، رَجُلٌ آدَمُ طُوالٌ جَعْدٌ...)
[مسلم: حديث رقم 165].
وأكبر من هذا السبب للبس، في رأيي، هو الدور الكبير الذي اضطلع
به آل عمران الأقدمون، موسى وهارون، فضلاً عن أمهما وأختهما، حتى كاد القرآن كله
يكون لموسى عليه السلام، كما نقل عن بعض أهل العلم، ولم يكن لعمران المتأخر أبي
مريم وآله ذات الحضور وذات الاشتهار.
• عمرانان
.. وهارونان ... وربما مريمان أيضاً!!
عن المغيرة بن شعبة قال: لما قدمتُ نجران سألوني فقالوا: إنكم
تقرأون: (يا أخت هارون)، وموسى قبل عيسى بكذا
وكذا، فلما قدمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، سألته عن ذلك، فقال: (إنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم)،
[ مسلم: حديث رقم 2135].
والحق أن هذا التوضيح من الرسول عليه الصلاة والسلام، فضلاً عن
أنه يساعد في حل الإشكال المفترض، فإنه ــــ وهذا الأهم كما أزعم ــــ يذهب بنا
إلى وجهة أخرى أكثر أهمية.
لقد التبس عمران بعمران، عند أهل التفسير، والتبس هارون بهارون
عند أهل نجران وغيرهم، وإزالة اللبس في قوله عليه السلام: (إنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم)،
فهارون أخو مريم سماه أبوه على اسم هارون أخي موسى، وبنفس المنطق نفهم أن عمران
أبا مريم قد سماه أهله على اسم عمران أبي موسى، هذا التعليل الظاهر للأمر، ولكن
التعليل الحقيقي العميق أن الذين يسمون أبناءهم بأسماء الأنبياء والصالحين قبلهم،
يرجون من وراء تلك التسميات أن يكون أبناؤهم مقتدين ومتأسين بالذين سمَّوْهم
بأسمائهم، ومقتضى ذلك، أن أهل عمران الثاني كانوا أهل تدين وصلاح ورجوا أن يكون
ابنهم كعمران والد موسى وهارون، وعندما كبر عمران وتزوج أكمل مسيرة أهله فسمى
هارون، بمعنى أن هذا بيت رسالي كان يتمثل آل عمران الأولين في حمل الدعوة والتمسك
بالدين، وبالرغم من أننا لم نتعرف على أحد من العمرانين، فقد عرفنا حال أم موسى
وأخته، وكذا حال موسى وهارون، وفي البيت العمراني الثاني، تعرفنا على امرأة عمران
وابنتها مريم، وهارون أخي مريم، ثم ابنها عيسى، ولا يبعد أن يكون بيت زكريا عليه
السلام، أيضاً، يؤولون إلى آل عمران.
وقد ورد في المصادر الكتابية أن اسم أخت موسى هو مريم كذلك،
وليس في القرآن ولا السنة والصحيحة، ما يؤكد ذلك أو ينفيه، لكنه إذا صح يكون
دليلاً إضافياً على الفكرة، علما بأن ما سبق ذكره كاف في الدلالة على المراد،
والله الموفق للسداد.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول