مختارات من تفسير (من روائع البيان في سور القرآن) (الحلقة 226)

﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ٢٦٦﴾ [البقرة: 266]

السؤال الأول:

ما معنى (الضعف) في القرآن في آية البقرة 266 ﴿وَلَهُۥ ذُرِّيَّةٞ ضُعَفَآءُ وآية النساء 28﴿يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمۡۚ وَخُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ ضَعِيفٗا٢٨ ؟

الجواب:

  كلمة (الضعف) ضد (القوة )، والقوة إمّا مادية وإمّا معنوية . والفرق بين الضعفاء والمستضعفين أنّ الضعيف هو ضعيف بنفسه، أمّا المستضعفون فهم الذين يستضعفهم غيرُهم من حاكم أو سلطان وجار عليهم ، كبني إسرائيل استضعفهم فرعونُ فتسلّط عليهم وأذلّهم.

آية البقرة 266 هي مثال لمن يحوّل عمله الصالح إلى سيء، وفي الآية شبه ذلك في الدنيا بحديقة واسعة لإنسان ما، وفيها من كل الثمرات والأنهار تجري من تحتها، فماذا يريد الإنسان بعد هذا من حيث الجانب المادي؟ وأصابه الكبر فهو لا يستطيع أنْ يزرع، وهذا الرجل الكبير عنده أطفال صغار السن و﴿فَأَصَابَهَآ إِعۡصَارٞ فِيهِ نَارٞ فَٱحۡتَرَقَتۡۗ .

وهذه مصيبة عظمى، وهذه الصورة التي يرسمها القرآن صورة جنة أثمار وأعناب ونخيل والذرية ضعفاء ما عندهم قوة لإعادة الزراعة واحترقت الجنة، وهكذا شأن الذي يتحول من الإيمان إلى الضلال والمعصية والكفر.

الضعف فيه لغتان: بفتح الضاد (الضَّعف) وبالضم (الضُّعف). وهما لهجتان عربيتان فصيحتان نزل بهما جبريل عليه السلام على صدر رسول الله حتى لا يعترض أحدٌ على أحد.

أما ـ الضِّعف ـ بالكسر فيعني: المكرر، وضِعف كذا يعني: مثله، وليس مرتين كما هو الشائع، تقول هذا ضِعف هذا، أي: بقدره، فإذا أردت بقدر مرتين، تقول: ضِعفين.

السؤال الثاني:

ما دلالة خاتمة الآية ﴿لَعَلَّكُمۡ تَتَفَكَّرُونَ٢٦٦ ؟ 

الجواب:

وردت هذه الفاصلة في سورة البقرة مرتين في الآيات [ 219ـ 266].

تأتي هذه الفاصلة عند طلب التفكر إمّا بضرب مثل، وإمّا يكون جواباً عن سؤال حتى يتفكر الإنسان في الإجابة .

للعلم الآيتان[ 219 ـ 266] تتعلقان بالمال .

السؤال الثالث:

استعمل القرآن أحيانا (النخل) وأحيانا (النخيل) فما الفرق بينهما ؟

الجواب:

النخل: اسم جنس جمعي، والنخيل جمع، واسم الجنس أشمل وأعم من الجمع كما قرره علماء اللغة، وكما هو في الاستعمال القرآني؛ ذلك أنّ اسم الجنس يشمل المفرد والمثنى والجمع ويقع على القليل والكثير .

إذن (النخل) أعم وأشمل من (النخيل) ؛ لأنه اسم جنس جمعي، ويؤيد ذلك الاستعمال القرآني؛ فقد أورد القرآن (النخيل) في سبعة مواضع، وهي فيها لا تفيد الشمول؛ وهذه المواضع:

[البقرة 266 ـ الإسراء 91 ـ المؤمنون 19 ـ يس 34]، وفي هذه الآيات الأربع جعل النخيل في جنات، فلا يشمل ما في غير الجنات.

وكذلك في آية الرعد 4 قال: ﴿ يُسۡقَىٰ بِمَآءٖ وَٰحِدٖ فخرج ما لم يُسقَ بماء واحد.

وفي آية النحل 67 قال: ﴿ تَتَّخِذُونَ مِنۡهُ سَكَرٗا وَرِزۡقًا حَسَنًاۚ فخرج منه ما لم يتخذ منه السُّكْرُ.

وكذلك في آية النحل 11 قال : ﴿يُنۢبِتُ لَكُم بِهِ ٱلزَّرۡعَ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلۡأَعۡنَٰبَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ١١﴾ [النحل: 11] وهذا في الجنات حيث سبقها قوله تعالى :﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗۖ لَّكُم مِّنۡهُ شَرَابٞ وَمِنۡهُ شَجَرٞ فِيهِ تُسِيمُونَ١٠ [النحل: 10]  .

 

أما (النخل): فهو عامٌّ يشمل الصغير والكبير المثمر وغيرَه، سواء في جنات أم في غيرها، وسواء كانت نخلة واحدة أم أكثر . وقد ورد في القرآن في أكثر من عشر مرات ، ومن ذلك :

في آية الرحمن  في وصف الجنة ﴿ فِيهِمَا فَٰكِهَةٞ وَنَخۡلٞ وَرُمَّانٞ٦٨ ونخل الجنة كثير كثير.

في آية الشعراء ﴿ وَزُرُوعٖ وَنَخۡلٖ طَلۡعُهَا هَضِيمٞ١٤٨ والنخل ههنا يشمل ما في الجنات وغيرها.

في آية الرحمن ﴿ فِيهَا فَٰكِهَةٞ وَٱلنَّخۡلُ ذَاتُ ٱلۡأَكۡمَامِ١١ أيضا النخل ههنا يشمل ما في الجنات وغيرها.

وكذلك كلمة (النخل) الواردة في الآيات: [الأنعام 99 ،141 ـ الكهف 32 ـ مريم 23 ، 25 ـ القمر 20 ـ الحاقة 7 ـ طه 71 ـ ق 10 ـ عبس 29] لم يخصص النخل فيها بشيء، فهو أعم من النخيل وأشمل .

السؤال الرابع:

ما دلالات هذه الآية ؟

الجواب:

( نخيل ) اسم جمع واحدته نخلة ، و ( الأعناب ) جمع عنب وواحدته عنبة.

( إعصار ) ريح شديدة مرتفعة ، وقيل لأنها تعصر السحاب ،وسُميت بذلك لأنها تلتف كما يلتف الثوب المعصور،  والجمع : أعاصير .

3 ـ الاستفهام في قوله تعالى : ﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمۡ للإنكار والنفي .

4 ـ قال ابن عباس رضي الله عنه عن الآية : هو مثلٌ لرجلٍ عمل بالطاعات ثم زيّن له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أحرق أعماله وطاح بها .

5 ـ هذه الآية والتي قبلها هي مقابلة بين المَثَل المحمود والمَثَل المذموم .

والله أعلم .

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين