مختارات من تفسير ( من روائع البيان في سور القرآن ) (الحلقة 207)

تابوت العهد

﴿وَقَالَ لَهُمۡ نَبِيُّهُمۡ إِنَّ ءَايَةَ مُلۡكِهِۦٓ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَبَقِيَّةٞ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَىٰ وَءَالُ هَٰرُونَ تَحۡمِلُهُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ٢٤٨﴾ [البقرة: 248]

السؤال الأول:

ما معنى الآية؟

الجواب:

 جعل رب العالمين كل سعد وخير بني إسرائيل في ذاك التابوت، وهو صندوق كبير مستطيل يحتوي على آثار موسى وهارون، وعمامة هذا ونعال ذاك، والعصا والشعر والأظافر، وكثير من الأمور الأخرى، وكان بنو إسرائيل يتبرّكون بهذا التابوت، وكلما حاربوا أعداءهم من الوثنيين والملحدين قدّموا التابوت بين أيدي الجيش، فينتصر الجيش.

 ثم استطاعت العماليق وهم أعداؤهم أنْ يسرقوا هذا التابوت 500 سنة، وظل العماليق يُشبعون بني إسرائيل ضرباً وخسارة، ولهذا كان بنو إسرائيل ما إنْ يقاتلهم العدو إلا ويُهزَمون ؛ لأنّ التابوت قد ذهب منهم، حتى أرسل الله لهم نبياً وقال: ﴿ وَقَالَ لَهُمۡ نَبِيُّهُمۡ إِنَّ ءَايَةَ مُلۡكِهِۦٓ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَبَقِيَّةٞ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَىٰ وَءَالُ هَٰرُونَ تَحۡمِلُهُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ٢٤٨ [البقرة:248] .

وبنو إسرائيل لا يصدقون بسهولة ﴿ وَقَالَ لَهُمۡ نَبِيُّهُمۡ إِنَّ ٱللَّهَ قَدۡ بَعَثَ لَكُمۡ طَالُوتَ مَلِكٗاۚ قَالُوٓاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلۡمُلۡكُ عَلَيۡنَا وَنَحۡنُ أَحَقُّ بِٱلۡمُلۡكِ مِنۡهُ [البقرة:247] قالوا: ما هذا؟ نحن لا نقبل به . قال: لا بأس، معجزته أنّ الله سوف يأتي بالتابوت بين يديه، قالوا: مستحيل أنْ يحدث ذلك.

وفعلاً جاءت الملائكة تحمله، و ما كانوا يرون الملائكة، فقط سيدنا طالوت هو الذي كان يراهم، فكانت الملائكة تحمل التابوت كأنه طائر وحده حتى وضعوه بين يدي طالوت، فآمن به بنو إسرائيل .

وبقي بنو إسرائيل ينتصرون على العماليق وغيرهم ببركة آثار موسى عليه السلام .

وللعلم أنّ كُتّاب المصاحف لم يختلفوا إلا في لفظ ( التابوت ) هل يكتبوه بالتاء المفتوحة ، أم بالتاء المربوطة ، فرفعوا اختلافهم إلى  الخليفة عثمان بن عفّان رضي الله عنه فقال : اكتبوه ( التابوت ) بلغة قريش ، فإنّ القرآن نزل بلسانهم .

السؤال الثاني:

وردت كلمة (بقيَّت) في سورة هود مكتوبة بالتاء المفتوحة ، فهل جاء لها رسم بالتاء المربوطة ( بقية) ؟

الجواب:

كلمة (بقية) وردت في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم:

آـ في سورة البقرة: ﴿ وَقَالَ لَهُمۡ نَبِيُّهُمۡ إِنَّ ءَايَةَ مُلۡكِهِۦٓ أَن يَأۡتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَبَقِيَّةٞ مِّمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَىٰ وَءَالُ هَٰرُونَ تَحۡمِلُهُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ٢٤٨ [البقرة:248] هذه رسمت بالهاء أو التاء المربوطة كما يقال.

ب ـ في سورة هود: ﴿ فَلَوۡلَا كَانَ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِن قَبۡلِكُمۡ أُوْلُواْ بَقِيَّةٖ يَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡفَسَادِ فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّنۡ أَنجَيۡنَا مِنۡهُمۡۗ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتۡرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجۡرِمِينَ١١٦ [هود:116] رسمت بالهاء.

ج - وفي السورة نفسها ﴿ بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَۚ وَمَآ أَنَا۠ عَلَيۡكُم بِحَفِيظٖ٨٦ [هود:86] وردت بالتاء. وهذا راجع إلى مسألة رسم المصحف.

وخط المصحف توقيفيٌّ، ونحن لو تأملنا في هذا المرسوم وفي اختلافاته فليس من السهل أنْ نجد ضابطاً لذلك، وهناك من يقول: إنّ هناك أسراراً غير أنّا لا نعرف هذه الأسرار.

ومثل ذلك كلمة ﴿ رَحۡمَتَ [البقرة: 218] بالتاء المفتوحة وكتبت ﴿ رَحۡمَةًۚ [آل عمران: 8] بالتاء المربوطة. والله أعلم .

 

السؤال الثالث :

ما المعنى الخاص المميز لكلمة ( سكينة ) في هذه الآية ؟

الجواب :

كل ما جاء من لفظة ( سكينة ) في القرآن فهي طمأنينة للقلب ، كما في قوله تعالى : ﴿ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٤  [الفتح: 4]  ، إلا التي في آية سورة البقرة : ﴿  فِيهِ سَكِينَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ [البقرة:248] فإنه يعني شيئاً من الأشياء الموجودة في التابوت من آثار موسى وهارون عليهما السلام إضافة إلى الطمأنينة والسكون. والله أعلم .

لمزيد من المعلومات حول النظائر المشابهة انظر آية البقرة (14) .

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين