﴿حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُواْ
لِلَّهِ قَٰنِتِينَ٢٣٨﴾ [البقرة: 238]
السؤال الأول:
قال تعالى: ﴿حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ
وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ﴾
الآية تحث على الصلاة وقد توسطت آيات الطلاق والوفاة، فما دلالة هذا؟ وما دلالة ورود الأمر بالصلاة بين آيات خطاب بني إسرائيل أو آيات الجهاد أو آيات الطلاق ؟
الجواب:
إنّ المشكلات بين الزوجين وأحداث الطلاق أو الوفاة قد تؤدي إلى أنْ يحيف أحد الزوجين على الآخر، وقد يؤدي هذا إلى ظلم الآخر، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فأمر الله تعالى بالصلاة حتى لا يحيف أحدهما أو يظلم الآخر ويذكّره بالعبادة، وقد ينتصر أحد الزوجين لنفسه فأمره الله تعالى بالصلاة حتى لا يقع في ذلك، ونذكر أنّ الله تعالى أمر بالصلاة في أحداث أكبر من ذلك عند فقد الأمن، وفي حالة الخوف أمر تعالى بالصلاة أيضاً ﴿ وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن
تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن يَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ
كَفَرُوٓاْۚ إِنَّ ٱلۡكَٰفِرِينَ كَانُواْ لَكُمۡ عَدُوّٗا مُّبِينٗا١٠١﴾ [النساء:101] .
وكذلك الأمر بالصلاة بين آيات الطلاق له سببان: أولاً حتى لا ينشغل الزوجان بالمشكلات العائلية عن الصلاة فيتركوها، والثاني لئلا يحيف أحدهما على الآخر .
يرجى مراجعة جواب السؤال الثالث في آية البقرة 45، وذلك لمزيد من المعلومات.
السؤال الثاني:
ما دلالة عطف الجمع ﴿ حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ
﴾ على المفرد ﴿ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ﴾ في الآية؟
الجواب:
1ـ هذا يسمى في اللغة عطف الخاص على العام، فالصلاة الوسطى مشمولة في الصلوات، لكن ذُكرت وحدها لأهميتها .
2ـ وقيل: إنّ الآية فيها جمع وإفراد؛ لأنها تدل على الفروض ﴿ ٱلصَّلَوٰةَ
﴾ والنوافل ﴿ ٱلصَّلَوَٰتِ ﴾ ،
وكما قال تعالى في آية البقرة 232: ﴿ ذَٰلِكَ يُوعَظُ
بِهِۦ ﴾ وفي آية الطلاق 2: ﴿
ذَٰلِكُمۡ يُوعَظُ بِهِۦ ﴾
وترك الصلاة عاقبته وخيمة وأمره خطير جداً، والرسول ﷺ لن يشفع يوم القيامة لتارك الصلاة وإنما سيشفع لمن استحق الشفاعة، ولن تنفع تاركَ الصلاة شفاعةُ الشهداء والصديقين والصالحين ﴿ فَمَا تَنفَعُهُمۡ شَفَٰعَةُ ٱلشَّٰفِعِينَ٤٨﴾ [المدَّثر:48] فعلى كل تارك للصلاة أنْ يبادر ويسارع بالتوبة ويبتعد عن التسويف؛ لأنّ الأمر في منتهى الخطورة .
وفي الحديث «
اغتنمْ خمسًا قبلَ خمسٍ: حياتَك قبلَ موتِك،
وصحتَك قبلَ سقمِك، وفراغَك قبلَ شغلِك، وشبابَك قبلَ هرمِك، وغنَاك قبلَ فقرِك »
[ الجامع الصغير 1205 ] والناس يوم القيامة ستندَمُ على ساعةٍ مرت عليهم لم يذكروا الله تعالى أو يقوموا بعبادة لله أو يتنافسوا في طاعة الله، وفي الحديث عن رسول الله ﷺ: « ما من أحدٍ يموتُ
إلَّا ندِم . قالوا : وما ندامتُه يا رسولَ اللهِ ؟
قال : إن كان مُحسِنًا ندِم ألَّا يكونَ ازداد ، وإن كان مُسيئًا ندِم ألَّا يكونَ
نزَع ». [أخرجه الترمذي 2403].
3 ـ هذه الآية فيها ثلاثة أوامر وهي :
آ ـ وجوب المحافظة على الصلاة بشكل عام .
ب ـ وجوب المحافظة على صلاة العصر بشكل خاص .
ج ـ وجوب الخشوع في الصلاة ، وهو معنى : ﴿ وَقُومُواْ
لِلَّهِ قَٰنِتِينَ٢٣٨﴾ .
4ـ الصلاة عماد الدين ، فاصطبري يا أبدانُ على
إدامة التطهُّرِ بنهر النور، فإنَّ غُصْنًا ينبت في جوار الغدير لا يجفُّ أبدًا!
إنْ لم ينل من فيضه نال من طلِّه، وإن لم يَرِدْ من ربيعه وَرَدَ من نَداه!
السؤال الثالث:
ما دلالة قوله تعالى: ﴿ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ
﴾ في الآية ؟
الجواب:
بلغ عدد تفسيرات العلماء لمعنى الصلاة الوسطى حوالي 20 تفسيراً، منها: صلاة العصر ـ صلاة الجمعة ـ صلاة كانت مفروضة سابقاً .
ولكن هناك رأي آخر: أنّ الصحابة لم يسألوا عن هذه الآية فاعتبروا أن كل صلاة هي صلاة وسطى .
وبعضهم قال: بما أنّ عدد الصلوات في اليوم خمسة، والله يقلب الليل والنهار، أي: لا توجد نقطة ابتداء أو انتهاء كالدائرة، وتصبح أي صلاة هي صلاة وسطى؛ لأنه تسبقها صلاتان وتتبعها صلاتان فهي وسطى من حيث الوصف، وتفيد الأفضلية والخيرية (كنتم أمة وسطاً) فالوسطى هي الصلاة الفاضلة .
وكلمة ( الوسطى ) من الناحية اللغوية تعني ( الفضلى ) أي للأفضل : للأوسط ، وليست من الوسط الذي معناه التوسط بين شيئين ، لأنّ وزن ( فعلى ) معناها التفضيل ، ولا يُبنى للتفضيل إلا ما كان قابلاً للتفاوت زيادة ونقصاً ، وكلمة (الوسط ) بمعنى الخيار تقبل الزيادة والنقص ، بعكس التوسط بين الشيئين فإنه لا يقبلهما ،ولذلك لا يجوز أن يُبنى منه أفعل التفضيل .
وفريق آخر من العلماء قال: إنّ الله أخفاها لفضيلة خاصة تتحرك بين الصلوات حرص الله على إخفائها حتى يتحرك الناس ويحافظوا على كل الصلوات، كما أخفى تعالى اسمه الأعظم حتى لا يترك الناس بقية أسمائه، وكما أخفى ليلة القدر حتى يجتهد الناس في كل ليالي رمضان، وكما أخفى ساعة الاستجابة في يوم الجمعة حتى يتحرك الناس بالدعاء والعبادة طوال اليوم .
وفريق قال: إنّ الآية فيها جمع وإفراد، فالصلاة تدل على الفروض، والصلوات تدل على النوافل، والله أعلم .
السؤال الرابع:
ما دلاة كلمة ﴿ وَقُومُواْ ﴾ بعد كلمة (الصلاة) ؟
الجواب:
جاءت كلمة ﴿ وَقُومُواْ ﴾ في آية البقرة 238 بعد كلمة الصلاة ولم يختر سبحانه الركوع أو السجود؛ لأنّ كلمة القيام تتناسب مع قيام الرجل على بيته وأهله ﴿ ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ
عَلَى ٱلنِّسَآءِ ﴾ [النساء:34] وقوامون، أي: قائمون بالحفظ على شؤونهم وخدمة أمورهم، وكما أمرنا الله بالحفاظ على نسائنا أمرنا بالحفاظ على الصلاة، وهذا من تناسق القرآن .
وعندما تجد زوجاً قانتاً خاشعاً فلا يمكن أنْ يكون جبّاراً على زوجته، وإنْ كان جبّاراً فاعلم أنّ الزوج هذا لم يستكمل صلاته بالخشوع والقنوت، فلو صلى حقيقةً ما تجاسر على زوجته وما تكبر، قال تعالى: ﴿ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ
وَٱلۡمُنكَرِۗ ﴾ [العنكبوت:45].
السؤال الخامس:
ما دلالة رسم كلمة (الصلوة) و(الزكوة) في القرآن بـ(الواو) ؟
الجواب:
هذا رسم المصحف وهو قائم على أمرين:
1ـ أنّ أصل الألف فيهما واو من: صلى /يصلو ـ زكى/يزكو، وأنّ جمع صلاة صلوات.
2ـ أنه في بعض القراءات تُفخَّمُ فتُمال إلى الواو؛ لذا تكتب بالواو لأصلها وللقراءة.
3ـ أمّا كلمة (السموات) فهي أيضاً من خط المصحف، علماً بأنه حين كُتب المصحف كانت حروف العلة [ الواو ـ الألف ـ الياء] لا تُرسم مثل الآن ثم تغير الخط لاحقاً.
4ـ ذكر ( الداني ) في كتابه ( المقنع في رسم مصاحف الأمصار ) أنه رُسمت في كل المصاحف الألف واواً على لفظ التفخيم ، ومراد الأصل في أربعة أصول مطردة ، وأربعة أحرف متفرقة ، فالأربعة أصول هي : ﴿ ٱلصَّلَوٰةَ ﴾ ، ﴿ ٱلزَّكَوٰةَ ﴾
، ﴿ ٱلۡحَيَوٰةَ ﴾
، ﴿ ٱلرِّبَوٰاْ ﴾ ، والأربعة أحرف هي :
﴿ بِٱلۡغَدَوٰةِ ﴾ ، ﴿ كَمِشۡكَوٰةٖ ﴾ ، ﴿ ٱلنَّجَوٰةِ
﴾ ، ﴿ وَمَنَوٰةَ ﴾غير أنّ كلمات ﴿ ٱلصَّلَوٰةَ ﴾ ،﴿ حَيَوٰةٖ ﴾ ،﴿ ٱلرِّبَوٰاْ
﴾ وردت في بعض الآيات القرآنية برسمها العادي مما يوحي بأنّ اختلاف الرسم جاء لأغراض شريفة سامية تعزز المعنى وتعطي للكلمة القرآنية آفاقها الواسعة .وللعلم فإن هذه الكلمات الآنفة الذكر كلها تحمل معنى الزيادة والبركة والنماء والتكاثر.
آ ـ من ذلك كلمة ﴿ ٱلصَّلَوٰةَ ﴾ حيث وردت بهذا الشكل في جميع آيات القرآن الكريم وعددها ( 67) مرة مختلفة عن الكتابة العادية ، ويوحي هذا الرسم بأهمية الصلاة الشرعية وأنها عماد الدين ، وأنها الصلة بين العبد وربه ، مثل أن تضع خطاً تحت كلمة معينة في كتاب تقرأه لتميز هذه الكلمة عن غيرها لأهميتها .
ويعني وجود حرف ( و ) بدلاً من حرف الألف الوسطي في كلمة﴿ ٱلصَّلَوٰةَ ﴾
حيث أنّ حرف الألف يدل على الانقطاع والفصل ، أمّا حرف ( و ) فيدل على العطف والاستمرار ، والصلاة كركن شرعي لا ينقطع أبداً في حياة المسلم ، وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى ، وثقلت كلمة﴿ ٱلصَّلَوٰةَ ﴾
لبيان ثقل مكانة الصلاة في الإسلام ، وللتفخيم والتعظيم ، وتأتي صيغة﴿ ٱلصَّلَوٰةَ ﴾ مع الواو عندما تدل الكلمة على المعنى الكلي الجامع، بينما تأتي بدون واو مع الصيغة الجزئية نحو: ( صلاتك ـ صلاته ) .
كذلك حين تنسب الصلاة إلى الأنبياء في جدلهم مع أقوامهم فإنها تأتي أيضاً بصورتها الخاصة كما في الآيات :
﴿ وَصَلِّ عَلَيۡهِمۡۖ إِنَّ
صَلَوٰتَكَ سَكَنٞ لَّهُمۡۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ١٠٣﴾ [ التوبة : 103].
﴿ قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ
أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ أَن نَّتۡرُكَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَآ ﴾ [ هود : 87].
أمّا عند تخصيص الكلمة نحو اتصال كلمة ( الصلاة ) بضمير الغائب أو ضمير المتكلم ، أو ضمير المخاطب،
فتأتي بصورتها العادية ، حيث وردت تسع مرات :
﴿ كُلّٞ قَدۡ عَلِمَ
صَلَاتَهُۥ وَتَسۡبِيحَهُۥ ﴾ [ النور : 41].
﴿ وَلَا تَجۡهَرۡ بِصَلَاتِكَ
وَلَا تُخَافِتۡ بِهَا ﴾ [ الإسراء : 110].
﴿ وَهُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ
يُحَافِظُونَ٩٢﴾ [ الأنعام : 92].
﴿ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمۡ
عِندَ ٱلۡبَيۡتِ إِلَّا مُكَآءٗ وَتَصۡدِيَةٗۚ ﴾ [ الأنفال : 35].
﴿ ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي
صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ٢ﮣ ﴾ [ المؤمنون : 2].
﴿ ٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ
صَلَاتِهِمۡ دَآئِمُونَ٢٣﴾ [ المعارج : 23].
﴿ وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ
صَلَاتِهِمۡ يُحَافِظُونَ٣٤﴾ [ المعارج : 34].
﴿ ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن
صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ٥﴾ [ الماعون : 5].
﴿ قُلۡ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحۡيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ١٦٢﴾ [ الأنعام : 162].
وللعلم فقد تحور (الألف) إلى (واو) في ( 184) موضع في القرآن الكريم .
ب ـ وردت كلمة ﴿ ٱلزَّكَوٰةَ
﴾ بهذه الصورة مثل كلمة﴿ ٱلصَّلَوٰةَ ﴾
لتبين عظم ركن الزكاة في الإسلام وأهميته، مما جعل سيدنا أبا بكر الصديق يحارب مَن منع الزكاة .
وقد وردت كلمة ﴿ ٱلزَّكَوٰةَ ﴾ في القرآن الكريم (32) مرة ، ولم ترد مطلقاً بالصورة المعتادة . والله أعلم .
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول