مختارات من تفسير (من روائع البيان في سور القرآن) (الحلقة 229)

﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ(269)﴾ [البقرة: 269]

 

 السؤال الأول:

الآيتان 268و 269 تتحدثان عن الإنفاق والحكمة فما العلاقة بينهما ؟

الجواب:

الآيتان الكريمتان هما قوله تعالى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ(269) [البقرة: 268-269].

وطلب المغفرة والفضل من الله إنما هو من الحكمة؛ لأنه يعني أنّ صاحبها أوتي من الحكمة ومن الخير أكبر وأوسع ممّا في المال .

فقوله تعالى: ﴿وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغۡفِرَةٗ مِّنۡهُ وَفَضۡلٗاۗ [البقرة:268] ثم قوله: ﴿يُؤۡتِي ٱلۡحِكۡمَةَ مَن يَشَآءُۚ [البقرة:269] يعني أنّ الذي يطلب المغفرة والفضل خيره أكبر من مجرد المال مهما كان هذا المال؛ لأنه داخل في الخير وداخل في الفضل وداخل في المال وداخل في كل شيء، ففيها ارتباط والكلام عام.

وللعلم فإنّ كلمة﴿أُوْلُواْ  في القرآن وردت بزيادة حرف الألف لتوحي بعظمة وتفرد وميزة﴿أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ       . والله أعلم .

السؤال الثاني:

ما المقصود بالحكمة في هذه الآية 269؟ ولمِ لم تنسب لله عز وجل فيها؟

الجواب:

الحكمة هي وضع الشيء في محله قولاً وعملاً، أو هي توفيق العلم بالعمل، فلا بدّ من الأمرين معاً: القول والعمل، فمن أحسن القول ولم يحسن العمل فليس بحكيم، ومن أحسن العمل ولم يحسن القول فليس بحكيم.

فالحكمة لها جانبان: جانب يتعلق بالقول، وجانب يتعلق بالعمل، والحكمة خير كثير كما قال الله تعالى: ﴿ وَمَن يُؤۡتَ ٱلۡحِكۡمَةَ فَقَدۡ أُوتِيَ خَيۡرٗا كَثِيرٗاۗ [البقرة:269] .

الله تعالى مؤتي الحكمة؛ ولذلك نلاحظ أنه تعالى قال: ﴿ وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا لُقۡمَٰنَ ٱلۡحِكۡمَةَ [لقمان:12].

وقال: ﴿ ءَاتَيۡنَا [لقمان:12] بإسناد الفعل إلى نفسه، ولم يقل: لقد أوتي لقمان الحكمة، بل نسب الإتيان لنفسه، والله تعالى في القرآن الكريم يسند الأمور إلى ذاته العلية في الأمور المهمة وأمور الخير، ولا ينسب الشر والسوء إلى نفسه البتة، كما قال تعالى: ﴿ وَأَنَّا لَا نَدۡرِيٓ أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ أَرَادَ بِهِمۡ رَبُّهُمۡ رَشَدٗا١٠ [الجن:10] .

أمّا في قوله تعالى: ﴿ وَمَن يُؤۡتَ ٱلۡحِكۡمَةَ فَقَدۡ أُوتِيَ خَيۡرٗا كَثِيرٗاۗ [البقرة:269] فقد قال عز وجل قبلها: ﴿يُؤۡتِي ٱلۡحِكۡمَةَ مَن يَشَآءُۚ [البقرة:269] فنسب إتيان الحكمة إلى نفسه، ثم أعادها عامة بما يُسمى نحوياً بصيغة الفعل المبني للمجهول.

4 ـ من أراد لنفسه خيراً كثيراً فليلتمس لها موارد الحكمة ؛ لقول الله: ﴿ وَمَن يُؤۡتَ ٱلۡحِكۡمَةَ فَقَدۡ أُوتِيَ خَيۡرٗا كَثِيرٗاۗ  وهي مطلب المؤمن ، وفي  اﻷثر: (الحكمة ضالة المؤمن). والله أعلم .

 

 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين