من روائع حضارتنا... مصطفى السباعي
في الوقت الذي تبهر الحضارة الغربية ببريقها و زخرفها الأمة , يقف السباعي بكل جرأة و ثبات فيتوجه إلى جيل الأمة المسلمة الناشئ ليهزه من الأعماق ، و ينزع عن عينيه غشاوة الباطل و بهرجه , و ليقول له بكل إيمان و ثقة ( ليس هنالك من يستطيع القيام بالدور الحضاري المرتقب إلا أمة واحدة هي أمتنا , ولن يستطيع حمل اللواء لحضارة الغد غيرنا ....)و لذلك كان هذا الكتاب :
• فهو يقدم الدليل تلو الدليل أنّا قادرون على بناء حضارة أرقى و أعظم من هذه الحضارة العرجاء حضارة الغرب المادية .
• و يعرض البرهان إثر البرهان على أن حضارتنا السابقة أعظم الحضارات و أرقاها في كل جوانب الحياة و مناحيها .
• كما أنه يذكر الجيل الجديد من أبناء الأمة الإسلامية بواجبه تجاه البشرية بأن يخلصها من أتون حضارة مادية تحرق الإنسان صباح مساء .
و قد جعل الدكتور مصطفى السباعي الكتاب في مقدمة و ثلاثة عشر فصلا .
المقدمة :
افتتح المؤلف الكتاب بمقدمة هامة , بين فيها الوضع الخطير الذي وصلت إليه الحضارة الغربية التي أفلست في إسعاد الإنسان على الرغم من رقيها المادي , فقد بات الإنسان الغربي يعيش في شقاوة و اضطراب يلهث خلف متع لا تزيده إلا شقاء اضطرابا, و يبين المؤلف كيف بدأ الغربيون يبحثون عن ملاذ و ملجأ يقيهم ضرام هذه الحضارة ,و يناقش بعد ذلك البديل الصالح لقيادة البشرية في المرحلة القادمة فلا يجد إلا الإسلام فهو القادر على متابعة هذا الرقي المادي من ناحية , والأخذ بيد الناس في حياة روحية راقية من ناحية أخرى بما تميز به من العقلانية و الوضوح و المزاوجة بين الفكر و القلب .
و الشيخ بعد ذلك لا يتجاهل أو يتعامى عن واقع المسلمين المتردي , و تراجعهم في معظم مناحي الحياة , فأنى لهم القيادة و هم في مؤخرة الركب و ذيل الأمم , فيجيب على ذلك و يوضح معالم الطريق الموصلة إلى بلوغ سدة القيادة و الإصلاح .
الفصل الأول ( خصائص حضارتنا )
تحدث المؤلف في هذا الفصل عن الخصائص التي ميزت الحضارة الإسلامية و أهلتها لقيادة الحضارة البشرية سابقا فهي:
• حضارة قائمة على الوحدانية المطلقة في العقيدة و هذا ما يتناغم مع المنطق و العقل السليم .
• حضارة إنسانية النزعة و الهدف , عالمية الأفق و الرسالة , تعمل لخير الإنسان في كل مكان و زمان لا يحجزها عن ذلك لون أو جنس .
• حضارة العلم , فهي تؤمن بالعلم في أصدق أصوله , و ترتكز على العقيدة في أصفى مبادئها , تخاطب العقل و القلب معا و تثير العاطفة و الفكر .
• حضارة التسامح , فما عرف فيها من التسامح الديني لم يعرف عن أي حضارة قامت على الدين و الإيمان.
الفصل الثاني ( آثار حضارتنا في التاريخ )
و يعرض المؤلف في هذا الفصل للأثر العظيم الذي تركته حضارتنا و أجدادنا في شعوب العالم آنذاك , و قد قسم هذه الآثار على خمسة ميادين هي :
• ميدان العقيدة و الدين : فقد كان لمبادئ الحضارة الإسلامية أثر كبير في حركات الإصلاح الديني التي قامت في أوروبا منذ القرن السابع حتى عصر النهضة .
• ميدان الفلسفة و العلم: من طب و رياضيات و كيمياء و جغرافيا و فلك .. فقد أفاقت أوروبا على أصوات علمائنا و فلاسفتنا يدرسون هذه العلوم في مساجد أشبيلية و قرطبة و غرناطة و غيرها ....
• ميدان اللغة و الأدب : حتى قال أحد أدبائهم : كانت أوروبا مدينة بأدبها الروائي إلى بلاد العرب.
• ميدان التشريع : حيث لم تكن أوروبا في ذلك الحين على نظام متقن و لا قوانين عادلة , حتى كان نابليون في مصر فترجم أشهر كتب الفقه المالكي , فكانت نواة القانون الفرنسي فيما بعد .
• ميدان الدولة و علاقة الشعوب مع حكامها ,فالثورة الفرنسية لم تعلن من المبادئ أكثر مما أعلنه الإسلام قبل اثني عشر قرنا , إلا أن أمتنا عاشت هذه المبادئ واقعا عمليا لا شعارات طنانة.
الفصل الثالث : ( النزعة الإنسانية )
و تظهر هذه النزعة في مبادئ الإسلام و تشريعاته العملية , و النزعة الإنسانية في حضارتنا كانت شعارات مدوية و حقائق ناطقة في أحوال الأفراد و الحكام , لا كما رأينا في ميثاق حقوق الإنسان في شرعة الأمم الكبرى التي تحتفل به كل عام و تمتهنه كل ساعة.
الفصل الرابع ( المساواة العنصرية )
و يعرض فيه المؤلف إلى سمة رائعة من سمات حضارتنا الإسلامية , حيث يتساوى فيها الناس على اختلاف أجناسهم و أعراقهم و ألوانهم و ألسنتهم , فلا يحول بفرد سواده دون تولى أعلى المناصب و المراكز الدينية و الدنيوية في دولة الإسلام , و يأتي الدكتور السباعي على ذلك بأمثلة و وقائع واضحة استمدها من حياة المسلمين و تاريخهم .
و هذا على خلاف ما نجده في حضارة الغرب الزائفة التي تميز بين البيض و الملونين في كل مناحي الحياة الدينية و الدنيوية , فتجعل لأهل كل لون أماكنهم الخاصة ,و حدودهم التي لا يتجاوزونها , ثم يبرهن الدكتور على ذلك بأقوال سادتهم و أفعال حكوماتهم التي تتبجح بشعار المساواة و الإخاء , و تفخر بنصب الحرية على شواطئها .
الفصل الخامس ( التسامح الديني )
يتحدث المؤلف في هذا الفصل عن جانب آخر من جوانب العظمة في حضارتنا الإسلامية , فهذه الحضارة على أنها قامت على أساس الدين إلا أنها أعظم الحضارات على الإطلاق احتراما للأديان و الملل المخالفة لها , و قد كان التسامح الديني في الإسلام ثقافة شائعة و فكرة راسخة في ضمائر العامة و الخاصة و ذلك للمبادئ التي رسخها الإسلام في نفوس أتباعه :
• فالأديان السماوية كلها تستقي من معين واحد .
• و الأنبياء إخوة لا تفاضل بينهم .
• و العقيدة لا تكون إلا عن رضا و اقتناع, و لا مكان فيها للإكراه و الإلزام.
• و أماكن العبادة محترمة تجب حمايتها و الدفاع عنها .
• و الاختلاف بين الأديان لا يحول دون البر و الصلة مع الحوار الهادئ الرفيق.
و يدلل المؤلف بعد ذلك على أن هذه المبادئ كانت واقعا عاشه النبي صلى الله عليه و سلم و عاشه من بعده أصحابه و المسلمون على مر تاريخهم , فالنصارى و اليهود و غيرهم وصلوا إلى مراكز مرموقة في السياسة و العلم و الاقتصاد ..., يمارسون طقوسهم و احتفالاتهم بكل حرية على سمع الناس و بصرهم.
و يأتي المؤلف بأدلة على ذلك من أفواه الغربيين أنفسهم , وهم يثنون معجبين بنظام الإسلام في التعامل مع الآخر .
الفصل السادس ( أخلاقنا الحربية )
فإن حسن الخلق , ولين الجانب و الرحمة بالضعيف تفعله كل أمة في وقت السلم , ولكن حسن المعاملة في الحرب و لين الجانب مع الأعداء و التسامح مع المغلوبين لا تستطيعه كل أمة , ولا يقدر عليه كل قائد , فالعداوة تؤجج نيران الحقد , و النصر يسكر الفاتحين .
و هنا جاءت حضارتنا لتعلن مبادئها في الحرب :
• فالحرب لا تكون للنهب و الاعتداء و إنما للدفاع عن عقيدة الأمة و حرية الشعوب عامة .
• و العهود في الصلح و النصر محترمة و الوفاء بها واجب .
• و تأمين الناس على أرواحهم و أعراضهم و أموالهم محتم لا محيد عنه بحال .
و لقد قدم المسلون الشواهد الكثيرة و الرائعة على صدق هذه المبادئ و واقعيتها , و هذا ما عرضه المؤلف و توسع فيه , و تطرق كذلك لما كانت عليه حال الغرب في الحروب منذ القديم و حتى الآن , فما الحربين العالميتين منا ببعيد .
الفصل السابع ( الرفق بالحيوان )
فالنزعة الإنسانية في الإسلام بلغت حدا لا يكاد يصدق لغرابته , حيث كان الرفق أمرا عاما و الرحمة سمة شائعة عند الجميع شعبا و حكومة , و من ذلك الرفق بالحيوان .
فأول ما تعلنه حضارتنا من مبادئ في مجال الرفق بالحيوان :
• عالم الحيوان كعالم الإنسان له خصائصه و طبائعه و شعوره .
• الرحمة بالحيوان قد تدخل صاحبها الجنة , و القسوة عليه قد تدخله النار .
و تمضي الشريعة و على رأسها الصحابة و من بعدهم من فقهاء و علماء لتقرير الأحكام الكفيلة برعاية الحيوان و رحمته , فمثلا :
• تحرم إجاعته و تعريضه للهزال و الضعف .
• يحرم التلهي به في للصيد.
• يحرم المكث طويلا على ظهره .
• إن كان الحيوان مما يؤكل فلا بد من رحمته قبل الذبح و بعده ...........
و يمضي بعد ذلك المؤلف بسرد أمثلة و أحداث تبين وجوه الرحمة بالحيوان , و يبين الوسائل التي ضمنت بها الدولة رعاية الحيوان من إنشاء الأوقاف الخاصة بالحيوانات , و إصدار البيانات الملزمة للعامة برحمة الحيوان و غير ذلك .....
ثم يقارن هذه السيرة الرائعة للإسلام بسيرة الغربيين منذ عهود بعيدة و كيف كانوا يتفننون في إيذاء الحيوان و تعذيبه و يمثل لذلك بأمثلة تصل إلى حد الطرافة و الغرابة .
الفصل الثامن ( المؤسسات الخيرية )
ليس أدل على رقي أمة و جدارتها بالحياة و استحقاقها لقيادة العالم من سمو النزعة الإنسانية في أفرادها سموا يفيض بالخير و البر و الرحمة على طبقات المجتمع كافة , بل على كل من يعيش على وجه الأرض من إنسان و حيوان .
و قد بلغت أمتنا في ذلك الذروة التي لم يصل إليها شعب من قبل على الإطلاق , و لم تلحقها من بعدها أمة حتى الآن .
و يسهب المؤلف بعد تقرير هذه الحقيقة و هو يعدد نماذج كثيرة لهذه المؤسسات الخيرية في مختلف المجالات و التخصصات , فمن أوقاف العلم إلى أوقاف السلاح إلى أوقاف الزواج إلى أوقاف المرضى و العاجزين , حتى القطط و الأواني كان لها وقفا خاصا بها .
و ما كانت هذه الأوقاف حصرا على فئة دون أخرى من المجتمع بل اشترك فيها كل الشعب من أمراء و خلفاء و علماء و عامة , رجالا و نساء , فكانت ظاهرة تعم المجتمع المسلم كله .
( الفصول التاسع و العاشر و الحادي عشر و الثاني عشر )
و تعرض فيها للصروح العلمية و المراكز الثقافية التي أشعت العلم و المعرفة في كافة فروعها على البشرية قاطبة , في الوقت الذي كانت تعاني الأمم الأخرى من التخلف المريع و الجهل المتفشي في معظم فنون المعرفة و مناحي الحياة , و يبين بالأمثلة و الوقائع الحد الذي بلغه المسلمون في اهتمامهم بالعلم و نشره , و الإكثار من بناء المراكز العلمية و تشييدها من مدارس و جامعات ومكتبات خاصة و عامة و مستشفيات , وكيف رعيت هذه الصروح أعظم الرعاية فأغدق المسلمون أموالهم على العلم و العلماء و المتعلمين حتى عمت مظاهر العلم كل الأمة فلم تخلو منها بلدة .
فالأمة التي تستحق الحياة تجد غذائها في العلم قبل كل شيء , وأمتنا يوم كانت تبعث الحياة في الأمم و الشعوب قاطبة كانت تسلك كل سبيل للتزود من العلم و أدواته , ويتبارى أفرادها جميعا في تحصيله و الاهتمام به.
الفصل الثالث عشر ( العواصم و المدن الكبرى )
و يقارن فيه بين حالة مدن الغرب وحالة المدن الإسلامية بعجائبها العمرانية , و يأتي على وصف الازدهار العمراني في المدن الإسلامية آنذاك , لتجد نفسك في عالم أقرب إلى الخيال .
و بعد فالكتاب عمل علمي موفق , لداعية بعيد النظر متوقد الفكر متحرق الفؤاد , وجهه بالدرجة الأولى إلى الشباب و الطلاب , وقد ذكر فيه قصصا و طرائف و حكايات , و عقد مقارنات , ونقل شهادات , مما جعل في الكتاب طرافة و حلاوة و سهولة , إلى جانب لذة الإمتاع و تشويقه .
و غني عن البيان أن يقال : أن الكتاب صاف نقي من الشوائب , ينظر فيه المؤلف إلى المستقبل نظرة ملؤها الطموح و الأمل و الثقة بانتصار الإسلام و حضارته , و هو مناسب للطلاب النابهين في المرحلة الثانوية , ويجد الطالب الجامعي فيه مادة طيبة عالية المستوى.
صدى زيد
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول