من شهادات المنصفين في العهود التالية لعهد النبوة (2)

من شهادات المنصفين الغربيّين بالإسلام وبرسول الله صلى الله عليه وسلم

يقول البروفسور " كك. س. راماكرشناراو "، في كتابه " مُحَمّد رسول الإسلام ": " إنّ رسول الإسلام استطاع أن يعلم العرب، الذين كانوا يتقاتلون فيما بينهم /40/ سنة، لمجرد استفزاز بسيط.. استطاع أن يعلم أولئك الأجلاف، ضبط النفس والنظام إلى درجة الصلاة حتى في ميدان المعركة.. ".

" وعندما أخفقت محاولاته العديدة في استمالة الخصوم، ودعوتهم إلى التسامح والتوفيق برزت ظروف اضطرته للمعركة دفاعاً عن النفس، وقد غيّر رسول الإسلام استراتيجيّات الحرب كلّياً، فلم يزد مجموع القتلى عن بضع مئات في كافّة الحروب التي حدثت خلال حياته، بعد أن دانت له شبه الجزيرة العربية كلّها.. ".

" لقد أصبحت الحرب نفسها إنسانيّة في عصر بربريّ متوحش، فقد صدرت الأوامر إلى المقاتلين بعدم الاختلاس أو الغشّ، أو خيانة المواثيق، أو التمثيل بالقتلى، أو قتل النساء، أو الأطفال أو الشيوخ.. ".

" ومكّة أصبحت ـ بعد الفتح ـ تحت سيطرته، وكان باستطاعته بحكم شريعة العرب أن ينتقم لجميع الأعمال الوحشية التي لقيها هو وأصحابه، ولكن ماذا فعل مُحَمّد بأهل مكة؟ لقد طفح قلبه رحمةً ومحبّة، وخاطبهم قائلاً: ( لا تثريب عليكم اليوم ! اذهبوا، فأنتم الطلقاء ).

" وبعد فتح مكة خضعت لنفوذه مساحة تزيد عن المليون ميل مربع، لقد أصبح ( مُحَمّد ) سيد الجزيرة العربية، ذلك الرجل الذي كان يصلح نعاله وإزاره الخشن بيديه، وكان يحلب الغنم، ويكنس الموقد، ويوقد النار، ويقوم على خدمة أهله، وفي آخر أيام حياته ازدهرت المدينة التي كانت مقرّاً لإقامته، وانتعشت ثراءً واقتصاداً، فكثر الذهب والفضة في كلّ مكان فيها، وحتّى في أيام الرخاء والازدهار تلك، كانت تمضي الأسابيع العديدة بدون أن توقد نار الطبخ في مواقد سيّد الجزيرة، فطعامه التمر والماء، وقد تنقضي الليالي تباعاً وأهله جياع، لا يجدون ما يأكلون، ولم يكن ينام على فراش وثير، ولكن على جريد من نخل بعد نهار طويل من العناء، ليقضي معظم ليله في العبادة، يتضرع إلى الله بالدموع أن يمنحه القوة على تبليغ الرسالة..

" كثيراً ما تغيّرت الظروف، لكن رسول الله لم يتغير، سواء في الانتصارات أم في الهزائم، في القوة أم في الضعف، في الرخاء أم في الفاقة، لقد ظلّ كما هو، وظلّ خلقه كما كان.. هكذا هي سنة الله لا تتغيّر، ورسله أيضاً لا يتغيّرون ".

ويقول " توماس كارليل ": " إنّ الإسلام يعلّمنا الخضوع لله، وأن تستسلم قوانا كلّها، وتذعن لقدرته، فمهما فعل بنا، ومهما أعطانا فهو خير، وهو الأفضل، ولو حتّى الموت، أو ما هو شرّ من الموت، فالنفس يجب أن تذعن لله.

ويتساءل " غوته ": فإذا كان هذا هو الإسلام، أفلا نكون جميعاً مسلمين؟ ويجيب " كارليل " عن سؤال " غوته ": " نعم جميعنا نعيش كذلك نحن الذين نملك الخلق، فالإسلام بحقّ أعظم حكمة أرسلتها السماء إلى الأرض ".

" إن كلام هذا الرجل ( مُحَمّد ) هو الصوت المنبعث مباشرة من صميم الوجود، وعلى الناس أن يستمعوا له، وليس لشيء آخر، لأنّ ما سواه هباء لو قيس به ".

ويقول " شاند شاروا " في كتابه " أنبياء المشرق ": " كان (مُحَمّد) جوهر الرحمة، وقد أثّر في أتباعه بحيث لن ينسوه أبداً ".

ويقول " وليام دريبر " في كتابه " تاريخ النشوء الفكريّ في أوربا ":

" بعد أربع سنوات من موت الإمبراطور الروماني " جستنيان " سنة /569/ ولد في مكة في بلاد العرب ذلك الرجل الذي كان له أعظم تأثير بين جميع الرجال على الإنسانيّة كلها، إنّه ( مُحَمّد ).

ويقول " أ. ر. جب " في كتابه: " المحمّديّة ": " لو كان القرآن من تأليف ( مُحَمّد ) لاستطاع غيره أن يأتوا بمثله، فليأتوا إذن بعشر سور من مثله، فإن لم يستطيعوا، فليؤمنوا إذن بالقرآن معجزة إثباتيّة باهرة ".

ويقول البروفسور " كك. س. راماكرشناراو ": " إذا كان سمو الغاية، وضعف الوسيلة، وتحقيق النتائج المذهلة " ـ هي المقاييس الثلاثة للإنسان العبقريّ ـ فمن ذا الذي يجرؤ أن يقارن ( مُحَمّداً ) بأيّ رجل عظيم آخر في التاريخ الحديث؟!.

" إن ( مُحَمّداً ) لم يحرّك الجيوش، ولم يهزّ الشرائع، ولا قوّض الشرّ، ولا السلالات الحاكمة فحسب، بل حرّك ملايين الرجال، وأكثر من ذلك، فقد أزال مذابح القرابين، وحطّم الآلهة المعبودة، وقوّض الأديان والنظريّات والمعتقدات، وهزّ النفوس، وأمّا الكتاب الذي أصبح كلّ حرف من حروفه قانوناً، فقد أسّس به ( مُحَمّد ) قوميّة روحيّة، امتزج فيها الناس من شتّى الألسن والأعراق.

" لم تكن صلواته المستمرّة، ولا مناجاته لله، ولا انتصاراته التي حقّقها حتّى بعد موته.. لم تكن كل هذه الأشياء دعوى نبيّ كاذب مدّعٍ..

" إن ( مُحَمّداً ) فيلسوف وخطيب ورسول، ومشرّع ومحارب، وقاهر نظريّات، ومحيي العقائد الحقيقيّة، وصاحب الديانة الخالية من الأصنام والتماثيل، ومؤسّس عشرين إمبراطورية دنيويّة تربطها جميعاً رابطة روحيّة واحدة، ذاك هو ( مُحَمّد )، ولو استعرضنا جميع المقاييس التي يمكن أن تقاس بها العظمة الإنسانيّة، لصحّ لنا التساؤل: هل كان هناك رجل أعظم من مُحَمّد؟!

" هناك مثل يقول بأنّ الرجل النزيه هو أنبل شيء صنعه الله، و ( مُحَمّد ) كان أكثر من نزيه، لقد كان إنسانيّاً إلى مخ عظامه، وكان العطف والشفقة والإنسانيّة موسيقى نفسه، وكانت غاية رسالته خدمة الإنسان والرقيّ به، وتطهيره وتثقيفه، أو بكلمة أصحّ أنْسنَة الإنسان، وقد عاش حياته كلّها وأنهاها، وهو يحقّق هذه الغاية، وسواءً بالفكر أم بالقول أم بالفعل، فقد كان خير الإنسانيّة إيحاءه الوحيد، ومبدأه الإرشاديّ الأوحد.

" كان ( مُحَمّد ) أبعد الناس عن التفاخر والأنانيّة، وإذا سألت ما الألقاب التي أطلقها على نفسه، تجدها اثنين فقط: ( عبد الله ورسوله.. ) والعبد أوّلاً ثمّ الرسول..

" كان ( مُحَمّد ) يقول بكلّ بساطة: إنّه بشر مثل الناس الآخرين، ولم يكن يملك خزائن الأرض ولا السماء، ولا ادّعى يوماً أنّه يعلم الغيب ".

ويقول " المهاتما غاندي ": " يقول قائل: إنّ الأوربيّين في جنوب أفريقيا يمتلكهم الفزع من مجيء الإسلام، ذلك الإسلام الذي مدّن إسبانيا، وحمل مشعل النور إلى مراكش، والذي بشّر العالم بالتآخي، إنّ الأوربيّين في جنوب أفريقيا يفزعون من مجيء الإسلام، لأنّهم ينادون للمساواة بالأجناس البيضاء، فليفزعوا إذا شاءوا، فإذا كان الإخاء جريمة.. وإذا كان المساواة مع الأجناس الملونة هي التي تفزعهم، فعندئذٍ سيكون لفزعهم ما يبرّره ".

ويقول البروفسور "هور كرونجي": " إنّ هيئة الأمم التي أسّسها رسول الإسلام قد أقامت مبادئ المساواة والإخاء الإنسانيّ على أسس عالميّة، كشمعة تنير الطريق للأمم الأخرى ".

تقول " ساروجيني نايدو " عن المساواة في الإسلام: لقد كانت أوّل ديانة نادت بالديمقراطيّة، وطبّقتها، إذ عندما يرتفع الأذان، ويجتمع المصلّون معاً، تتجسّد ديمقراطيّة الإسلام خمس مرات في اليوم، حيث يركع العظيم والحقير جنباً إلى جنب، وهم يعلنون أن لا عظيم إلاّ الله.

" ولقد اندهشت من تلك الوحدة الإسلاميّة التي لا تتجزأ، والتي تجعل الإنسان أخاً فطريّاً للإنسان الآخر، فعندما يلتقي مصريّ وجزائريّ وتركيّ في لندن فما عاد يهمّ أن تكون مصر وطناً لأحدهم والهند وطناً للآخر ".

ويقول " إدوارد جيبون، وسيمون أوكلي " في كتاب " تاريخ الإمبراطورية الإسلامية ": " إنّ طهارة رسول الإسلام قد أبت عليه أن ينتهك أيّ معيار من معايير الفضيلة الإنسانيّة، كما أنّ مداركه الخالدة قد حصرت مناقب أصحابه وأتباعه ضمن حقوق العقل والدين ".

يقول البروفسور " كك. س. راماكرشناراو ": " لو كانت العظمة على سبيل المثال تتألّف من تطهير وتنقية شعب كان هاوياً في ظلمات التوحّش، ومغموراً في ظلام خلقيّ مطلق، فإنّ تلك الشخصيّة الديناميكيّة التي استطاعت أن تحوّل أمّة كاملة، وتهذّبها، وترقّيها بعد أن كانت تعيش في هاوية سحيقة كحال العرب، فجعلت منهم حملة مشاعل الحضارة والتمدّن والعلم.. أقول: إنّ تلك الشخصيّة لها كلّ الحقّ أن تدّعي العظمة، ولو كانت العظمة تتألّف من توحيد العناصر المتضاربة لمجتمع ما في رابطة أخوّة وتراحم، فإنّ رسول الصحراء قد حقّق كلّ هذا الامتياز.. ولو كانت العظمة تتألّف من إصلاح الناس المستغرقين في الخرافات الشائنة، وفي الممارسات المهلكة بجميع أشكالها فإنّ رسول الإسلام قد قضى على تلك الخرافات، وأزال تلك المخاوف اللامعقولة من قلوب الملايين، ولو كانت العظمة في التخلّق بالأخلاق الحسنة، فقد شهد لمحمّد أعداؤه وأصدقاؤه، بأنّه الأمين والصادق المصدوق..

" وإذا كان الفاتح رجلاً عظيماً، فهذا رجل نهض من يتم وضعف، ليصبح حاكماً على بلاد العرب، ونظيراً لكسرى وقيصر، رجل أسّس أمبراطوريّة عظيمة، استطاعت أن تستمرّ كلّ الأربعة عشر قرناً الماضية..

" وإذا كان إخلاص القائد هو مقياس العظمة، فإن اسم الرسول ( محمّد ) لا زال إلى يومنا هذا له سحر يسيطر على ملايين الأنفس المنتشرة في جميع أنحاء العالم.

" إنّ محمّداً لم يدرس الفلسفة في مدارس أثينا أو روما، أو بلاد فارس أو الهند أو الصين، ومع ذلك فقد استطاع أن ينادي بأرقى المثل ذات القيم الخالدة للبشريّة..

" وبرغم أمّيّته فقد تكلّم بفصاحة وحماسة، ألهبت الرجال إلى حدّ البكاء، ورغم يتمه وافتقاره إلى المباهج الدنيويّة، كان محبوباً من الجميع..

" ومع أنّه لم يلتحق بالكليّات العسكريّة، فقد استطاع أن يجيد تنظيم قوّاته في وجه خصومه العتاة، وحقّق الانتصارات من خلال قواه المعنويّة التي مهر فيها..

" والدعاة الموهوبون بالعبقريّة نادرون لكن " ديكارتيه " يعتبر ( مُحَمّداً ) واحداً من أكمل الدعاة وأندرهم في العالم.

" وقد عبر " هتلر " عن وجهة نظر مماثلة، حيث يقول في كتابه " كفاحي ": " قلما يكون المفكّر عظيماً، أمّا الداعية فهو أقرب جدّاً إلى امتلاك هذه الصفة، وهو دائماً القائد الأفضل، لأنّ القيادة معناها القدرة على تحريك الجماهير، ثمّ إن موهبة إنتاج الأفكار لا تعني شيئاً بالقياس مع القدرة على القيادة "، ثم يتابع قوله: " ولكن أن يجتمع المفكّر والمسئول والقائد في شخص رجل واحد، فهذا أندر الظواهر الطبيعيّة على سطح الأرض، فهنا تكون العظمة الحقيقية.. ولقد شاهد العالم هذه الظاهرة النادرة تتحقّق في شخصيّة رسول الإسلام حيّة تنبض لحماً ودماً ".

ويقول البروفسور " بيقان " في مجلة " تاريخ كامبردج في القرون الوسطى ": " إنّ التقارير التي نشرت في أوربا قبل بداية القرن التاسع عشر عن ( محمّد ) وعن الإسلام، يجب اعتبارها الآن غرائب أدبية ".

ويقول البروفسور " كك. س. راماكرشناراو " في كتابه: " محمد رسول الإسلام ": " إنّ النجاح العظيم الذي أحرزه محمّد في حياته إنما تحقّق بالقوّة الروحيّة، وبدون ضربة سيف واحدة".

ويقول أيضاً: " تشير السجلاّت التاريخيّة بأنّ جميع الذين عاصروا الرسول مُحَمّداً سواء من أصدقائه أم من أعدائه قد شهدوا له بالمزايا الأصليّة، وبالأمانة النقيّة، والفضائل النبيلة، والصفاء المطلق، والصدق المحض في جميع نواحي الحياة، وفي كلّ مجال من النشاط الإنسانيّ، حتى اليهود وهم الذين رفضوا الإيمان برسالته رضوا به حكماً في نزاعاتهم الشخصيّة، بسبب نزاهته المتناهية..

" وقد اعترف له أولئك الذين لم يؤمنوا برسالته بقولهم: " يا مُحَمّد ! لا نتهمك بالكذب لكننا لا نؤمن بالذي أنزل عليك الكتاب، وأوحى إليك بالرسالة "، واعتقدوا أنّ به مسّاً من الشيطان..

" أوليس الإيمان الراسخ والقناعة الثابتة من جانب أتباع محمّد الجدد هؤلاء هما أدلّة نبيلة على إخلاص هذا الرسول، وعلى اندماجه المطلق في الرسالة التي وكلت إليه ".

وجاء في الموسوعة البريطانية " انسيكلو بيديا بريتا نيكا ": " مُحَمّد أنجح الأنبياء والشخصيات الدينية جميعاً ".

ويقول: " كك. س. راماكر شناراو ": " محمّد النبيّ، والقائد، والملك، والمحارب، ورجل الأعمال، والبشير، والفيلسوف، والسياسيّ، والخطيب، والمصلح، ومعين اليتامى، وحامي العبيد، ومحرر النساء، والقاضي، والصديق، لقد كان بطلاً حقيقيّاً في جميع هذه الأدوار العظيمة، وفي كافّة تلك المجالات الإنسانيّة الواسعة.

" إنّ اليتم هو أشدّ حالات البؤس والضعف، وبه بدأت حياة هذا النبيّ على سطح هذه الأرض، وإنّ الملك قمة السلطة الماديّة، وبه اختتم النبيّ حياته، فمن صبيّ يتيم، إلى لاجئ مضطهد، ثمّ إلى حاكم مطلق دينيّاً ودنيويّاً، في أمّة كاملة، وحكماً في مصائرها من تجارب ومغريات، وتقلّبات وتغيّرات، وأضواء وعتمات، ونجاح وفشل، ورعب وسرور ".

" ولقد صمد أمام نيران العالم، وخرج من ذلك غير واهن، ضارباً المثل الأعلى في كلّ ناحية من حياته، إذ لم تكن إنجازاته تقتصر على جانب معيّن، بل شملت كافة الجوانب، والأحوال الإنسانيّة ".

يقول " ر. ف. ج بودلي " في كتاب " الرسول ": " لا أصدّق أنّ رجلاً سواه ممّن جابهوا ظروفاً خارجيّة شديدة القسوة، قد صمد لها مثلما صمد لها هذا الرجل ( محمّد ).

ويقول " أ. ر. جب " في كتابه " المحمدية ": " إنّ الإصلاحات التي جاء بها ( مُحَمّد ) والتي عززت مكانة المرأة قد اعترف بها العالم كله ".

ويقول " توماس كارليل " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابه " الأبطال وعبادة الأبطال ": " رجل فقير، ضعيف الموارد، لم ينشغل بما انشغل به عامّة الناس، لا يصحّ أن يوصف بالسوء، لقد كان ما في نفسه شيئاً أسمى من صور الرغبة الشخصيّة، وإلاّ لما لاقى كلّ ذلك الإجلال من أولئك العرب الأجلاف، فيحاربون ويصارعون طوع أمره، ثلاثاً وعشرين سنة، مخلصين له أشدّ الإخلاص، بعد أن كانوا وحوشاً، لا تكاد نزاعاتهم تنتهي أو تخمد، وبعد أن كانوا يحبّون أنفسهم بشراسة، فلا يقيمون للحقّ ولا لقيمة الإنسان وزناً، ولم يسلموا قيادهم لرجل قبله، أتقول: إنّهم سمّوه نبيّاً؟ لماذا؟ ألم يقف أمامهم وجهاً لوجه، مسفراً لا يتقنع وراء أي غموض، يرقع عباءته بيده، ويصلح نعاله بنفسه، ألم يمض مجاهداً وناصحاً وآمراً، وهو في وسطهم، لابدّ أنّهم أدركوا من أيّ الرجال هو، فلتسمّه كما تشاء.. فما من إمبراطور بتاج وأبّهة، لقي من الطاعة مثلما لقي هذا الرجل، في عباءة كان يرقعها بنفسه، وخلال فترة تجربته القاسية، التي دامت ثلاثاً وعشرين سنة، نجد فيه مثلاً من البطولة الحقيقيّة، التي كانت ضروريّة لذلك الواقع ".

وقال الدكتور " نظمي لوقا " في كتابه " مُحَمّد الرسالة والرسول ":

".. وبدافع من حب البشرية، أقدمت على تسطير هذه الصفحات.. وسيّان بعد هذا أن يقول عنها القائلون إنّها شهادة حقّ، أو رسالة حب، أو تحيّة توقير وتبجيل، فما كان ـ يعني مُحَمّداً ـ كآحاد الناس في خلاله ومزاياه، وهو الذي اجتمعت له آلاء الرسل، وهمّة البطل، فكان حقّاً على المنصف أن يكرم فيه المثل، ويحيّي فيه الرجل ".

وبعد؛ فهذا غيض من فيض، وقطرة من بحر، واجتماع هذه الشهادات على تباين مشارب قائليها، واختلاف منازعهم واتّجاهاتهم، وتباعد أقطارهم، يقدّم لنا دليلاً " متواتراً تواتراً معنويّاً " باصطلاح المحدّثين، على صدق هذَا الرسول الكريم، وأنَّه الرحمة المرسلة للعالمين.

وتأمّل رعاك الله؛ فلا زال في الناس أولو بقيّة يحترمون عقولهم، فيؤثرون الحقّ على الهوى، والصدق على الزيف، وتبهرهم الحقيقة ويعشقونها، فيعترفون بها كأقلّ ما يجب عليهم فعله.. ولو خطوا خطوةً أخرى لدخلوا رحابها، وكانوا من أهلها وأحبابها، ولم يكتفوا أن تبهرهم أنوارها من بعيد، ثمّ يقولوا للمؤمنين يوم الحسرة والمزيد: انظرونا نقتبس من نوركم.. فيقال لهم: ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين