من هنا يبدأ الالحاد

تمهيد :

الإلحاد مذهب فلسفي يقوم على فكرة أساسها انكار وجود الخالق، وعدم الاعتقاد بحياة اخرى بعد الموت ، وينسبون الخلق والاحياء والاماتة الى هذا الكون المادي الذي يسمونه (الطبيعة) ، وتكريس الحياة كلها للدنيا فحسب.

الإلحاد بين القديم والحديث:

أما الإلحاد القديم :

فقد حكى القران الكريم عن فئة قبل ظهور الاسلام كانت تقول بنسبة الإحياء والإماتة إلى الدهر ، وإنكار وجود قيامة بعد الموت، وكانوا يسمون بـ (الدهرية ) وقد حكى القران الكريم مقولتهم :" نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر" [الجاثية:24]، وفي مقولة اخري:" وقالوا ان هي الاحياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين " [المؤمنون:37].

وعلى ما يبدو أن هذه الفئة التي أورد القران الكريم خبرهم فئة قليلة جدا بالنسبة للمشركين وقتئذ ، فالمشركون كانوا يشركون مع الله آلهة أخرى ، يتقربون إليها ويعبدونها لينالوا القرب من الله الخالق المحي المميت ." ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى "[ الزمر:3]. وهم يعتقدون أن الله هو الخالق ،"ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ووسخر الشمس والقمر ليقولن الله" [العنكبوت:61].

وفي عصر الخلفاء الراشدين، وكذا العصر الأموي لم نسمع عن الملحدين أو الإلحاد خبرا، أما في عصر الدولة العباسية فقد تكاثرت ما يسمى بالفرق الباطنية تكاثرا عجيبا ، وهذه الفرق كان ظاهرها الرفض (أي التشيع) وباطنها الإلحاد والكفر المحض ، كالقرامطة الذين قاموا باقتلاع الحجر الأسود من الكعبة وأخذه الى القطيف عام 317هـ وفي نفس العام قاموا بقتل خمسا وثلاثين الفا من الحجاج ،وألقوا بهم في بئر زمزم ، وفي هذه الوقت ظهرت فرق باطنية كثيرة كالحشاشين، والعيارين ، ووووووو وامتدادات بعض تلك الفرق الباطنية في عصرنا الحاضر بأسماء مختلفة .وهي تعلن الحادها حينا وتخفيه احيانا . 

اما الإلحاد الحديث :

فهي نزعة غزت كثيرا من دول العالم الغربي والشرقي، وتجسدت من خلال سببين رئيسين : 

الأول : الثورة الفرنسية :

وهي حركة احتجاجية عنيفة رفضت تسلط رجال الكنيسة وظلم الاقطاع ، بل طال الرفض التعاليم الدينية للكنيسة نفسها بعد ان اطلع الناس على جهالاتها وخرافاتعا التي تتعارض مع منطق العلم وقواعد العقل. 

وبعد أن تخلت اوروبا عن تعاليم الكنسة وسلطة رجالها تحولت نحو تمجيد العقل بل تقديسه ، واعتبرته المصدر الوحيد للمعرفة بعيدا عن التصورات الغيبية التي كانت تتبناها الكنيسة .

وقد أنتج الفكر الأوربي تيارات ومذاهب أقرب إلى الإلحاد بعيدا عن الخالق التي كانت تتبناه الكنيسة . ومن ذلك:

1_ الوجودية : وهو مذهب فكري يقوم على الإلحاد وإنكار الخالق معتبرا الوجود الإنساني هو القضية الكبرى ، وهو منبع المعرفة وأساس البحث . 

2_ العلمابية المتطرفة :

وهي علمانية تقوم على الفصل الكامل بين الدين والدنيا ، أو بين الدين والعلم،وقد ظهرت في الغرب نظريات نسبت إلى العلم تكرس هذا المفهوم في نظرته الى الدين من حيث نشأته وحقيقته ، ومن هذه النظريات التي كان لها الأثر الكبير في زعزعة العقيدة لدى الغربيين : نظرية دارون في تطور النوع البشري ، والانتخاب الطبيعي ، وكذللك نظرية دوركايم في علم الاجتماع ، وكلا النظريتين كانت تهدف إلى الطعن في الدين وإنكار وجود الخالق.

.3_ المذهب الوضعي : وهو مذهب يقوم على فكرة التجربة الحسية ، بعيدا عن عالم الغيب الذي كانت تتبناه الكنيسة .

الثاني : الشيوعية المنهارة او المادية الجدلية :

وهو مذهب فكري يقوم على الإلحاد، وانكار الخالق ، ويعتبر المادة هي أساس الحركة في كل شيء،وقد وضع كارل ماركس اليهودي الألماني (1818_1883)أساس هذه النظرية ، والتي عرفت باسم المادية الجدلية .

ومما ساعد على انتشار الإلحاد اقترانه بالقوة المادية سواء في الجانب العلمي أو الاقتصادي او العسكري.

أسباب ظهور الإلحاد في المجتمعات الاسلامية :

لظهور الإلحاد في المجتمعات الاسلامية أسباب متعددة ايضا ولكن أسبابها في مجتمعاتنا تختلف عن أسبابها في الغرب .

فقد بدأ الكلام عن حركات الإلحاد المنظمة في العالم العربي والاسلامي بعد منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، وذلك بسبب الاتصال بين العالم العربي والإسلامي وبين العالم الغربي عبر الإرساليات الدراسية، أو التدريب ، وعودة عدد من هؤلاء إلى أوطانهم وقد تأثروا بالفكر الغربي المادي الذي يقوم على تعظيم الطبيعة ، ورفع شأن العقل، وفصل الدين عن الدولة ، ونمط الحياة الغربية البعيدة عن قيم الدين وتعاليمه.

ولم تكن في البداية دعوة صريحة إلى الإلحاد ، وإنما كانت دعوة الى التحرر، أو التغريب (طه حسين)، والتعويل على العقل، ومحاكمة النصوص الشرعية إلى العقل او الحس ، ومحاولة افتعال خلاف حقيقي بين الدين والعقل او العلم .

ولا شك أن الظروف الفكرية التي أدت إلى ظهور الإلحاد في الغرب (في ظل ديانة محرفة، واحتكار الكنسية للمعرفة ، ومحاربة العلماء ، والتسلط الظالم من رجال الكنيسة على النصارى) تختلف عن ظروف العالم الإسلامي .

فالدين الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأصليه القران والسنة بقي بعيداً عن التحريف والتبديل الذي لحق بالنصرانية سواء في عقيدتها أو تعاليمها ، وان محافظة المسلمين على نقل كتابهم العزيز وسنة نبيهم والعلوم التي نشأت لخدمة هذين الأصلين جعلت مصادر الاسلام محفوظة مكنونة في نقائها وصفائها ، بحيث من يقرأالقران االيوم فكأنه سمعه عضا طريا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذك سنة المصطفى الصحيحة التي أبهرت الغربيين من طريقة التحقق والتثبت في نقل السنة فيما يسمى بعلم الجرح والتعديل ، وباقي علوم الحديث 

أضف الى ذلك انه ليس في الإسلام كهنوت او رجال دين وفق المفهوم الغربي للدين، كما لم يكن الاسلام عبر تاريخه معارضا للعلم او محاربا للعقل، بل إن الإسلا م دين العلم ،ودين العقل . 

لذلك فإن الإلحاد ليس له مستنبت طبيعي في البيئة الإسلامية ، كما كان سائدا في الأوساط الغربية ، ومع ذلك ماذا نقول عما يشاع عن وجود الإ لحاد في بعض البيئات الاسلامية ولو كان بنسب ضئيلة ، مع العلم أنه لم تتوفر بعد دراسات دقيقة في هذا السبيل.

ويمكن القول إن الإلحاد وإن وجد في البيئات الإسلامية( بنسب مختلفة) فليس إلحادا عقديا ، وإنما إلحاد احتجاجي أوانتقامي لأسباب وظروف عارضة ، لو أمكن علاجها فلن يبقي للإلحاد وجود ، ومن هذه الأسباب:

1_انتشار الخطاب المتطرف باسم الدين ، والذي سلك طريق القتل وترويع الآمنين باسم الجهاد، وإقامة الخلافة، ومحاربة المرتدين.مما جعل بعض الشباب العربي والمسلم يعلن عدم إيمانه صراحة ، واختلافه مع الخطاب الديني السائد ورفضه له 

2_ عدم حصول الشباب على أجوبة مقنعة لبعض أسئلتهم الجدلية في الدين والحياة .

3_الجمود الواضح لدى كثير من الدعاة، والمحاضن الشرعية في التعامل مع الشباب وقضاياهم المتجددة .

4_غياب القدوة الحسنة التي تعكس روح الإسلام الحقيقية من تسامح ومحبة وشفافية 

5_استخدام الدين لتحقيق منافع شخصية لا سيما أولئك الذين ينتسبون إلى أهل العلم ، وذلك بتطويع الدين لخدمة أصحاب السلطان والنفوذ بهدف الحصول على مكاسب شخصية. 

6_الأوضاع الاقتصادية القاسية التي يمر بها الشباب وما تلقيه بظلالها من انسدادات في الأفق ،وما يترتب على ذلك من اضطرابات نفسية وسلوكية .

7_ الظلم العام ، وعدم تكافىء الفرص ، واختلال الموازين ، وانتشار النفاق الاجتماعي والسياسي. .الى غير ذلك..................

والله المستعان

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين