مختارات من تفسير (من روائع البيان في سور القرآن) (الحلقة 221)

الحكم التشريعي الرابع والثلاثون : معالم الاقتصاد الإسلامي

أولاً ـ مضاعفة أجر المنفق في سبيل الله

 

﴿مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنۢبَتَتۡ سَبۡعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنۢبُلَةٖ مِّاْئَةُ حَبَّةٖۗ وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ٢٦١﴾ [البقرة: 261]

السؤال الأول:

ما وجه الخصوصية في الحبّة التي اختارها الله تعالى للدلالة على مضاعفة الأجر والثواب؟

الجواب:

جعل الله سبحانه وتعالى الحبة مثلاً لمضاعفة الأجر والثواب؛ لأنّ تضعيفها ذاتيّ فهي تزداد وتنمو وتخلف بنفسها لا شيء يزاد عليها، وكذلك الحسنة يضاعفها الله تعالى بذاتها لا بعمل آخر يضاف إليها.

السؤال الثاني:

قوله تعالى في آية البقرة هذه: (سَنَابِلَ) بجمع الكثرة، وفي آية يوسف  (سُنۢبُلَٰتٍ)  [يوسف:43] بجمع القلة، ما قواعد استعمال جمع القلة وجمع الكثرة في القرآن الكريم؟

الجواب:

أولاً: القواعد النحوية:

القاعدة أنْ يكون جمع القلة للقلة، وجمع الكثرة للكثرة، وجمع الكثرة يكون أكثر من عشرة.

شواهد قرآنية:

 ﴿ دَرَٰهِمَ مَعۡدُودَةٖ  [يوسف:20] جمع كثرة، و﴿ أَرۡبَعَةِ أَشۡهُرٖۖ  [البقرة:226] جمع قلة، و﴿ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ [التوبة:36] جمع كثرة، ﴿ سَبۡعَةُ أَبۡحُرٖ [لقمان:27] جمع قلة، و ﴿ وَإِذَا ٱلۡبِحَارُ سُجِّرَتۡ٦ [التكوير:6] جمع كثرة، ﴿ بِثَلَٰثَةِ ءَالَٰفٖ [آل عمران:124] جمع قلة، و﴿ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَهُمۡ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِ [البقرة:243].

جمع المذكر السالم والمؤنث السالم من جموع القِلّة، خاصة إذا كان يوجد معه جمع آخر يدل على الكثرة، فإذا لم يكن معه جمع آخر استخدم للقليل والكثير.

 مثلاً: جمع (ساجد) ساجدون وسُجّد وسجود، أي هناك أكثر من جمع، فتكون (ساجدون) للقلة؛ لأنه يوجد جمع للكثرة: سُجّد.

والجموع في العربية سبعة وأربعون جمعاً، منها أربعة فقط للقلّة والباقي للكثرة، وأوزان جمع القلة هي:

ـ أَفْعُل، مثل: أنفُس وأعيُن .

ـ أَفْعَال، مثل: أسياف وأعناب.

ـ أَفعِلَة، مثل: أرغفة وأعمدة.

ـ فِعْلَة، مثل: فتية وصبية.

ويجوز أنْ يستعمل القلة للكثرة، والكثرة للقلة حسب المقام، أمّا في القرآن فقد يُعطى وزن القلة للكثرة والكثرة للقلة لأمر بليغ.

ثانياً ـ سنبلات وسنابل:

سنبلات جمع قِلّة، وسنابل جمع كثرة.

العدد واحد (سبع) في الآيتين، فلماذا استعمل القِلة مرة والكثرة مرة؟

الآيات هي قوله تعالى:

آ ـ ﴿مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنۢبَتَتۡ سَبۡعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنۢبُلَةٖ مِّاْئَةُ حَبَّةٖۗ وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ٢٦١  (سبع) استعملت مع جمع كثرة سنابل؛ لأنها في مقام مضاعفة الأجور والتكثير.

ب ـ ﴿وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّيٓ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٞ وَسَبۡعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖۖ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ أَفۡتُونِي فِي رُءۡيَٰيَ إِن كُنتُمۡ لِلرُّءۡيَا تَعۡبُرُونَ٤٣ [يوسف:43] (سبع) استعملت مع جمع القلة ﴿سُنۢبُلَٰتٍ  [يوسف:43]؛ لأنّ الآية تتحدث عن رؤيا محددة ولا مجال للتكثير فيه، والمقصود من العدد فيها هو سبعة بالضبط بدون زيادة .

أمثلة أخرى:

ـ (قيام) جمع كثرة، و(قائمون) جمع قلة.

ـ (الأبرار) جمع قلة، وهي تستعمل للمؤمنين فقط ﴿ إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِي نَعِيمٖ١٣ [الانفطار:13]

ـ (البررة) جمع كثرة وهي تستعمل للملائكة فقط؛ لأنهم أكثر نحو: ﴿ كِرَامِۢ بَرَرَةٖ١٦ [عبس:16] .

ـ قوله تعالى: ﴿ دَرَٰهِمَ مَعۡدُودَةٖ  [يوسف:20] مناسبة مع كلمة (بخس) في قوله: (وَشَرَوۡهُ بِثَمَنِۢ بَخۡسٖ [يوسف:20] في سورة يوسف، وتعني أكثر من عشرة فهي كثرة، لكن حتى لو دفعوا أكثر من عشرة دراهم يبقى الثمن ثمناً بخساً.

ـ قوله تعالى: ﴿ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَٰتٖۚ [البقرة:184] في آية الصيام في سورة البقرة، قللها فهي أيام معدودات، ليست كثيرة، وهنا تنزيل الكثير على القليل، حيث قلل أيام الصيام لكن أجرها كبير.

السؤال الثالث:

قوله تعالى في آية البقرة 261: ﴿وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُۚ وقال في آية الأنعام 160: ﴿مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشۡرُ أَمۡثَالِهَاۖ  فما سبب هذا الفرق في الأجر ؟

الجواب:

آية البقرة 261 خاصة في النفقة في سبيل الله فجعلها سبعمائة ضعف .

وأمّا آية الأنعام فهي في مطلق الحسنات من الأعمال .

السؤال الرابع:

ما معالم الاقتصاد الإسلامي في هذه الآية وآيات سورة البقرة السابقة والآيات واللاحقة ؟

الجواب:

ذكرت سورة البقرة في ( 22 ) آية معالم الاقتصاد الإسلامي وقواعده ، والتكافل الاجتماعي بين أفراد الأمة ، وبين الأمم والشعوب ، وبيّنت هذه الآيات أنّ هذا الاقتصاد يقوم على الصدقة والزكاة والمعاملات المباحة من بيع وإجازة وغيرها وأنه لا يقوم على الربا الذي يسود العالم .وهي باختصار :

أولاً ـ السورة تحدثت في (14) آية عن آداب الإنفاق في سبيل الله ، وهذا يشمل الصدقة والزكاة والنفقة على الأهل والأرحام ، وعلى الإنفاق في سبيل الله ،  وهذه الآيات هي:

ترك النفقة في سبيل الله يؤدي إلى التهلكة  : (البقرة :195 )

2 ـ أفضل مصارف النفقة هي للوالدين والأقربين : ( البقرة : 215 )

3 ـ مقدار النفقة : العفو وما تيسر من المال : ( البقرة : 219 )

4 ـ النفقة بمنزلة القرض ، وهي تجارة رابحة مع الله  : (البقرة : 245 )

5 ـ الحث على النفقة في وجوه الخير بشكل عام : ( البقرة : 254 )

6 ـ ضرب المثل بالسنبلة في مضاعفة أجر المنفق : ( البقرة : 261 )

7 ـ ثواب المنفق في سبيل الله يكون في الآخرة : ( البقرة : 262 )

8 ـ تشبيه المنّان في النفقة بالمرائي : ( البقرة : 264 )

9 ـ الحث على أن تكون النفقة من المال الحلال : ( البقرة : 267 )

10 ـ النفقة تزيد المال وتنميه ولا تنقصه : ( البقرة : 268 )

11 ـ علم الله بصدق الإخلاص في النفقة : ( البقرة : 270 )

12 ـ الإسرار في النفقة أفضل من الإعلان : ( البقرة : 271 )

13 ـ عدم التحرج من الصدقة على غير المسلم : ( البقرة : 273 )

14 ـ الثواب على نفقة السر والعلانية : ( البقرة : 274 )

ثانياً ـ  في ست آيات بيّن الله تحريم الربا بشكل صريح .

ثالثاـ ثم ذكر الله أحكام الدَّيْن والإشهاد عليه وكتابته ، وأحكام التجارة الحاضرة في آية ( البقرة : 282 ).

رابعاً ـ وختمت هذه الآيات بحكم الرهن وكتمان الشهادة : ( البقرة : 283 )

 والله أعلم .

 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين