مختارات من تفسير (من روائع البيان في سور القرآن) (الحلقة 194)

الحكم التشريعي الرابع والعشرون : عَضْلُ الزوج للمرأة

 

﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة: 231]

 

السؤال الأول:

ما دلالات هذه الآية ؟

الجواب:

  لا يجوز للزوج أن يُضار المرأة ، فلا يُسرّحها ولا يمسكها، ولا يُحسن معاملتها ، ولا يُنفق عليها حتى يُلجئها إلى طلب الطلاق ، أو لدفع شيء من مالها لتفدي نفسها به .

لذا عليكم أيها الأزواج إذا طلقتم النساء طلاقاً رجعياً ، فقاربنَ انتهاء العدة ، فإمّا أن تراجعوهن مع القيام بحقوقهنّ والإحسان لهنّ ، وإمّا أنْ تتركوهنّ بلا رجعة ولا ضرر .

2 ـ جعل الله الطلاق حلاً لحياة تستحيل فيها العشرة بين الأزواج ، وهذا من نعم الله على عباده ، وخصّ بها هذه الأمة دون غيرها . والطلاق من آيات الله وقد نهانا سبحانه أن نتلاعب بالطلاق أو الرجعة على وجه غير صحيح .

قوله تعالى : ﴿ وَلَا تَتَّخِذُوٓاْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ هُزُوٗاۚ أي لا تتلاعبوا بأحكام الله، وتتهاونوا في أوامره ونواهيه فتظلموا أنفسكم وغيركم فتتعرضوا لعقاب الله .

جاء في الموطأ أنّ رجلاً قال لابن عباس : إني طلقت امرأتي مئة طلقة ، فقال له ابن عباس : طُلقتْ منك لثلاث ، وسبع وتسعون اتخذتَ بها آيات الله هزواً .

4 ـ قوله تعالى : ﴿ وَلَا تُمۡسِكُوهُنَّ ضِرَارٗا لِّتَعۡتَدُواْۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ     تربية قرآنية تؤكد على أنّ الاعتداء على الآخرين هو ظلم للنفس ؛ بتعريضها لسخط الله وغضبه .

 

السؤال الثاني:

ما هو الفرق بين (استهزأ بـ)، و(سخر من)؟

الجواب:

الاستهزاء أعم من السخرية، والسخرية خاصة بالأشخاص ولم ترد في القرآن إلا للأشخاص، أما الاستهزاء فعامٌّ، ورد في الأشخاص وغير الأشخاص.

شواهد قرآنية:

 ـ ﴿ وَإِذَا نَادَيۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُوٗا وَلَعِبٗاۚ [المائدة:58] الصلاة ليست شخصاً، وإنما أقاويل وأفاعيل .

ـ ﴿ وَلَا تَتَّخِذُوٓاْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ هُزُوٗا  [البقرة:231] .

ـ ﴿ قُلۡ أَبِٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمۡ تَسۡتَهۡزِءُونَ٦٥ [التوبة:65] إذن الاستهزاء عام في الأشخاص وفي غير الأشخاص .

أمّا السخرية ففي الأشخاص تحديداً ولم ترد في القرآن إلا في الأشخاص كقوله تعالى:

﴿ وَيَصۡنَعُ ٱلۡفُلۡكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيۡهِ مَلَأٞ مِّن قَوۡمِهِۦ سَخِرُواْ مِنۡهُۚ قَالَ إِن تَسۡخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسۡخَرُ مِنكُمۡ كَمَا تَسۡخَرُونَ٣٨ [هود:38].

إذن الاستهزاء عام، ومعنى الاستهزاء هو السخرية، هم يقولون: المزاح في خفية وهو جانب من السخرية.

 

السؤال الثالث:

ما دلالة رسم كلمة ﴿ نِعۡمَتَ الواردة في الآية بالتاء المفتوحة ، علماً أنها رسمت بالتاء المربوطة

﴿ نِعۡمَةَ  في مواضع أخرى من القرآن الكريم ؟

الجواب:

وردت كلمة﴿ نِعۡمَةَ   بالتاء المربوطة (25) مرة في القرآن الكريم ، ووردت ﴿ نِعۡمَتَ بالتاء المفتوحة (11) مرة فقط في القرآن الكريم في الآيات :[ البقرة 231 ـ آل عمران 103 ـ  المائدة11 ـ إبراهيم 28 ـ 34 ـ  النحل 73 ـ 83 ـ 114 ـ لقمان 31 ـ فاطر3 ـ الطور 29] .

وعندما ترد﴿ نِعۡمَتَ  بالتاء المفتوحة ، فإن ذلك يعني خصوصية هذه الكلمة وأهميتها ودلالتها غير العادية حين تدبر الآية التي وردت بها والسياق المحيط بها ، والنعم الخاصة التي وهبها الله للمؤمنين ، كما تدل على النعم المفتوحة التي لا يمكن إحصاء عددها . أمّا بالتاء المربوطة فهي تتحدث عن النعم العامة الظاهرة للبشر جميعاً .

وشبيه بهذا كلمة: [﴿لَعۡنَةُ ﴿لَّعۡنَتَ] و كلمة: [﴿ٱمۡرَأَةٌ ﴿ٱمۡرَأَتَ ] و كلمة: [﴿كَلِمَةٞ ﴿كَلِمَتُ ].

والله أعلم .

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين