من روائع البيان في سور القرآن (187)


الحكم التشريعي السابع عشر : موضع الحرث

 

﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 223]

السؤال الأول:

ما اللمسة البيانية في الآية ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ  ؟

الجواب:

  فيما يتعلق باللغة: الذي يظهر من التعبير اللغوي ﴿نِسَآؤُكُمۡ حَرۡثٞ لَّكُمۡ الحرث هو وضع النبت والزرع والنسل، هذا هو الحرث في اللغة كما في قوله تعالى: ﴿ وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ [البقرة:205] ومعنى الآية: فاتوا حرثكم، أي: مكان الإنبات والنسل.

عبّر عن الجماع بلفظ ﴿حَرۡثَكُمۡ لأنه لما كان السؤال يحتمل معنى (كيف) و(أين) جاءت لفظة الحرث؛ لأنّ الحرث لا يكون إلا حيث تنبت البذور وينبت الزرع وهو المحل المخصوص.

السؤال الثاني:

ما معنى ﴿وَقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُمۡۚ ولماذا جاء بعدها بثلاثة تأكيدات في الآية ؟

الجواب:

معنى قوله تعالى: ﴿وَقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُمۡۚ أي: كونوا في قيد تقديم الطاعة لا في قيد قضاء الشهوة، وهذه الصيغة فيها أمر وتأكيد، ثم أكد ذلك ثانياً بقوله تعالى: ﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ثم أكده ثالثاً بقوله: ﴿وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُم مُّلَٰقُوهُۗ وهذه التأكيدات والتهديدات الثلاث لا يليق ذكرها إلا بعد أمر منهي عنه مشتهى عند البعض .

السؤال الثالث:

ما دلالة هذه الآية ؟

الجواب:

   كان اليهود يعتقدون أنّ الرجل إذا أتى امرأته في قُبلها من ناحية دُبرها فإنّ الولد يخرج أحول ، فأنزل الله هذه الآية يُكذب هذا القول ، ويبيّن أنّه يحل للرجل أن يأتي امرأته في قُبلها في موضع الحرث والولد من أي جهة يشاء، فنساؤكم موضع زرعكم ، فاتوهنّ في القُبل على أي هيئة .

وسألت امرأة حفصة رضي الله عنها فقالت : إنّ امرأة أتتها فقالت : إنّ زوجي يأتيني مُجَببة ومستقبلة ، فكرهتْه ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (إن شاء مجببة ، وإن شاء غير مجببة ،  غير أن ذلك في صمام واحد ) [ صحيح مسلم : 1435 ]  .

2 ـ في الآية تشبيه بليغ : فقد شبّه النساء بالحرث لما يُلقى في أرحامهن من النُطف ، وبين البذور من المشابهة ، ووجه الشبه أنّ كلاً منهما مادة ما يحصل منه الإنبات .

3 ـ في الآية كناية : فقد كنّى بإتيان الحرث في أية كيفية عن إتيان المرأة في الكيفية التي يشاؤها من غير حظر ما دام المأتى واحداً وهو موضع الحرث .

4 ـ أجمع العلماء على تحريم إتيان المرأة في دبرها مأخوذاً من الآية الكريمة : ﴿ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ  [البقرة:222] أي في المكان الذي أعدّه الله لذلك .

والله أعلم .

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين