من مساجد اللاذقية التاريخية جامع الجديد

 

 

مسجد في مدينتي

 

جامع الجديد من اجمل واكبر مساجد اللاذقية.. ننقل اليكم ما ورد في مقالة الاستاذ المؤرخ ياسر صاري حفظه الله عن هذا الجامع الرائع...

المسجد السليماني الجديد:

 

يقع هذا المسجد في مركز البلد إلى الشرق من الدار العلائية، حائطه الجنوبي موازٍ للشارع الممتد من المتحف (خان الدخان) إلى الثكنة الإبراهيمية. ويشغل مع ملحقاته مساحة قدرها خمسة دنمات.

 

للمسجد ثلاثة أبواب:

 

الباب الجنوبي: وهو الباب الرئيسي المتصل بالشارع، ويتألف من دهليز طوله أربعة أمتار تقوم على جانبيه مساطب حجرية، وتعلوه من الجهة الخارجية نقوش تذكرنا بنقوش خان العظم في دمشق. ينتهي الدهليز بباب المسجد الذي تعلوه لوحة رخامية نقش عليها:

 

بأوامر الباشا سليمان اللبيب هو الحسيب

باللاذقية مسجداً أنشأه فيها مستجيب

صلِّ فيه واجتهد أرِّخ أقم باب مسجدنا له فتح قريب

1139

 

وعلى يمين المدخل سبيل رخامي عليه شباك حديدي، تعلوه زخارف تحاكي زخارف المدخل. وثمة سبيل آخر عار عن الزخرفة يقوم في الجانب الآخر من المسجد.

 

الباب الغربي: يتصل بالصحن مباشرة، تكتنفه مصطبتان حجريتان صغيرتان. وقد بني بانحراف عن حائط المسجد ليكون في مستوى دائرة وسط السماء، بحيث تستتر المصطبة الشمالية بظل المصطبة الجنوبية عند انتصاف النهار تماماً، فيشكل مزولة تحدد وقت الظهر من كل يوم، حاول المهندس أن يخفف من هذا الانحراف بلمسة فنية ظهرت على شكل مسند مثلث الشكل.

 

الباب الشمالي: يماثل الباب الغربي في شكل البناء، إلا أنه خال من الزخرفة. ولم يدرك المهندس المشرف اليوم على أعمال الطرق سبب الانحراف فيه فهدمه ليستقيم مع الجدار!.

 

حرم الصلاة:

 

يقع حرم الصلاة في الجهة الجنوبية، تطل نوافذه على الشارع العام. يبلغ عرض حائطه أكثر من مترين. يتألف سقفه من تسع قباب، تتوضع في ثلاثة صفوف، تستند إلى الجدران من الجهة الخارجية وعلى أربعة أعمدة تحيط بالقبة المركزية من الداخل. الأعمدة بتيجانها الرخامية أخذت من الآثار التي تمتلئ بها اللاذقية.

 

بني المحراب من الرخام الملون المتداخل، والمنبر من رخام أبيض، نقش أعلى مدخله بخط الثلث البيت التالي:

 

ومنبر تعلو الرجال عليه=لأمر بعرف واجتناب نواهي

 

في الشمالي قبالة المحراب مقصورة من خشب مزخرف تستند إلى دعائم حجرية، فيها نافذة بارزة على شكل شرفة صغيرة مطلة على صحن المسجد لجلوس القراء والمؤذنين للتبليغ.

 

صحن المسجد ساحة مكشوفة تتوسطها بركة دائرية تعلوها قبة قائمة على ثمانية أعمدة، في الزاوية الشمالية الغربية انتصبت مئذنة رشيقة ترتفع قرابة أربعين متراً، نقشت على لوحتها التأريخية:

 

انظر لحسن منارة متأملاً=تجد البناء بها بناء ممعناً

وأجب لداعٍ بالفلاح مؤرخاً=حباً بإعلان المؤذن معلنا..... 

انتهت مقالة الاستاذ ياسر صاري حفظه الله

 

واقول:

 

ولقد تعاقب في الخطابة والامامة والتدريس في هذا المسجد المنيف اكابر علماء اللاذقية وخصوصا علماء ال الازهري وكان اخرهم العلامة الكبير محمد محاسن الازهري نقيب الاشراف باللاذقية ونجله العالم الجليل محمد صلاح الدين ازهري رحمهما الله ثم استلم الخطابة والامامة الشيخ الجليل مواهب نتيفة رحمه الله..ونذكر ان الامام المغربي رضي الله عنه كان له كرسي للتدريس في هذا المسجد المنيف كما نذكر ان مهمة توقيت الصلاة كانت في هذا المسجد الشريف وكانت هذه الوظيفة بيد علماء ال الصوفي النجباء واشهرهم العلامة القاضي الشيخ محمد صالح صوفي واخرهم العلامة الكبير الشيخ عارف مصطفى الصوفي رحمه الله الذي كان يعيش مجاورا للمسجد ثم خلفه ابنه السيد وجيه بالتوقيت وكان اخرهم. بقي ان اذكر ان المسجد حوى مدرسة شرعية ايضا درس بها كبار علماء اللاذقية من ال المحمودي وال الازهري وال الطويل وال الصوفي، ويبدو ان المدرسة التابعة لجامع الجديد بناها الوالي عمر شوقي باشا حيث خلدت في اشعار العلامة الشيخ عبد الحميد المحمودي مادحا باني المدرسة عمر شوقي باشا وفي اشعار العلامة الشيخ عبد الرحمن المحمودي احد مدراء هذه المدرسة. كما ان الغرفة القيصرية كانت مكانا لاجتماع علماء اللاذقية واعيانها حين شكلوا ما يسمى بالمجلس الطائفي الاسلامي انذاك وايضا اجتماع اعضاء المسؤولين في لجنة الوقف,.كما كانت كتابا لتعليم القرآن الكريم (مدرسة لتحفيظ القرآن للصغار) واللغة العربية يقيم عليها الشيخ الجليل عبد الرحمن انتيفة رحمه الله.

 

ولنا بهذا المسجد الشريف ذكريات جميلة جدا فلقد قضيت طفولتي مجاورا له واحب ان اذكر اسم خادم المسجد الحاج رشاد حكيم رحمه الله تعالى كم كانت لنا ذكريات معه ولا بد من ذكر صاحب الصوت الحنون المؤذن والمنشد المداح الحاج صديق دباغ الذي ترعرعنا على صوته الجميل رحمهم الله اجمعين رحمة واسعة...ً

 

سيرة باني المسجد سليمان باشا العظم رحمه الله

 

سليمان باشاالعظم هو ابن إبراهيم باشاالعظم. وُلي طرابلس وصار جرداوياً لاخيه شقيقه الوزير إسماعيل ثم وُلي صيدا، وبها انتهت إليه الوزارة ثم وُلي صيدا ثانية ثم وُلي دمشق سنة 1146 – 1151 بامارة الحج وحج للمرة الخامسة بحجيج الشام ثم وُلي مصر وعاد إلى دمشق فوليها سنتين 1154 – 1156.

 

وجاء في كتاب (ولاة دمشق) صفحة 65 ((في تاسع شعبان سنة 1146 نهار الخميس دخل والي دمشق سليمان باشا العظم زاده المنفصل عن صيدا.)) وجاء في الصفحة 78 ((خرج سليمان باشا إلى الحج ولما عاد أقام الافراح ورفع المظالم وعمّر عمارة كبيرة (ولعل هذه العمارة الكبيرة هي المدرسة السليمانية المعروفة في دمشق) وعُزل في سنة 1151)).

 

وقال أيضا ((وفي غرة رجب سنة 1154 دخل الشام ثانية، منفصلا عن مصر وكان بطلاً شجاعاً)).

 

وجاء في تاريخ الجبرتي جزء 1 صفحة 155-156 ان سليمان باشا الشهير بإبن العظم تولى ولاية مصر سنة 1152 وعُزل في السنة التالية. ويقول البديري في يومياته(1) ((دخل سليمان باشا الشام نهار الخميس ثاني عشر جمادى الثانية من سنة 1154 وبعد ثلاثة أيام من دخوله أعدم ثلاثة أشقياء من العرب)) ثم توسع البديري بذكر ما قام به سليمان باشا من الأعمال العظيمة لنشر الأمن، ومن جملة ما رواه عنه قوله (2) ((في أوائل شهر صفر الخير من سنة 1156 جاء خبر عن الحج الشريف بأنه سُلب في الحسا قريباً من القطرانة وذهب على ما قيل نصف الحاج، من خيل وجمال وبغال ونساء ورجال وأموال واحمال، وقد سُلب لاحد التجار سبعة عشر حمل كل حمل لا يقام بثمن، فاستغاثوا بحضرة سليمانباشا العظم والي الشام وأمير الحج وقالوا نحن نهب لك مالنا فخذه أنت ولا تتركه للعرب، وسرعان ما نهض واخذ معه جماعة وذهب إلى مكان الحادث فخاطر بنفسه ثم عاد بالاسلاب جميعها وسلمها إلى اصحابها ولم يأخذ لنفسه شيئا منها وقد عدوا هذه المنقبة لمثله من الهمم العالية والمروءة السامية)).

 

واستمرالسيد البديري يعدد مناقب صاحب الترجمة إلى أن وصل إلى الخبر التالي 

وفي الجزء الرابع من تاريخ سوريا المجلد السابع ليوسف الدبس صفحة 375 وما بعدها إلى 385 أخبار عن مناوشات جرت بين سليمان باشا وبين امراء لبنان ايدها الأمير حيدر الشهابي في تاريخه عن لبنان..

 

وأخيرا أنقل هذه الفقرة للخوري ميخائيل بريك الدمشقي من تاريخه المسمى (وثائق تاريخيه – للكرسي الملكي الانطاكي) وتقع حوادثه بين سنتي 1720 و1782 ميلادية حيث قال في الصفحة 8 منه :((عين سليمان باشا العظم لدمشق وكان حاكما عادلا رفع المظالم عن جميع الحرف، وعمر السرايا(4) الخ وفي سنة 1744 ركب إلى طبريا لمحاربة ظاهر العمر وهناك مات وقيل مسموما. واحضروه للشام وغسل ودفن في مدفن آل العظم بجوار بلال الحبشي – ويا حيفه يموت-....)) وقد ذكر البديري في يومياته في الصفحة 45 كيف مات ودفن وماقام به الدفتردار فتحي الفلاقنسي من أعمال بربرية في سبيل الاستيلاء على خزائنه واملاكه والتضييق على عائلته وتعذيبها واقامته عليها حرسا بالليل والنهار وأن أخاه أسعد باشا انتقم فيما بعد من هذا الدفتردار انتقاما شديدا لما ارتكبه من الفظائع في هذا السبيل. ثم قال : ((رحمة واسعة فقد كان وزيرا عادلا حليما صاحب خيرات ومبرات محبا للعلماء واهل الصلاح وقد أبطل مظالم كثيرة)) ويروي التاريخ أن سليمان باشا بنى مدرسة السليمانية بدمشق كما تقدم.

 

كما ذكر أخباره محمد كردعلي في كتابه خطط الشام

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين