مختارات من تفسير (من روائع البيان في سور القرآن) (الحلقة 197)

الحكم التشريعي السابع  والعشرون : عِدة المتوفّى عنها زوجها وحِدادُها

 

﴿وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ٢٣٤﴾ [البقرة: 234]

 

السؤال الأول:

قوله تعالى في الآية: ﴿فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ ما دلالة إضافة الأجل إلى النساء؟

الجواب:

انظر أخي المؤمن كيف أضاف ربنا تعالى (الأجل) إلى النساء المعتدّات، فقال: ﴿فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ ولم يقل: (إذا بلغن الأجل) إيحاءً بأنّ مشقة هذا الأجل واقعة على المعتدّات، فهن الصابرات والمتعبدات بترك الزينة والتزام بيت الزوجية وفي هذا مشقة؛ ولذلك أضاف الأجل إليهن لإزالة ما عسى أنْ يكون قد بقي في نفوس الناس من استفظاع تسرّع النساء إلى التزوج بعد عدّة الوفاة؛ لأنّ أهل الزوج المتوفى قد يتحرجون من ذلك، فنفى الله تعالى هذا الحرج.

 

السؤال الثاني:

قوله تعالى: ﴿يُتَوَفَّوۡنَ بصيغة ما لم يُسمَّ فاعله ، فما دلالة ذلك ؟

الجواب:

الفعل في قوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ من الأفعال التي التزمت العرب فيها البناء للمجهول، فنقول: تُوُفِّيَ فلانٌ، ولا نقول تَوَفَّى فلانٌ، وقد حدث ذات يوم أنّ علياً رضي الله عنه كان يشيع جنازة فقال له قائل: من المتوفِّي؟ بلفظ اسم الفاعل سائلاً عن المُتَوَفَّى، فأجاب عليٌّ بقوله: (الله) ولم يجبه كما يقصد بأنه مات فلان؛ لِيُنَبِّهه على خطئه.

 

السؤال الثالث:

افتتحت الآيتان (234) و (240) في سورة البقرة بنفس العبارة ﴿وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا فما الفرق بين ختامي الآيتين مع أنهما تتحدثان عن المتوفى عنها زوجها؟

الجواب:

منطوق الآيتين يوضِّح الأمر:

الآية الأولى 234 ﴿وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ٢٣٤ يعني خبير بما شرع ويعلم وجه الحكمة في اختيار التوقيت، ويتبين الحمل بعد أربعة أشهر كما في الحديث: « يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوما نطفةً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه ملك فينفخ فيه الروح» [صحيح البخاري 3208 ـ صحيح مسلم 2643 ] .

وربنا يعلم سبب اختيار التوقيت ولماذا اختار الخبير هذا التوقيت، وهذا يحتاج إلى خبرة ومعرفة حتى يعطي الحكم لماذا أربعة أشهر وعشراً، ويحتاج أيضاً إلى خبرة في المجتمع، لكن هل يعني ذلك أنْ تبقى المرأة هكذا؟

والجواب أنه بعد العدة إذا أرادت أنْ تخرج المرأة فلا بأس؛ لأنّ بقاءها قد يكون فيه فتنة، أو فيه أمر نفسي، أو فيه شيء.

ولذلك مضمون الآية 234 هو الوصية للمرأة بأنْ تتربص بنفسها أربعة أشهر وعشرة أيام، وهذه هي عدة المتوفى عنها زوجها .

الآية الثانية: ﴿وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا وَصِيَّةٗ لِّأَزۡوَٰجِهِم مَّتَٰعًا إِلَى ٱلۡحَوۡلِ غَيۡرَ إِخۡرَاجٖۚ فَإِنۡ خَرَجۡنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِي مَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعۡرُوفٖۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ [البقرة:240] في هذه الآية وصّى ربنا الأزواج بألّا يُخرجوا أزواجهن من بيوتهم، وهي وصية لمن يتولى الأمر لأنّ الأزواج قد ماتوا، فتبقى المرأة في البيت، وقد يقولون لها: اُخرجي من البيت لأنّ زوجك مات وخرج فينبغي أنْ تخرجي أنتِ. والقرآن يقول: لا، إياكم ألا تراعوا هذه الوصية، ويمكن أنْ يحدث هذا عندما يريد أهل المتوفى أنْ ينتفعوا من البيت.

فمضمون الآية الثانية الوصية لأهل المتوفى بألا تُخرج المرأة من مسكنها، وإنما تخرج بنفسها ﴿ لَا تُخۡرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ [الطلاق:1] أي: لا تجبر على الخروج ولا تُخرج من البيت قسراً ولها أنْ تبقى إلى الحول، وربنا عزيزٌ ينتقم ممن خالف هذا الأمر. 

فالمسألة في الآية الأولى متعلقة بالمرأة، والثانية متعلقة بمن يُخرج المرأة، فلمّا كان الحكم متعلقاً بالمرأة كان هذا يحتاج إلى خبرة، فقال: ﴿وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ٢٣٤ وأمّا الآية الثانية فقال: ﴿وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ كأنه تهديد لمن يخرج المرأة فينتقم الله ممن خالف الوصية .

و(حكيم) تشمل الحُكم والحِكمة، وهي بمثابة ردع وتحذير لمن يحاول أن يُخرج المرأة، فإذا كنت تحكم هذه المرأة فاعلم أنّ الله عزيز حكيم، فالآية الثانية تهديد لمن يخرج المرأة، أما ما يتعلق بحمل المرأة واستبراء الرحم فيحتاج إلى خبرة.

ولذلك وإن تشابهت الآيتان فإنّ السياق مختلف . والله أعلم .

 

السؤال الرابع:

ما الفرق بين قوله تعالى في آية البقرة 234﴿فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وآية البقرة 240 ﴿فِي مَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعۡرُوفٖۗ ؟

الجواب:

يجب أنْ نلاحظ دلالة التعريف والتنكير، فالمعرفة في اللغة: هي ما دلّ على شيء معين، والنكرة: ما دلّ على شيء غير معيّن.

في الآية الأولى قال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ٢٣٤ [البقرة:234] و(المعروف) في الآية يقصد به الزواج بالذات؛ لأنّ الآية بعدها ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا عَرَّضۡتُم بِهِۦ مِنۡ خِطۡبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوۡ أَكۡنَنتُمۡ فِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّآ أَن تَقُولُواْ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗاۚ وَلَا تَعۡزِمُواْ عُقۡدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡكِتَٰبُ أَجَلَهُۥۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٞ٢٣٥ [البقرة:235] .

فلمّا جاء بالزواج جاء بالباء ﴿ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وهي الدالّة على المصاحبة والإلصاق، وهذا هو مفهوم الزواج بمعناه المصاحبة والإلصاق.

أمّا الآية الثانية فقوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا وَصِيَّةٗ لِّأَزۡوَٰجِهِم مَّتَٰعًا إِلَى ٱلۡحَوۡلِ غَيۡرَ إِخۡرَاجٖۚ فَإِنۡ خَرَجۡنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِي مَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعۡرُوفٖۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ [البقرة:240] فهي عامة ويقصد بـ ﴿مَّعۡرُوفٖۗ [البقرة:240] هنا كل ما يُباح لها.

وباختصار :الآيتان : ﴿فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ  و ﴿فِي مَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعۡرُوفٖۗ    الحديث في الآية الأولى عن المرأة التي توفي عنها زوجها ، والباء في الآية للإلصاق ، وأقرب معروف للمرأة هو الزواج . أمّا ( من) في الآية الثانية فهي للتبعيض ، و( معروف ) في الآية نكرة عامة لأي معروف ، والآية الأولى ناسخة للثانية .والله أعلم .

 

السؤال الخامس:

ختمت الآية ﴿وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ٢٣٤ فما دلالة تقديم العمل على الخبرة في الآيات؟

الجواب:

  هنالك قاعدة استنبطت مما ورد في القرآن الكريم:

آـ إذا كان السياق في عمل الإنسان قدّم عمله ﴿وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ٢٣٤ [البقرة:234].

ب ـ أمّا لو كان السياق في غير العمل أو كان في الأمور القلبية أو كان الكلام عن الله سبحانه وتعالى قدّم صفة الله (خبير): ﴿ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ١٥٣ [آل عمران:153].

 شواهد قرآنية: على تقديم العمل:

ـ ﴿ إِن تُبۡدُواْ ٱلصَّدَقَٰتِ فَنِعِمَّا هِيَۖ وَإِن تُخۡفُوهَا وَتُؤۡتُوهَا ٱلۡفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّ‍َٔاتِكُمۡۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ٢٧١ [البقرة:271] هذا عمل، فلما ذكر عمل الإنسان قدّم عمله فقال: ﴿ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ [البقرة:271] .

ـ ﴿ وَمَا لَكُمۡ أَلَّا تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَٰثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَا يَسۡتَوِي مِنكُم مَّنۡ أَنفَقَ مِن قَبۡلِ ٱلۡفَتۡحِ وَقَٰتَلَۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَعۡظَمُ دَرَجَةٗ مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِنۢ بَعۡدُ وَقَٰتَلُواْۚ وَكُلّٗا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ١٠ [الحديد:10] هذا عمل قتال وإنفاق، فلما ذكر عمل الإنسان قدّم عمله. فقال: ﴿ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ١٠ [الحديد:10] .

 ـ ﴿ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ [البقرة:234] هذا عمل فقدّم ﴿ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ [البقرة:234] .

ـ ﴿ زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَن لَّن يُبۡعَثُواْۚ قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبۡعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلۡتُمۡۚ وَذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ٧

فَ‍َٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلنُّورِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلۡنَاۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ٨ [التغابن:7-8] هذا عمل أيضاً.

شواهد قرآنية: على تقديم الخبرة :

 ـ ﴿ وَتَرَى ٱلۡجِبَالَ تَحۡسَبُهَا جَامِدَةٗ وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِۚ صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتۡقَنَ كُلَّ شَيۡءٍۚ إِنَّهُۥ خَبِيرُۢ بِمَا تَفۡعَلُونَ٨٨ [النمل:88] هذا ليس عمل الإنسان فقدّم الخبرة على العمل وقال: ﴿ خَبِيرُۢ بِمَا تَفۡعَلُونَ٨٨ [النمل:88].

ـ ﴿ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدٖۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ١٨ [الحشر:18] أمر قلبي غير ظاهر.

هذا على وجه العموم، فإذا كان الأمر في عمل الإنسان قدّم العمل، وإذا كان في غير عمل الإنسان أو في الأمور القلبية أو عن الكلام عن الله سبحانه وتعالى قدّم (خبير).

والعرب كانت تعي هذه المعاني وتلك القواعد البلاغية، والبليغ هو الذي يراعي صوغ العبارة ويتفنن في مراعاة البلاغة، والعرب كانوا يتفاوتون في البلاغة، لكنهم كلهم كانوا يتكلمون كلاماً فصيحاً من حيث صحة الكلام، حتى كلام المجانين عندهم؛ لأنّ المجانين يتكلمون بلغة قومهم ويستشهدون بأشعار المجانين؛ لأنّ كلامهم يجري على نسق اللغة، قال : «أنا أفصح من نطق بالضاد» [ الفوائد المجموعة 327 ـ لا أصل له ومعناه صحيح ]

 

السؤال السادس:

هل كانت هناك عدة للمرأة قبل الإسلام ؟ وما دلالة هذه الآية ؟

الجواب:

كان الرجل إذا مات عن امرأة أنفق عليها من ماله حولاً كاملاً وهي في عِدَّته ما لم تخرج، فإنْ خرجتْ انقضت العدة ولا شيء لها، ثم نسخ الله هذا الحكم بآية البقرة رقم 234، فصارت

﴿ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ ناسخة للحول.

المعنى العام للآية : الذين يموتون منكم ويذرون زوجات بعدهم ، يجب عليهن التربص بأنفسهن والانتظار مدة أربعة أشهر وعشرة أيام ، لا يخرجن من منزل الزوجية ، ولا يتزينّ ، ولا يتزوجن، حتى إذا انتهت مدة العدة ، فلا إثم عليكم يا أولياء النساء فيما يفعلن في أنفسهن من الخروج والتزين والزواج على الوجه المقرر شرعاً ، والله سبحانه خبير بأعمالكم الظاهرة والباطنة ، وسيجازيكم عليها . والله أعلم.

 

السؤال السابع:

وردت كلمة ﴿ أَزۡوَٰجٗا في الآية، فما الفرق بين الزوج والبعل ؟

الجواب:

انظر الجواب في آية البقرة 35.

 

السؤال الثامن:

وردت كلمة ﴿فِيمَا        متصلة   في آية البقرة 234 ، بينما جاءت في الآية 240 منفصلة ﴿فِي مَا        ، فما دلالة ذلك  ؟

الجواب:

 لدينا تعبيران ( في ما ) و ( فيما ) فالأول المنفصل يرد دائماً في الحديث عن أمور منفصلة ، وأمّا الثاني المتصل فيتحدث عن أمور متصلة، والآيتان 234 و240 توضحان الأمر :

1ـ الآية الأولى (234)  تتحدث عن عدة المرأة الأرملة، وأنه عند انتهاء أجل العدة فإنه من حق المرأة أنْ تتزوج ، ولا تتحدث الآية عن انفصال الزوجة عن بيت زوجها ، ولهذا جاء تعبير ﴿ فِيمَا ﴾       متصلاً،  ثم جاء تعبير ﴿ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗمتصلاً أيضاً ليدل على معروف واحد ، وهو حق الأرملة في الزواج بعد انتهاء عدتها
أمّا الآية الثانية (240)  فقد تحدثت عن مكث الزوجة في بيت الزوجية حتى يحول عليها الحول ، وتستحق أثناء هذه المدة نفقة من مال زوجها ، أمّا إذا قررت الانفصال عن بيت زوجها﴿ فَإِنۡ خَرَجۡنَ ﴾  فإنّ من حقها أنْ تفعل في نفسها ما تشاء مما هو معروف ﴿ مِن مَّعۡرُوفٖۗ ﴾  كالزواج أو التجارة أو التعلم،  أو أي شيء من الأشياء التي تندرج تحت مفهوم المعروف ، ولأنها انفصلت عن بيت زوجها فقد اقتضى رسم هذا التعبير منفصلاً ﴿ فِي مَا ﴾ ثم اقتضى تنوع المعروف رسماً منفصلاً أيضاً: ﴿ مِن مَّعۡرُوفٖۗ .

2ـ ونلاحظ أيضاً في أداة الشرط في الآية الأولى ﴿ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ ﴾ استخدام الأداة ( إذا ) حيث أنها تفيد حتمية وقوع الشرط لأنّ العدة لا بدّ لها وأنْ تنتهي حتماً.
أمّا في الآية الثانية فإنّ أداة الشرط كانت ﴿ فَإِنۡ خَرَجۡنَ ﴾   باستخدام ( إنْ ) والتي تفيد احتمال وقوع الشرط بنسبة 50% فقط أي أنّ بعض النساء قد يخرجن وبعضهن قد لا يخرجن .
ومن المعلوم لغة أنّ أدوات الشرط الثلاث ( إذا ، إنْ ، لو ) تختلف إحداها عن الأخرى في المعنى ، فالأولى تستعمل عند حتمية الحدوث ، والثانية ظنية الحدوث ، والثالثة مستحيلة الحدوث ، قال تعالى :

﴿ إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ١[ النصر: ١].  أي متى جاء نصر الله والفتح ، أي أنه آتٍ حتماً .

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ٦[الحجرات: ٦]. أي أنه قد يأتي ، وقد لا يأتي .

﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٞ فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡ أَحَدِهِم مِّلۡءُ ٱلۡأَرۡضِ ذَهَبٗا وَلَوِ ٱفۡتَدَىٰ بِهِۦٓۗ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ٩١ [آل عمران: ٩١] . أي أنه مستحيل الحدوث .

لمزيد من التفصيل ، انظر أيضاً آية البقرة 113 .

 السؤال التاسع:

قوله تعالى في الآية: ﴿أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ ما دلالة قوله﴿وَعَشۡرٗاۖ  ولم يقل ( وعشرة ) ؟

الجواب:

القاعدة النحوية أنّ العدد 10 يكون على عكس المعدود إذا كان مفرداً ، ومن نوع المعدود إنْ كان مركباً ، وأما الثلاثة إلى التسعة فإنها تخالف المعدود تذكيراً وتأنيثاً ، والواحد والاثنان يوافقان المعدود  ، نحو : حضر عشْرةُ رجال ـ قابلت عَشَرَ سيدات ـ  مكثنا في مكة أربعة عشَرَ يوماً وخمس عشْرة ليلة ، رأيت أحد عشر طالباً وإحدى عشرة طالبة .

والعدد 10 يكون معرباً إذا كان مفرداَ ، ويكون دائما مبنياً على الفتح إذا كان مركباً .

والأصل أن يكون حرف الشين في العدد 10 مفتوحاً ( عشَر) ويجوز تسكين الشين إذا اتصلت بها التاء ( عشْرة) .

العرب تقول في الأيام خاصة : إذا لم تُذكر الأيام، وفُهمت من السياق يؤتي باللفظ بها من غير تاء، فتقول: صمت ثلاثاً، ولو قلت: صمت ثلاثة، لكان هذا خارج كلام العرب.

3 ـ في آية البقرة 196 ﴿فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖ فِي ٱلۡحَجِّ وَسَبۡعَةٍ إِذَا رَجَعۡتُمۡۗ تِلۡكَ عَشَرَةٞ كَامِلَةٞۗ   ذُكرت الأيام فجاءت حسب القاعدة.

4 ـ في آية سورة طه﴿ يَتَخَٰفَتُونَ بَيۡنَهُمۡ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا عَشۡرٗا١٠٣ لم تُذكر الأيام صراحة وإنما فهمت من السياق، فجاءت ﴿عَشۡرٗا  فجاءت من غير تاء.

5 ـ قال : «من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر كله » [ أخرجه مسلم 1164    ] لم تُذكر الأيام فجاءت من غير تاء ( ستاً ).

6 ـ في آية البقرة  234 ﴿وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ  لو قال: (وعشرة) بدل ( وعشراً) لعادت على الأشهر، ولفُهمت أنّ المدة هي (14) شهراً. والله أعلم .

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين