مختارات من تفسير (من روائع البيان في سور القرآن) (الحلقة 204)


﴿۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَهُمۡ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحۡيَٰهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ٢٤٣ [البقرة: 243]

 

السؤال الأول:

في بعض الآيات الخطاب للرسول بصيغة ﴿ أَلَمۡ تَرَ والرسول لم يرها، فما دلالة هذا الخطاب؟

الجواب:

﴿ أَلَمۡ تَرَ في اللغة العربية تأتي بمعنيين:

آـ السؤال عن الرؤية البصرية والرؤية القلبية نحو: ألم تر خالداً اليوم؟ ألم تر الأمر كما أراه؟ هذا معنى .

ب ـ والمعنى الآخر: للتعجُّب، نحو ألم تعلم؟ ألم ينتهِ علمك؟ هذه الصيغة تأتي للتعجب سواء رآه أو لم يسبق له رؤيته.

شواهد قرآنية:

 ـ ﴿ أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَٰٓفَّٰتٖ وَيَقۡبِضۡنَۚ [الملك:19] ألم تعجب من هذا؟ ألم تعجب مما يفعله الرحمن؟ وهم يرون ذلك.

ـ ﴿ أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَمۡ أَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجٖ كَرِيمٍ٧ [الشعراء:7]

 هذه رؤيا مشاهدة لكن فيها تعجباً.

ـ ﴿ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَهُمۡ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِ [البقرة:243] ألم ينته إلى علمك؟ ألم تسمع منهم؟ ألا تتعجب من أولئك؟

ـ ﴿ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ فِي رَبِّهِۦٓ أَنۡ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ [البقرة:258] أي: ألا تعجب من هذا المتكبر وكيف كان يحاوره إبراهيم؟

ـ ﴿ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰٓ [البقرة:246] هي للتعجُّب، والقصد منها التعجُّب و ليلفت نظر السامع الذي يحدثه وكذلك المخاطب إلى أمر يدعو إلى التأمل والعجب من الحالة أو من قدرة الله أو ما إلى ذلك.

السؤال الثاني:

ما الفرق بين آلاف وألوف ﴿ وَهُمۡ أُلُوفٌ في القرآن؟

الجواب:

(الألف): هو العدد المعروف وجمعه (ألوف وآلاف) .

ـ آلاف من أوزان القِلّة (أفعال) لذا هو جمع قلة. وأوزان القِلّة هي: [أفعُل، أفعال، أفعِلة، فِعلة].

وجمع القلة من الثلاثة إلى العشرة، فإنْ تجاوزها دخل في الكثرة .

 ـ (ألوف): جمع الكثرة.

 لذلك قال ربنا سبحانه وتعالى: ﴿ أَلَن يَكۡفِيَكُمۡ أَن يُمِدَّكُمۡ رَبُّكُم بِثَلَٰثَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُنزَلِينَ١٢٤ [آل عمران:124] .

ـ ﴿ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَهُمۡ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِ [البقرة:243] قال بعضهم: قطعاً أكثر من عشرة آلاف، وقسم أوصلهم إلى أربعين ألفاً.

السؤال الثالث:

في قوله تعالى: ﴿ مُوتُواْ ثُمَّ أَحۡيَٰهُمۡۚ [البقرة:243] ثم حرف عطف، فعلى أي شيء عطف؟

الجواب:

قد يحذف أحد المتعاطفين للدلالة عليه كما في هذه الآية، والتقدير: موتوا، فماتوا ثم أحياهم .

السؤال الرابع:

ما دلالات هذه الآية؟

الجواب:

المعنى العام : ألم تعلم ـ أيها الرسول ـ قصة الذين فرّوا من أرضهم ومنازلهم ، وهم ألوف كثيرة ، خشية الموت من قتال العدو ، أو من مرض الطاعون ، فأماتهم الله دفعة واحدة عقوبة لهم ، ثم أحياهم بعد مدّة ليستوفوا آجالهم ، وليتعظوا ويتوبوا بأنّ الفرار لا يمنع من الموت .

في الآية دليل على البعث بعد الموت .

المراد بالاستفهام ﴿ أَلَمۡ تَرَ              التقرير المشوب بالتعجب لمعرفة القصة.

المجاز المرسل في قوله تعالى : ﴿ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِ     والعلاقة هي اعتبار ما يؤول إليه هذا مرض الطاعون الذي اجتاحهم .

5 ـ الطباق بين الإماتة والإحياء .

6 ـ الإيجاز بالحذف في قوله: ﴿ مُوتُواْ          وقوله : ﴿ ثُمَّ أَحۡيَٰهُمۡۚ            فقد حذف تقدير : فماتوا للاستغناء عن ذكره للتنبيه أنّ كل شيء لا يتخلف عن إرادته تعالى .

7 ـ قوله تعالى : ﴿ مُوتُواْ ثُمَّ أَحۡيَٰهُمۡۚ            إنْ قلتَ: هذا يقتضي موتَهُم مرتيْن، وهو منافٍ للمعروف أنّ موت الخلق مرةٌ واحدة؟ قلتُ: لا منافاة إذِ الموتُ هنا عقوبة مع بقاء الأجل، كما في قوله تعالى في قصة موسى ﴿ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ٥٦[البقرة: 56]، وثمَّ موتٌ بانتهاء الأجل، ولأنَّ الموت هنا خاصٌّ بقومِ، وثمَّ عامٌ في الخلق كلِّهم، فيكون ما هنا مستثنى إظهارَاً للمعجزة.

8ـ قوله تعالى: ﴿ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ٢٤٣ إنما ذكر لفظ (الناس) هنا في (البقرة) وفي ( يوسف ) و( غافر ) وتركه في ( يونس ) و ( النَّمل ) لأنَّ ما في الثلاثة الأولى، لم يتقدمه كثرة تكرر لفظ ( الناس ) فناسب الإِظهار، وما في ( يونس ) تقدَّمه ذلك فناسب الإِضمار، لئلا تزيد كثرة التكرار، وما في (النمل ) تقدَّمه إضمار الموحَى إليه ومخاطبته فناسب الِإضمار. والله أعلم .

 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين