عَنْ سُفيانَ بن عبدِ اللهِ - رضي الله عنه -، قالَ : قُلتُ : يا رَسولَ اللهِ، قُلْ لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عَنْهُ أحداً غَيرَكَ، قال :( قُلْ : آمَنْتُ باللهِ، ثمَّ استقِمْ ). خرَّجه مسلم، وغيره.
يتضمن هذا الحديث تلخيصاً جامعاً لأمر الإسلام كافياً حتّى لا يحتاجَ بعدَه لأمر غيره.
الاستقامة: هي سلوكُ الصِّراط المستقيم، وهو الدِّينُ القيِّم من غير تعريج عنه يَمنةً ولا يَسرةً، ويشمل ذلك فعلَ الطَّاعات كلّها، الظاهرة والباطنة، وتركَ المنهيات كُلِّها كذلك، فصارت هذه الوصيةُ جامعةً لخصال الدِّين كُلِّها .
وفي قوله - عز وجل - { فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ } إشارةٌ إلى أنَّه لابُدَّ من تقصيرٍ في الاستقامة المأمور بها، فيُجبَرُ ذلك بالاستغفار المقتضي للتَّوبة والرُّجوع إلى الاستقامة، فهو كقول النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم)- لمعاذ: ( اتَّقِ الله حيثُما كُنت، وأتبعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تَمحُها).
وقد أخبر النَّبيُّ (صلى الله عليه وسلم) أنَّ الناس لن يُطيقوا الاستقامة حق الاستقامة، كما قال النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم)- قال: (استَقيموا ولن تُحْصوا، واعلموا أنَّ خيرَ أعمالكُم الصَّلاةُ، ولا يُحافِظُ على الوضوء إلاَّ مؤمنٌ).
وفي "الصحيحين"عن أبي هريرة، عن النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم) قال: (سددوا وقاربوا ).
فالسَّدادُ: هو حقيقةُ الاستقامة، وهو الإصابةُ في الأقوالِ والأعمال والمقاصد، وقد أمرَ النَّبيُّ (صلى الله عليه وسلم)عليَّاً أنْ يسألَ الله - عز وجل - السَّداد والهدى.
والمقاربة : أنْ يُصيبَ ما قَرُبَ مِنَ الغرض إذا لم يُصِبِ الغرضَ نفسَه، ولكن بشرط أنْ يكونَ مصمِّماً على قصد السَّداد وإصابة الغرض، فتكون مقاربتُه عن غير عمدٍ، ويدلُّ عليه قولُ النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم) : ( أيُّها النَّاس، إنَّكم لن تعملوا – أو لن تُطيقوا - كلَّ ما أمرتُكم، ولكن سدِّدوا وأبشروا) والمعنى: اقصِدُوا التَّسديدَ والإصابةَ والاستقامةَ، فإنَّهم لو سدَّدُوا في العمل كلِّه، لكانوا قد فعلوا ما أُمِرُوا به كُلِّه.
فأصلُ الاستقامةِ استقامةُ القلب على التوحيد، كما فسَّر أبو بكر الصِّديق وغيرُه قولَه: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} (الأحقاف: 13) بأنَّهم لم يلتفتوا إلى غيره، فمتى استقام القلبُ على معرفةِ الله، وعلى خشيته، وإجلاله، ومهابته، ومحبته، وإرادته، ورجائه، ودعائه، والتوكُّلِ عليه، والإعراض عما سواه، استقامت الجوارحُ كلُّها على طاعته، فإنَّ القلبَ هو ملكُ الأعضاء، وهي جنودهُ، فإذا استقامَ الملك، استقامت جنودُه ورعاياه.
وكذلك فسَّر قوله تعالى : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً} (الروم: 30) بإخلاص القصد لله وإرادته وحدَه لا شريكَ له .
وأعظم ما يُراعى استقامتُه بعدَ القلبِ مِنَ الجوارح اللسانُ، فإنَّه ترجمانُ القلب والمعبِّرُ عنه، ولهذا لما أمر النَّبيُّ (صلى الله عليه وسلم)- بالاستقامة، وصَّاه بعدَ ذلك بحفظ لسانه، وعن أنس، عن النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم) قال: (لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتَّى يستقيم قلبُه، ولا يستقيمُ قلبُه حتى يستقيمَ لسانُه).
وعن أبي سعيد الخدري: (إذا أصبح ابن آدم، فإنَّ الأعضاءَ كلها تكفر اللِّسان، فتقول : اتق الله فينا، فإنَّما نحنُ بك، فإنِ استقمتَ استقمنا، وإنِ اعوجَجْتَ اعوججنا).
د.البشير عبد العالي (بتصرف، واختصار)
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول