من هو الشاب المسلم


العلامة الشيخ : الخضر حسين
في شباننا من يكتفي في إسلامه بأن ينشأ في بيت إسلامي ، ويسمى محمداً أو مصطفى، ويعد عند إحصاء طوائف البلاد في قبيل المسلمين ، ولا تجد بعد هذا فارقاً بينه وبين شاب لا تمت روحه إلى الإسلام بصلة.
وهذا ما بعثني على أن اخترت للمحاضرة التي أقترحها علي حضرة الأستاذ المجاهد رئيس هذه الجمعية موضوع : من هو الشاب المسلم.
ذلك أن أنظار حكماء الأمة متجهة إلى بناء مدنية روحها الإيمان وجسمها نظم الإسلام، وحليتها آدابه التي صاغها يد الوحي السماوي ، ولن تزال في صفاء وضياء ، فوجب أن تعلم من هو الشاب الذي يصلح لأن يمد يده لبناء هذه المدنية الشامخة الذري ، فنقول :
الشاب المسلم هو الذي يسمو بنفسه إلى أن يكون مسلماً حقاً ، فيقرأ القرآن المجيد بروية ، ويجيل فكره في آياته الزاهرة ، حتى يتملأ حكمه البالغة ، ومواعظه الرائعة ، قال تعالى : [أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ{العنكبوت:51} .
والشاب المسلم هو الذي يؤمن بالله من الشرك أو ما يشبه الشرك ، فيعتقد من صميم قلبه أن الله تعالى وحده المتصرف في الكون ، فلا مانع ولا ضار إلا هو ، وبهذه العقيدة السليمة يحمي نفسه من أن تلابسها مزاعم مزرية ، ويصغر في عينه كل جبار ، ويهون عليه احتمال المصاعب ، واقتحام الأخطار في سبيل الجهاد في الإصلاح والدعوة إلى الحق.
والشاب المسلم هو الذي يدرس سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم  دراية يرى بها رأي العين أن تلك المكانة البالغة المنتهى من الحكمة وقوة البصيرة ، والنهوض بجلائل الأعمال المختلفة الغايات ، مكانة لا يدركها بشر ليس برسول وإن بلغ في العبقرية الذروة القصوى ، و أنفق في السعي إليها مئات من الأعوام أو الأحقاب.
والشاب المسلم يستجيب لله تعالى فيما شرعه من عبادات تقربه إليه زلفى ، كالصلوات الخمس بقلب حاضر ، ويؤديها ولو بمحضر طائفة لم تذق حلاوة الإيمان ، فتنظر إلى المستقيمين بتهكم وسخرية ، وضعفاء الإيمان من شباننا لا يقومون إلى الصلاة في مجالس الملاحدة وأشباه الملاحدة من المترفين يخافون أن يسخروا منهم أو تذدريهم أعينهم.
والشاب المسلم يعتز بدين الله ، فيدافع عنه الطرق المنطقية ، ويرمي بشواهد حكمته في وجه المهاجم له ، أو ملقى الشبه حوله ، وإن كان ذا سلطان واسع وكلمة نافذة وضعفاء الإيمان من شباننا تتضاءل نفوسهم أمام أولئك الطغاة ، ويقابلون نهجهم على الدين بالصمت ، وربما بلغ بهم ضعف العقيدة أن يجاروهم فيما يقولون ، وسيعلم الذين يشترون رضا المخلوق بغضب الخالي أي منقلب ينقلبون.
والشاب المسلم يذكر في كل حين أن أمد عمره غير معروف ، ويتوقع انقطاعه في كل يوم ، فتجده حريصاً على أن لا تمر ساعة من ساعات حياته دون أن يكسب فيها علماً نافعاً أو عملاً صالحاً.
إذا ما مضى يوم ولم أصطنع يدا=ولم أكتسب علماً فما ذاك من عمري
والشاب المسلم إذا وكل إليه عمل أقبل عليه بنصح ، وتولاه بأمانة ، ذلك بأنه يشعر بأن الرجال إنما يتفاضلون على قدر إتقانهم للأعمال ، ويشعر بأنه مسؤول عما ائتمن عليه بين يدي من لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
والشاب المسلم ينظر بنور الله تعالى ، فلا يسارع إلى تقليد المخالفين ، ومحاكاتهم في عاداتهم وأساليب مدنيتهم ، وإن لم تقم على رعاية مصلحة ، وضعفاء الإيمان يحرصون على أن يقلدوهم في كل شيء ، ولو خالف آداب الشريعة ، كمن يمسك السكين باليمين عند الأكل والشوكة بالشمال ، ويتناول بها الطعام مخالفاً لآداب الشريعة الغراء.
والشاب المسلم يؤمن بأن النظم الإسلامية الاقتصادية أرقى نظم يسعد بها البشر ، ويدركون بها حياة مطمئنة آمنة ، فمن يعتقد أن الربا مثلاً من الوسائل التي تتسع بها الثروة وينتقل بها الناس من فقر إلى غنى ، فقد وقف بهذا الرأي محارباً لله ورسوله ، ولا يزيده ما يرتكبه في تحريف نصوص الشريعة عن مواضعها إلا ضلالاً.
والشاب المسلم لا يجعل أحكام الشريعة تابعة لهواه وشهواته ، فيأخذ في تأويل نصوص الشريعة والتلاعب بقواعدها حتى يزعم أنها موافقة لهواه ، كمن يحاول أن يكون لسفور النساء وتبرجهن و اختلاطهن بالرجال غير محظور شرعاً ، يزعم هذا لينظر إلى بنات المسلمين وأزواجهن بملء عينيه ، أو يتصل بهم دون أن يسمع كلمة إنكار.
والشاب المسلم لا يسعى لمجالسة الجاحدين إلا أن تدعوه إلى ذلك ضرورة ، فإن علامة حياة القلب بالإيمان تألمه من سماع كلمة تهكم أو طعن في الدين ، وقد دل التاريخ والمشاهدة أن الزنادقة إن لم يطعنوا في الدين أو يتهكموا بالمؤمنين صراحة لم يلبثوا أن يطعنوا فيه أو يتهكموا به رمزاً وكناية ، ثم إن الملحد أيها الشاب المسلم لا تجد في خلقه وفاء، ولا في مودته صفاء ، إلا أن تسير سيرته وتحمل بين جنبيك سريرته.
والشاب المسلم يمثل سماحة الإسلام ، وفضله في تهذيب النفوس وأخذها بأرقى الآداب ، فإذا جمع بينه وبين المخالفين المسالمين عملٌ لمصلحة وطنية عاشرهم برفق وإنصاف ، وإذا دارت بينه و بينهم محاورة علم أو دين اكتفى بتقرير الحقائق ، وإقامة الحجة ، وطهر لسانه أو قلمه من الكلمات الجافية ، وأخفى ما قد يقع في نفسه من غيظ ، والتجمل بالأناة وحسن السمت ، ولين القول قد يجاذب النفوس الجامحة عن الحق ، ويخطو بها الخطوة الأولى إلى التدبر في الحجة.
والشاب المسلم يعمل ليرضى ربه ، ولا يحفل بأن تكون له وجاهة عند رجال الدولة ، فإذا وجد أمامه أمرين أحدهما : يرضي الخالق ، وثانيهما : يقربه من ذوي السلطان درجة اختار أولهما ، فإن آثر رضا السلطان على رضا الله ، فليتفقد مقر إيمانه ، فعساه أن يهتدي إلى المرض الذي طرأ على قلبه ، فليلتمس له دواء ناجعاً ، وإنما دواؤه الناجع أن يعلم أن الله يمنعه من ذوي السلطان ، وأن ذوي السلطان لا يمنعونه من الله سبحانه.
والشاب المسلم قد تقضي عليه ظروف خاصة بأن يسكت عن بعض ما هو حق ، ولكنه إذا تكلم لا يقول إلا الحق.
والشاب المسلم لا يزن الناس في مقام التفاضل بما يزنهم به العامة من نحو المال أو المنصب ، وإنما يزنهم بما يزنهم به القرآن المجيد والعقل السليم من ورائه ، أعني العلم النافع والسيرة النقية الطاهرة ، كما قال تعالى :[ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ{الحجرات:13} .
والشاب المسلم يكسب المال ليسد حاجات الحياة ، ويحيط نفسه بسياج من العفاف والكرامة ، ويأبى اشد الإباء أن يسعى له من طريق الملق وإراقة ماء الوجه ، والذي يبذل ماء محياه ولا يبالي أن يقف موقف الهوان ، هو الشخص الذي فقد أدب التوكل على الخالق ، جل شأنه، وزهد في ثوب العزة الذي ألبسه الله إياه بقوله :[ وَللهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ{المنافقون:8} .
والشاب المسلم لا يرفع رأسه كبراً وتعاظماً على الطيبين من الناس ، و إن كان أغزر منهم علماً ، وأعلى منصباً ، وأكثر مالاً ، وأوسع جاهاً ، وإنما الكبر والتعاظم مظهر قذارة في النفس توحي إلى أن من ورائها نقائص أراد صاحبها أن يوريها عن أعين الناس بهذه الكبرياء.
والشاب المسلم يرفع رأسه عزة على من يعدّون تواضعه خسة في النفس أو بلاهة في العقل ، حتى يريهم أن الإيمان الصادق لا يلتقي بالذلة في نفس واحدة.
والشاب المسلم إذا رأى منكراً يُفعل نَهى عنه ، وإذا رأى معروفاً يترك أمر به ، ولا يقول كما يقول فاقدوا الغيرة على الإصلاح : ذلك شأن رجال الدين ، يعنون أرباب العمائم خاصة ، والدين لم يقصر واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على طائفة تسمى رجال الدين بل أوجب الأمر بالمعروف على كل من علم أنه معروف ، وأوجب النهي عن المنكر على كل من عرف أنه منكر ، لا فرق بين الشاب والشيخ والمتعمم وحاسر الرأس.
سادتي : هذه كلمة سقنا فيها مثلاً من السيرة التي يجب أن يكون عليها شباب الإسلام ، وإذا هم تحروها رشداً وثقنا بأن لنا أمة تستطيع أن تقف أمام كل قوة وهي على ثقة بأن تجد من الله ولياً ونصيراً.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
 
المصدر : مجلة الهداية الإسلامية ، ذي الحجة ومحرم 1365المجلد الثامن عشر العدد السادس والسابع.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين