مختارات من تفسير (من روائع البيان في سور القرآن) (الحلقة 216)

﴿ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّٰغُوتُ يُخۡرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَٰتِۗ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ٢٥٧﴾ [البقرة: 257]

 

السؤال الأول:

ما معنى كلمة الولي ؟

الجواب:

تستعمل للتابع والمتبوع والناصر، والوليّ هو التابع المحب الذي يتولى أمره والولي الناصر، يعني: الله ولينا ونحن أولياء الله، قال تعالى: ﴿ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ أي: يتولى أمرهم، وقوله: ﴿ أَلَآ إِنَّ أَوۡلِيَآءَ ٱللَّهِ لَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ٦٢ [يونس:62] .

والولي تستعمل للفاعل والمفعول وتسمى من الأضداد. يقال: مولى رسول الله، والله مولانا، وهناك كلمات كثيرة في اللغة العربية تستعمل في هذا، وهي واضحة في اللغة وفي الاستعمال القرآني أيضاً.

 

السؤال الثاني:

ما الفرق بين الجبت والطاغوت ؟

الجواب:

الطاغوت:

اشتقاقه من الطغيان وفعلها (طغى) وأصلها: طغووت، على وزن: ملكوت وجبروت ورهبوت، وهي مصادر تدل على المبالغة كما في الحديث «جُلِّلَت السَّمواتُ والأرضُ بالعِزَّةِ والجَبَروتِ». [الفتوحات الربانية 31/4].

المعنى: كل ما عُبد من دون الله، وهو كل رأس في الضلال حتى الساحر والكاهن والصنم والمارد من الجن، وهي عامة.

استعملت في القرآن للمذكر والمؤنث والمفرد والجمع، ويمكن أنْ تجمع طاغوت وطواغيت، كضيف وأضياف وطفل وأطفال.

في آية البقرة 257 كلمة الطاغوت فيها جمع؛ لأنّ للمؤمنين ولياً واحداً، وهو الله تعالى، فقال: ﴿ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ أمّا الكافرون فأولياؤهم متعددون من الشياطين وغيرهم، لذا قال: ﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّٰغُوتُ [البقرة:257] .

آية الزمر 17 استعمل الطاغوت للجمع والمؤنث، وهي في الآية بمعنى الأصنام، وهي جمع بدليل ﴿ [الزُّمَر:15] .

الجبت:

تأتي أحياناً بمعنى الطاغوت: وهي عامة وتطلق على الساحر والكاهن وعلى الأفعال غير المرضية، مثل الطيرة والعيافة والاعتقادات الباطلة والصنم.

لها في المعنى نفس دلالة الطاغوت لكنّ فيها توسعاً في المعنى، مثل: الطيرة والعيافة والاعتقادات والمفاهيم والأفكار.

ليس من صيغتها فعل وليس لها جمع ولا مثنى، وفي كتب اللغة يقولون: (الجبت) ليس من محض العربية في الأصل.

 

السؤال الثالث:

لماذا لم يقل الله هنا: طواغيت بدلاً من طاغوت؟

الجواب:

إنّ الطاغوت كلمة تتم معاملتها هنا كما نقول لك: فلان عدل، صفة مشبهة، أو الرجال عدل، وعلى هذا جاءت كلمة طاغوت، فالشيطان والدجال والكاهن والساحر والحاكم الذي يحكم بغير حكم الله كلهم طاغوت، فالطاغوت تطلق على الواحد أو الاثنين أو الجماعة، والمخرجون من النور إلى الظلمات هم أولياء الطاغوت، والدخول إلى النار يكون للطواغيت ولأتباعهم، وقانا الله وإياكم عذابها.

 

السؤال الرابع:

ما أهم الوقفات مع هذه الآية ؟

الجواب:

كلمة (وليّ) جاءت من كلمة (وَليَ) أي: جاء الشيء بعد الشيء من غير فاصل، هذا يليه هذا، أي: هو الأقرب، وبالتالي هو أول من يفزع لينقذ وينجد.

قوله تعالى: ﴿ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فهو أول من يفزع إليك بدون أن تصرخ؛ لأنه سميع عليم .

كلمة (مولى) تطلق على السيد وتطلق على الخادم، قال الشاعر:

مولاك يا مولاي طالبُ حاجةٍ

ولاية الله للمؤمنين أنه ناصرهم ومُحِبُّهم ومُجيبُهم ومُعينُهم، وهو قد أوضح لهم من الأدلة على الإيمان، هل هناك حبٌّ أكثر من هذا؟ هل ترَكَنا لنبحث عن الأدلة أو أنه لفتنا إلى الأدلة؟ لقد أوجد لنا الأدلة قبل أنْ نؤمن، وعندما آمنا والانا بالمعونة، وإنْ حاربنا خصومنا يكون معنا، وتستمر الولاية حتى يعطينا الجزاء الأوفى في الآخرة، فهو وليُّنا في كل المراحل.

أفرد الله (الطاغوت) وأورد بالجمع الأفراد الذين ينقلهم الطاغوت إلى الظلمات.

6 ـ قوله تعالى: ﴿ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ عبَّر فيها بالمضارع لا بالماضي مع أنّ الِإخراج قد وُجد لمناسبة التعبير به قبله في قوله : ﴿ فَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلطَّٰغُوتِ وَيُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ [البقرة:256]  ولأنَّ المضارع يدلُّ على الاستمرار، فيدلُّ هنا على استمرار ما ضمنه الإخراج من الله تعالى في الزمن المستقبل في حقِّ من ذُكر.

فإن قلتَ: كيف يَخرجُ الكفَّارُ من النور، مع أنهم لم يكونوا في نورٍ؟ قلتُ: لمقابلة ما ذُكر قبله في المؤمنين، ولأنّ الكفار هنا هم ( اليهود ) وقد كانوا مؤمنين بمحمد - صلى الله عليه وسلم - لما يجدونه من نعته في كتبهم، فلما بُعث كفروا به.

والله أعلم .

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين