من شهادات المنصفين في العهود التالية لعهد النبوة (1)

من شهادات المنصفين الغربيّين بالإسلام وبرسول الله صلى الله عليه وسلم

إنّ من أقوى ما عرف الناس من الإنصاف لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء من اعتبار النبيّ صلى الله عليه وسلم الأوّل في المئة الأوائل، على مستوى التاريخ الإنسانيّ كلّه: فقد ألّف الدكتور " مايكل هارت " كتاباً نشره في الولايات المتّحدة الأمريكيّة عنوانه: " المئة الأوائل "، وقد أثار هذا الكتاب في حينه ضجّة كبيرة هناك ما لبثت أن انتقلت إلى أنحاء عديدة في العالم، لكون المؤلّف، وهو غير مسلم قدّم محمّداً صلى الله عليه وسلم على غيره من أبرز شخصيّات الدنيا، وعلمائها وفلاسفتها، وأبطالها ومصلحيها، وأصحاب الفكر فيها في التاريخ القديم والحديث، وجعله أوّل المئة الأوائل.

والمؤلّف حاصل على عدّة شهادات علميّة عالية، في الرياضيّات والعلوم والقانون والفلك، وقد عمل في مراكز أبحاث الفضاء والفيزياء التطبيقيّة، وفي مراصد الأفلاك.

وقد ذكر المؤلّف في كتابه الذي ترجم إلى اللغة العربيّة أنّه بذل جهداً جبّاراً في قراءة تاريخ العالم وحضارته بكلّ وجوهها، واطّلع على حياة وتراجم عشرات الآلاف من الشخصيّات، التي أثّرت في حياة الأمم والشعوب القديمة والحديثة، ثمّ فرز هذه الأسماء والشخصيّات، وظلّ يصطفيها ويختار الأفضل منها، حتّى حصرها في مئة شخصيّة عالميّة، ثمّ رتّب هذه المئة وفق معايير وضوابط: موضوعيّة، إنسانيّة، حضاريّة حسب اجتهاده، فكان أوّل هذه المئة هو محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

وبرّر المؤلّف اختياره لمحمّد صلى الله عليه وسلم، وجعله أوّل الأوائل بكونه الرجل الوحيد في التاريخ كلّه الذي نجح أعلى نجاح وأعظمه على المستويين الدينيّ والدنيويّ. فهو الذي بدأ الرسالة الدينيّة والدنيويّة وأتمّها، وآمنت به شعوب بأسرها، ونشر ديناً عالميّاً، وأقام دولة بنفسه.. في حين أنّ غيره من الأنبياء والمصلحين لم يفعلوا ذلك، بل إنّه وهو الأمّيّ الذي لا يقرأ ولا يكتب وحّد القبائل في شعب، والشعوب في أمّة من خلال الأسس الدينيّة، والتعاليم الدنيويّة والأخلاقيّة والحضاريّة، التي جاء بها. فكانت بداية الانطلاق الإنسانيّ والحضاريّ في ذلك العصر، وفي العصور اللاحقة ".

وأضاف: " إنّ معظم الذين غيّروا التاريخ ظهروا في قلب أحد المراكز الحضاريّة أو المدن الرئيسيّة المشهورة في العالم القديم، لكنّ محمّداً هو الوحيد الذي نشأ في بلاد صحراويّة جرداء، لا تملك ما هو معروف من مقوّمات الحضارة والتقدّم، ولذلك استحقّ أن يكون أوّل المئة الأوائل. انظر: مجلّة الأدب الإسلاميّ العدد /51/ ص/44/ وما بعد.

ويقولُ " إيتين دينه ": " إنّ الكتابات في أوربة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ودينه، وشرعه، والملّة الإسلاميّة بحر لا ساحل له، وفيها الغثّ والسمين، والحالي والعاطل، والحقّ والباطل، ومن مؤلّفيها المحبّ والقالي، والمنْصِفُ والمتعسّف، والناصح والكاشح، كما هو الشأن في كلّ أمر، ولكنّ العصرَ الأخير في أوربة أنصف الرسول صلى الله عليه وسلم كثيراً بالقياس إلى الأعصر التي سبقت، كما يظهر من الشواهد التي أتينا بها من قبل أنموذجات، ولو كان المسلمون استيقظوا من سباتهم، وتعلّموا من الأوربيّين روح " التضحية " كما يقال، ونشروا للإسلام دعاية منظّمة، وأنفقوا عليها عن سعة لأمكنهم أن يصحّحوا أباطيل كثيرةً، ويبدّدوا أوهاماً كثيفة، تتعلّق بهم وبدينهم وبنبيّهم، ولاهتدى في أوربة إلى الإسلام خلق كثير، أثّروا تأثيراً محسوساً في مجرى السياسة العامّة.

ولكنّنا مع الأسف لا نزال بعيدين عن درجة هذا الانتباه، ولا يزال أعداء الإسلام يناصبونه القتال في كلّ سهلٍ وجبل، وفي كلّ برّ وبحر، ولا تبرح مكافحة الإسلام لهم هي في نسبة الخردل إلى الجندل، فمتى ينشط الإسلام من عقاله، ويستأنف همّته الأولى؟ هذا ما لا يجاوب عليه إلاّ المستقبل " نقلاً عن تعليقات شكيب أرسلان على كتاب: " حاضر العالم الإسلاميّ 1/36/.

ويقول الأديب والمفكّر الروسيّ المشهور " تولستوي ": " عليّ أن أقول بأنّني واثقٌ جدّاً بأنّ الإسلامَ يبدو متفوّقاً على الدين المسيحيّ، الذي تقدّمه الكنيسة بدرجة لا يمكن قياسها، ولو وضع أمام أيّ شخص حرّيّة الاختيار بين الدين الإسلاميّ ومسيحيّة الكنيسة لكان على كلّ شخص عاقل اختيار الدين الإسلاميّ، الذي له إله واحد، ونبيّ واحد، وليس اختيار الدين المسيحيّ بثالوثه الغامض على الفهم والإدراك، وبمراسيمه في غفران الذنوب، وبشعائره الدينيّة، وبتوسّلاته لأمّ المسيح، وبعبادة صور القدّيسين العديدين ".

ويقول أيضاً: " لقدْ ظهر لديّ بأنّ محمّداً كانَ يسمو على المسيحيّة في كلّ وقت.. إنّه لم يعدّ الإنسان إلهاً، ولم يعادل بينه وبين الله، يقول المسلمون: " لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله "، لا نجد هنا معضلة، ولا سرّاً غامضاً " انظر: " مجلّة المجتمع " العدد/1713/ رجب 1427هـ ص/39/.

وقد ألقى توماس كارلايل كبير المفكّرين الناشرين الإنجليز في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في جامعة لندن سبع محاضرات من بينها محاضرة بعنوان: " البطل في صورة مُحَمّد رسول الإسلام " تحدّث فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على نحو لم يسبقه إليه كاتب أو مفكّر غربيّ. وللمرّة الأولى في تاريخ الفكر الغربيّ يرى الناس محمّداً بن عبد الله صلى الله عليه وسلمكما ينبغي أن يروه..

وقد دحض افتراءات المتعصّبين على الإسلام، وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم حول قضايا متعدّدة، ودافع عن صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته، وعن سموّه في حياته، وعن انتشار الإسلام.

فيقول في ردّه على اتّهام الرسول صلى الله عليه وسلم بطلب الشهرة والسلطان: ويزعم المتعصّبون من النصارى والملحدون، أنّ محمّداً لم يكن يريد بقيامه إلاّ الشهرة الشخصيّة ومظاهر الجاه والسلطان، كلاّ وايم الله ! لقد كانت في فؤاد ذلك الرجل الكبير، ابن القفار والفلوات، المتوقّد المقلتين، العظيم النفس، المملوء رحمة وخيراً وحنانا وبرّاً وحكمة.. أفكار غير الطمع الدنيويّ، ونوايا خلاف طلب السلطة والجاه، وكيف لا وتلك نفس صامتة، ورجل من الذين لا يمكنهم إلاّ أن يكونوا مخلصين جادّين..

ويعبّر توماس كارلايل عن حبّه لمحمّد صلى الله عليه وسلم معلّلاً ذلك بالشمائل الخلقيّة العالية التي يتمتّع بها الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: " وإنّي لأحبّ محمّداً لبراءة طبعه من الرياء والتصنّع، ولقد كان ابن القفار هذا رجلاً مستقلّ الرأي، لا يعوّل إلاّ على نفسه، ولا يدّعي ما ليس فيه، ولم يك متكبّراً، ولكنّه لم يكن ذليلاً ضائعاً، فهو قائم في ثوبه المرقّع كما أوجده الله، وكما أراد، يخاطب بقوله الحرّ المبين قياصرة الروم وأكاسرة العجم يرشدهم إلى ما يجب عليهم لهذه الحياة وللحياة الآخرة.

ويقول " مستر كارلايل "، وهو أحد مشاهير فلاسفة القرن التاسع عشر، وأشهر فيلسوف من القارّة الأمريكيّة: " لقد جاء الإسلام على تلك العلل الكاذبة، والنحل الباطلة فابتلعها، وحقّ له أن يبتلعها، لأنّه حقيقة خارجة من قلب الطبيعة، وما كاد يظهر الإسلام حتّى احترقت فيه وثنيّات العرب، وجدليّات النصرانيّة، وكلّ ما لم يكن بحقّ، فإنّها حطب ميّت أكلته نار الإسلام فذهب، والنار لم تذهب.! ".

ويقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم: " هو الرجل العظيم، الذي علّمه الله العلم والحكمة، فوجب علينا أن نصغي إليه قبل كلّ شيء.. ".

ويقول أيضاً: " إن كنت في ريب من حقائق الإسلام فالأولى بك أن ترتاب في البدهيّات والضروريّات القطعيّة، لأنّ الإسلام من أبده الحقائق، وأشدّها ضرورةً ". وهكذا يسجّل توماس كارلايل صفحة ناصعة عن الرسول صلى الله عليه وسلم بقلم الإنصاف.

وقد أصاب غوته أمير شعراء ألمانيا العالم بالدهشة عندما كتب في إعلانه عن صدور ديوانه الشهير: " الديوان الشرقيّ للشاعر الغربيّ " أنّه لا يكره أن يقال عنه مسلم، فقد نظم وهو في سنّ الثالثة والعشرين قصيدة رائعة أشاد فيها بالرسول صلى الله عليه وسلم، وعندما بلغ السبعين من عمره أعلن أنّه سيحتفل في خشوع بتلك الليلة المقدّسة، التي أنزل فيها القرآن على النبيّ صلى الله عليه وسلم، ويرجع احتفاء غوته بالإسلام إلى تطابق أفكاره معه.

وقد حظي القرآن الكريم بتقدير كبير لدى هذا الشاعر، لذا يقول: " إنّ أسلوب القرآن الكريم محكم سامٍ، مثير للدهشة، وفي مواضيع عديدة يبلغ قمّة السموّ حقّاً ".

وقام غوته بتأليف قصيدة المديح الشهيرة المسمّاة: " نشيد محمّد " عبّر فيها عن مدى حبّه للرسول صلى الله عليه وسلم، وتصوّر القصيدة النبيّ صلى الله عليه وسلم بصفته هادياً للبشر، في صورة نهرٍ يبدأ بالتدفّق رفيقاً هادئاً، ثمّ لا يلبث أن يتحوّل في عنفوانه إلى سيل عارم، ممّا يصوّر تعاظم قوّة الرسول صلى الله عليه وسلم الروحيّة.. وسيظلّ غوته عنواناً للتسامح والرؤية الثاقبة للإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم، ويكفي أنّه قال في ديوانه الشرقيّ: " وإذا كان الإسلام معناه السلام فإنّنا أجمعين نحيا ونموت مسلمين ".

وكان بوشكين في طليعة الشعراء الروس الذين استلهموا السيرة النبويّة في قصائده، مثل قصيدة: " قبسات من الرسول "، وهي تتناول المرحلة المبكّرة من النبوّة وتتحدّث عن تأمّلات الرسول صلى الله عليه وسلم في الكون والبحث عن حقيقة الوجود.

وترى في قصائد: " قبسات من القرآن " المكانة الأكيدة التي أحدثها القرآن في التطوّر الروحيّ لبوشكين، ويستهلّ القصيدة الأولى باقتباس عدد من الآيات، وقد استحوذت معاني القرآن على اهتمام تولستوي، كما حظيت أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بحبّه وعنايته، نظراً لوجود تطابق مع أفكاره، وأقبل على التعريف بالإسلام في مقدّمة لدراسة كتبتها شقيقة زوجته، ثمّ نشر كتيّباً بعنوان: " حكم النبيّ محمّد " وفيها جمع الأحاديث التي تتعلّق بالسعي لطلب الحلال، والسعي للرزق والعمل، وممّا قاله في النبيّ صلى الله عليه وسلم: " وممّا لا ريب فيه أنّ النبيّ محمّداً من أعاظم الرجال المصلحين، الذين خدموا الهيئة الاجتماعيّة خدمة جليلة، ويكفيه فخراً أنّه هدى أمّة برمّتها إلى نور الحقّ، وجعلها تجنح للسكينة والسلام، وتفضّل عيشة الزهد، ومنعها من سفك الدماء، وتقديم الضحايا البشريّة، وفتح لها طريق الرقيّ والمدنيّة، وهو عمل عظيم لا يقوم به إلاّ شخص أوتي قوّة، ورجل مثل هذا جدير بالاحترام والإكرام.

ويقول الأمير بسمارك، وهو من أشهر رجال الفكر والفلسفة في تاريخ أوروبا الحديث: " لقد درست الكتب السماويّة بإمعان، فلم أجد فيها الحكمة الحقيقيّة، التي تكفل سعادة البشريّة، وذلك للتحريف الذي حصل فيها، ولكنّي وجدت قرآن محمّد صلى الله عليه وسلم يعلو على سائر الكتب.. وقد وجدت في كلّ كلمة منه حكمة، وليس هناك كتاب يحقّق سعادة البشريّة مثله، ولا يمكن أن يكون كتاب كهذا من كلام البشر، فالذين يدّعون أنّ هذه أقوال محمّد صلى الله عليه وسلم يكابرون الحقّ، وينكرون الضروريّات العلميّة، أي أنّ كون القرآن كلام الله أمر بديهيّ "

ويقول " كارليل " في بيان حال العرب، ومدى تأثير النبيّ صلى الله عليه وسلم فيهم: " هم قوم يضربون في الصحراء، لا يؤبه لهم عدّة قرون، فلمّا جاءهم النبيّ العربيّ أصبحوا قبلة الأنظار في العلوم والعرفان، وكثروا بعد القلّة، وعزّوا بعد الذلّة، ولم يمض قرن حتّى استضاءت أطراف الأرض بعقولهم وعلومهم " نقلاً عن كتاب: " الرسول المعلّم وأساليبه في التعليم ص/11/للشيخ عبدالفتّاح أبو غدّة.

قال غروسه صاحب كتاب: " مدنيّة الشرق ": " كان محمّدٌ لمّا قام بهذه الدعوة شابّاً كريماً نجداً، ملآن حماسةً لكلّ قضيّة شريفة، وكان أرفع جدّاً من الوسط الذي كان يعيش فيه، وقد كان العرب يوم دعاهم إلى الله منغمسين في الوثنيّة وعبادة الحجارة، فعزم على نقلهم من تلك الوثنيّة، إلى التوحيد الخالص البحت، وكانوا يفنون في الفوضى، وقتال بعضهم بعضاً، فأراد أن يؤسّس لهم حكومة ديمقراطيّة موحّدة، وكانت لهم عادات وأوابد وحشيّة، تقرب من الهمجيّة، فأراد أن يلطّف أخلاقهم، ويهذّب من خشونتهم ".

ويقول الأستاذ: " مونته " أستاذ اللغات الشرقيّة في جامعة جنيف في كتابه: " مُحَمّد والقرآن " ما يلي: " أمّا مُحَمّد فكان كريم الأخلاق، حسن العشرة، عذب الحديث، صحيح الحكم، صادق اللفظ، وقد كانت الصفات الغالبة عليه هي صحّة الحكم، وصراحة اللفظ، والاقتناع التامّ بما يعمله ويقوله ".

ويقول أيضاً في كتابه المذكور: " إنّ طبيعة مُحَمّد الدينيّة تدهش كلّ باحثٍ مدقّقٍ نزيه المقصد، بما يتجلّى فيها من شدّة الإخلاص، فقد كان محمّد مصلحاً دينيّاً ذا عقيدةٍ راسخةٍ، ولم يقم إلاّ بعد أن تأمّل كثيراً، وبلغ سنّ الكمال بهاتيك الدعوة، التي جعلته من أسطع أنوار الإنسانيّة في الدين، وهو في قتاله الشرك والعادات القبيحة، التي كانت عند أبناء زمنه كان في بلاد العرب أشبه بنبيّ من أنبياء بني إسرائيل، الذين نراهم كباراً جدّاً في تاريخ قومهم.. ولقد جهل كثير من الناس مُحَمّداً، وبخسوه حقّه، وذلك لأنّه من المصلحين النادرين، الذين عرف الناس أطوار حياتهم بدقائقها " أيْنَ يقعُ المصلحون الكبار من أنبياء بني إسرائيل، وأكبرهم موسى عليه السلام من دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وثمرات جهاده.؟! وواضح أنّ المؤلّف يجهل كثيراً من سيرة النبيّ صلى الله عليه وسلم وجهاده، ولكنّ كلامه يحمل روحَ الإنصَاف واحترام العقل.

وقال أيضاً: " إنّ الديانة الإسلاميّة كعقيدة توحيد، ليس فيها شيء مجهول في ديانات التوحيد الأخرى، إلاّ أنّ ظهورها في جزيرة العرب بروحٍ عربيّة عالية، جعل لها طابعاً جديداً باهراً، وقد سمّاها محمّد " الإسلام "، إشارة إلى تمام الانقياد لإرادة الباري تعالى، وهي في هذه العقيدة مشابهة للمسيحيّة، إلاّ أنّ عقيدة هذا الانقياد لإرادة الله تتجلّى من القرآن بقوّة لا تعرفها النصرانيّة".

" ولقد منع القرآن وأد البنات والخمر والميسر، وكان لهذه الإصلاحات تأثير غير متناهٍ في الخلق، بحيث ينبغي أن يعدّ مُحَمّد في صفّ أعاظم المحسنين للبشريّة ".

ثمّ ذكر " مونته " أَرْكان الإسلامِ كالصلاة والزكاة والصيام والحجّ، وقال: إنّ حكمة الصلاة خمس مرّات في اليوم هي إبقاء الإنسان من الصباح إلى المساء تحت تأثير الديانة، ليكون دائماً بعيداً عن الشرّ، وحكمة الصيام تعويد المؤمن غلبة شهوات الجسم، وزيادة القوّة الروحيّة في الإنسان، وحكمة الحجّ هي توطيد الإخاء بين المؤمنين، وتمكين الوحدة العربيّة..[ الأولى أن يقول: الوحدة الإنسانيّة.]

فهذا هو البناء العظيم، الذي وضع محمّد أساسه، وثبت ولا يزال ثابتاً بإزاء عواصف الدهور الدهارير.! "

ويعلّق الأستاذ شكيب أرسلان على كلام الأستاذ " مونته ": " ولا يزال الأستاذ مونته حيّاً يرزق، وهو من علماء جنيف، ومن كبار أساتيذ جامعتها، ومن أكابر المستشرقين، وله ترجمة بديعة للقرآن ".

ويقول الأستاذ شكيب أرسلان أيضاً: " ومن ألطف الكتب في السيرة النبويّة كتاب للمسيو " إيتان دينه " الإفرنسيّ الذي أسلم وحجّ، وألّف كتاباً عن حجّته إلى البيت الحرام، وهو من أبدع ما كتب في هذا العصر، كما أنّ كتابه عن حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يقلّ عن كتابه في الحجّ، في سلاسة عبارته، ودقّة معانيه، وقوّة حجّته، مع التزام خُطّة الاعتدال، والجدال بالتي هي أحسن.

ومن بدائع تآليف " دينه " كتابه في الردّ على " لامنس ".؟ اليسوعيّ، ومؤلّفين آخرين، ممّن تنقّصوا الإسلام، والرسول صلى الله عليه وسلم، وهو المسمّى: " إنّك لفي وادٍ، وإنّا لفي واد".

ويقول الأستاذ شكيب أرسلان: " وأمّا " غودفروا دمبومبين " و " بلاتونوف " في " تاريخ العالم " فقد وصلا من التدقيق والتمحيص إلى حدّ لا أعرفه لمؤرّخ، وبلغ بهما ذلك أن قالا: " إنّ النصرانيّة لا يزال أصلها مجهولاً "، ويقولان عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: " وغاية ما نقدر أن نجزم به هنا هو تبرئة مُحَمّد من الكذب، ومن المرض، وإنّما كان محمّد رجلاً ذا مواهب إلهيّة عليا، ساد بها أبناء عصره، وهي رباطة الجأش، وطهارة القلب، وجاذبيّة الشمائل، ونفوذ الكلمة، وأنّه كان عابداً عظيماً، وأنّه نظير جميع العبّاد العظام كان يجمع بين حرارة الاعتقاد بالرسالة، التي هو مأمور بها من جانب الحقّ تعالى، وبين ملكة الأعمال الدنيويّة، ومعرفة استخدام الوسائل اللازمة لنجاح تلك الرسالة ".

ويقول " ولز ": " إنّ ديانة مُحَمّد كان فيها روح حقيقيّة من العطف، والكرم، والإخاء، وكانت بسيطة مفهومة سائغة، وكانت ملأى بمكارم الأخلاق، وعلوّ النفس، والمعاني التي يشغف بها أهل البادية " [كان الأولى أن يقول: والمعاني التي يشغف بها الإنسان حيث كان].

ويقول العلاّمة " هوار ": ".. لقد اتّفقت الأخبار على أنَّ مُحَمّداً كان في الدرجة العليا من شرف النفس، وكان يلقّب بالأمين، أي بالرجل الثقة المعتمد عليه إلى أقصى درجة، أي كان المثل الأعلى في الاستقامة ".

ثمّ إنّك لا تجد في كتاب " تاريخ العرب " للأستاذ " هوار " كلمة واحدة تدلّ على أنّ مُحَمّداً كان مرائياً أو مداجياً، أو كانَ يقول ما لا يعتقدُ، أو يعتقدُ ما لا يقول ".

وفي أحد مجالس " فولتير "[ ومن المعروف أنّ " فولتير " كان ملحداً شديد الإلحاد، ومع ذلك فهو يقول هذا الكلامَ]. مع " البرنس تسينسدروف " مستشار النمسا جرى ذكر " لوثر " و " كلفن "، فقال للبرنس: " إنّهما لا يستحقّان أنْ يكونا صانعي أحذية عند مُحَمّد.

يقول " إميل درمنغهم " في كتابه: " حياة مُحَمّد ": " لم يكن مُحَمّد ممّن لا يعرف العالم الباطنيّ، نعم، لم يكن متصوّفاً بالمعنى المعروف، إلاّ أنّه كان ممّن يرى أنّ الأمور التي في الغيب أعظم من الأمورِ التي تحت الحسّ، وأنّ المشهودَ أدنى درجة من المحجوب، فمُحَمّد قد قبض على هذه الحقيقة بيده، ونادى الخلق ليتمسّكوا بها، جاء بقلب خالٍ من كلّ كذب، ومن كلّ ثقافة باطلة، ومن كلّ فخفخة فارغة، وأمسك بكلتا يديه بالعروة الوثقى، ولا يمنع هذا من أنّه كانَ عمليّاً، تامّ المعرفة بأحوال العالم المادّيّ، بل كان ذلك التجرّد الروحيّ أعون له على إدارة أمور الدنيا، وهكذا كان كبار الروحيّين في العالم يتغلّبون على العالم المشهود، بالعالم غير المشهود " من تعليقات شكيب أرسلان على كتاب حاضر العالم الإسلاميّ.

ويقول " هيجنس " في كتابه: " الاعتذار عن مُحَمّد والقرآن ": " إنّ أتباع عيسى ينبغي لهم أن يجعلوا على ذكر منهم أنّ دعوة مُحَمّد صلى الله عليه وسلم أحدثت في نفوسِ أصحابه من الحميّة ما لم يحدث مثله في الأتباع الأوّلين لعيسى، ومن بحث عن مثل ذلك لا يرجع إلاّ خائباً، فقد هرب الحواريّون، وانفضّوا عن عيسى حين ذهب به أعداؤه ليصلبوه، فخذله أصحابه، وصحوا من سكرتهم الدينيّة، وقد أسلموا نبيّهم لأعدائه، يسقونه كأس الموت. أمّا أصحاب محمّد فالتفّوا حول نبيّهم المبغيّ عليه، ودافعوا عنه مخاطرين بأنفسهم إلى أن تغلّب بهم على أعدائه " نقلاً عن: " الرسالة المحمّديّة " للشيخ سليمان الندويّ ص/124/، وعيسى عليه السلام لم يقتل، ولم يصلب، ولكن شبّه لهم، ورفع الله عيسى إلى السماء، وكان الله عزيزاً حكيماً.

ويقول الشيخ سليمان الندويّ في كتابه: " الرسالة المحمّديّة ص/107/ ": " وقد قال لي يوماً، وأنا في فرنسا مستشرق اسمه: " ماسينيون ": " يكفي لتعرف أوروبا محاسن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُحَمّد ومحامده أن ينقل كتاب: " الشفا " للقاضي عياض، إلى إحدى اللغات الأوروبيّة ".

وهناك كلمة مشهورة " لفولتير " وهي: " إنّ الرجل لا يكون عظيماً في داخل بيته، ولا بطلاً في أسرته "، يريد أنّ عظمة المرء لا يعترف بها من هو أقرب الناس إليه، لاطّلاعه على دخائله ومباذله، ولكنّ هذا القول لا يصدق بحقّ الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك يقول " باسورث سمث ": " إنّ ما قيل عن العظماء في مباذلهم لا يصحّ على الأقلّ في محمّد رسول الإسلام، واستشهد بقول " كبن ": " لم يمتحن رسول من الرسل أصحابه، كما امتحن محمّد أصحابه، إنّه قبل أن يتقدّم إلى الناس جميعاً تقدّم إلى الذين عرفوه إنساناً المعرفة الكاملة، فطلب من زوجته وغلامه وأقرب أصدقائه إليه، وأحبّ خلاّنه أن يؤمنوا به نبيّاً مرسلاً، فكلّ منهم صدّق دعواه، وآمن بنبوّته، وإنّ حليلة المرء أكثر الناس علماً بباطن أمره، ودخيلة نفسه، وألصقهم به، فلا يوجد من هو أعرف منها بهناته ونقائصه، أليس أنّ أوّل من آمن بمحمّد رسول الله زوجه الكريمة.؟ التي عاشرته خمسة عشر عاماً، واطّلعت على دخائله في جميع أموره، وأحاطت به علماً ومعرفة، فلمّا ادّعى النبوّة كانت أوّل من صدّقه " نقلاً عن الرسالة المحمّديّة ص/106/.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين