من هم العلماء ؟تقديس العلماء -5-

من المغالطات التي من أشد ما يتعلّل بها المنحرفون ، و يُشيعها المغرضون ، لتنفير الشباب من العلماء و الربانيين الفقهاء ، قولهم : اتباعكم للعلماء و الأخذ بأقوال فقهاء ماتوا قبل قرون ، تقديس ذميم لهم ، و ذنب كبير عند الله تعالى ، إذ كان الله سبحانه قد نهى في كتابه عن اتباع الآباء و الأسلاف !! 

و هذه مقالة سوء تُخفي غرضاً ذميماً و جهلاً قبيحاً . فنحن عندما نطالب باحترام العلماء و الالتزام بأقوال الفقهاء ، فليس ذلك دعوة للشباب و لأصناف الناس لتقديسهم و الخضوع لهم ، بل هي دعوة لاحترامهم أوّلاً ، و تقدير تخصصهم في علوم القرآن و السنة ثانيّاً . و ذلك شبيه بدعوتنا النّاس لاحترام الأطباء و اتباع تعليماتهم الطبيّة . فلا يوجد مَن معه أدنى مسكة عقل يقول عن هذه الدعوة أنها دعوة لتقديس الأطباء و الخضوع لهم و إلغاء العقل معهم !! إذ كل إنسان يعلم أنّ اتباع الأطباء ناتج عن احترام تخصصهم الطبي ، علماً أنّنا لو سألنا أي مريض : هل تجزم أنّ وصفة هذا الطبيب صحيحة و يقينيّة لا يمكن أن يتطرّق إليها الخطأ ؟! لما وجد سوى أن يقول : أنا أحسن الظن بهم ، إذ كانوا أعلم مني بشؤون الطب و قواعده و أصوله ، لأنّهم متخصصون فيه ، و خطأ بعض الأطباء في شيء معيّن لا يعني أبداً أنّ الأطباء مخطئون في تخصصهم ، و لا أنّ الطب لا قيمة له !! كما لا يفهم أي إنسان معه شيء من حظ العقل أنّ جهله بمقادير الطبيب في وصفة الدواء يُعتبر طعناً في عقله و حطّاً من كرامته ، فهذا لا يخطر بباله بتاتاً !!

على أنّ هذا ليس يعني أنّنا ندعو لعدم مناقشة العلماء في آرائهم و أحكامهم المتعلّقة بالمسائل الفقهيّة و ما يعترض المجتمع من نوازل و مستجدّات ، إذ من الواضح أنّ القرآن و السنة صريحان في أنّ العصمة منتفية عن كل إنسان ، سوى القرآن و السنّة ، و هذا ما قرّره العلماء بقولهم : « كل إنسان يؤخذ من قوله و يُرد إلا صاحب الشرع » . 

إذن أين الخلل ؟!

الخلل و الإشكال يكمن في : مَن له الحق شرعاً في مناقشة أقوال العلماء و الاعتراض عليهم ؟! 

الجواب الذي يُخفيه الحريصون على تزييف وعي المسلم المعاصر هو : الذي يحق له مناقشة العلماء و الرد عليهم هو فقط مَن له حصيلة علميّة ممتازة في علوم الشريعة . فهذا يجب عليه شرعاً أن يقوم ببيان الحق الذي يراه وفق قواعد الشريعة و أصولها و مقاصدها . و هذا شبيه بقولنا : لا يحق لأي كان أن يرد على الطبيب قوله سوى أن يكون طبيباً مثله أو أعلى رتبة علميّة منه في معرفة أسرار الطب . و لا عاقل سيعتبر قولنا هذا اغتيالاً للعقل و استعباداً للبشر ، بل هو عين الحق و قمة الموضوعيّة ، و إلا كان بذلك يدعو للفوضى .

و لكن المنافقين الجدد لهم أهداف يحرصون على بلوغها ، و الخاسر هو الشاب المسلم الذي بسبب جهله يصدق شعاراتهم !!

و بالتالي عندما يأتي شخص جاهل بعلوم الشريعة و يريد أن يعترض على أهل العلم ، فقط لأنه يحمل شهادة جامعيّة في تخصص معين ، فهنا لا نستطيع أن نحكم عليه سوى : إما أنه جاهل ساذج ، أو يبحث عن الشهرة ، أو خبيث ماكر .

الحلقة السابقة هـــــــــــــــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين