من روائع البيان في سور القرآن (180)

﴿يَسَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلۡ مَآ أَنفَقتُم مِّنۡ خَيرٖ فَلِلوَٰلِدَينِ وَٱلأَقرَبِينَ وَٱليَتَٰمَىٰ وَٱلمَسَٰكِينِ وَٱبنِ ٱلسَّبِيلِۗ وَمَا تَفعَلُواْ مِنۡ خَيرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ﴾ [البقرة: 215]

 

السؤال الأول:

ما دلالة الآيات التي بدأت بقوله تعالى: ﴿يَسَٔلُونَكَ ؟

الجواب:

انظر الجواب في آية البقرة 189.

السؤال الثاني:

كرر القرآن لفظة (ماذا) في الإنفاق مرتين، فقال: ﴿ يَسَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ في آيتي البقرة 215، 219  فما دلالة هذا التكرار ؟

الجواب:

قال تعالى: ﴿ يَسَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ   فجاء بـ(ماذا)، وهذا يدل على المبالغة في الاستفهام؛ ولذلك ـ والله أعلم ـ كرّر السؤال مرتين، مرة في الآية 215، ومرة في الآية 219، فمرة أجاب عن السؤال ببيان أوجه الإنفاق المشروعة، ومرة أجاب عنه بنوع المال الذي ينفق، فكرر السؤال مرتين، وأجاب عنه مرتين، لأهمية السؤال؛ ولذا جاء بـ (ماذا) بدل (ما) لأنّ (ماذا) أبلغ وأقوى مِن (ما).

السؤال الثالث:

 قوله تعالى في الآية: ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ ما الفرق بين: عالم وعلّام وعليم؟

الجواب:

  كلمة (عالم)  في القرآن لم ترد إلا مع (عالم الغيب) مفرداً أو (عالم الغيب والشهادة) عِلماً أنها وردت في (14) موضعاً في القرآنِ ولم تَرِد بمعنىً آخر، و ( عالم )  اسم فاعل لا يدل على الكثير عادة، فاستعملها بالمفرد الذي لا يدل على التكثير.

شواهد قرآنية: مقترنة بالغيب أو بالغيب والشهادة:

ـ ﴿ عَٰلِمُ ٱلغَيبِ فَلَا يُظهِرُ عَلَىٰ غَيبِهِۦٓ أَحَدًا [الجن:26] .

ـ ﴿ عَٰلِمُ ٱلغَيبِ وَٱلشَّهَٰدَةِۚ وَهُوَ ٱلحَكِيمُ ٱلخَبِيرُ [الأنعام:73] .

(علّام )خصّصها للغيوبِ، كقوله تعالى: ﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّٰمُ ٱلغُيُوبِ [التوبة:78] ولا تجد كلمة (علّام )في القرآن في غير ﴿ عَلَّٰمُ ٱلغُيُوبِولم ترد إلا مع الغيوبِ ـ جمع الغيب  ـ مجموعةً، والعلاّم كثرة والغيوبُ كثرة .

ومثل ذلك (سمّاع وسميع) في القرآن:

آ ـ سمّاع، استعملها في الذمِّ، كقوله تعالى:

ـ ﴿ سَمَّٰعُونَ لِلكَذِبِ سَمَّٰعُونَ لِقَوۡمٍ ءَاخَرِينَ لَمۡ يَأتُوكَۖ [المائدة:41] .

ـ ﴿ وَفِيكُمۡ سَمَّٰعُونَ لَهُمۡۗ [التوبة:47] .

ب ـ و(سميع) استعملها تعالى لنفسه ﴿ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ [البقرة:224] واستعملها في الثناء على الإنسان ﴿ إِنَّا خَلَقنَا ٱلإِنسَٰنَ مِن نُّطفَةٍ أَمشَاجٖ نَّبتَلِيهِ فَجَعَلنَٰهُ سَمِيعَا بَصِيرً [الإنسان:2] وسمّاع لم يستعملها إلا في الذم، إذن القرآن يخصص في الاستعمال.

لفظة ( عليم) مطلقة، ويستعملها في كل المعلومات:

آـ على سبيل الإطلاق ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٞ [البقرة:29] يستعملها إما للإطلاق على الكثير.

ب ـ أو يطلقها بدون تقييد ﴿ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ [البقرة:247] .

ج ـ أو يستعملها مع الجمع أو فعل الجمع.

 شواهد قرآنية: قوله تعالى:

 ـ ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ خَلقٍ عَلِيمٌ [يس:79] هذه مطلقة و(كل ) تدل على العموم .

 ـ ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٞ [البقرة:29] هذا إطلاق أو على العموم.

 ـ ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ [البقرة:115] ﴿ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ [البقرة:247] ﴿ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَلِيمُ ٱلحَكِيمُ٣٢ [البقرة:32] .

 ـ ﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ [البقرة:95] ﴿ فَإِن تَوَلَّواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِٱلمُفسِدِينَ [آل عمران:63] ﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلمُتَّقِينَ [آل عمران:115] ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ [آل عمران:119] مع الجمع نحو (المتقين، المفسدين، الظالمين، بذات الصدور) .

ـ ﴿ وَمَا تَفعَلُواْ مِنۡ خَيرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ [البقرة:215] بفعل الجمع، فلم يقل مثلاً :  (وما تفعل من خير).

ـ ﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَعمَلُونَ [يوسف:19] ﴿ وَٱللَّهُ بِمَا تَعمَلُونَ عَلِيمٞ [النور:28] للجمع أو فعل الجمع.

إذن كلمة ( عليم) لم تحدد بشيء معين، إمّا للعموم أو كونها مطلقة من كل شيء أو مع الجمع أو مع فعل الجمع، ولم يأت مع متعلق مفرد مطلقاً في القرآن، لذلك لا تجد: عليم بفلان، أو بفعل فلان.

بينما (علاّم) محددة، و(عالِمٌ) محددة. وإذا أراد أحدهم أنْ يدرس هذه الاستعمالات تدرس في باب تخصيص الألفاظ القرآنية، وهذه ظاهرة في القرآن .

السؤال الرابع:

  ما دلالة هذه الآية ؟  

الجواب:

  هذه الآية نزلت في نفقة الرجل على أهله وأرحامه ، وهو سؤال عن المُنفَق والمُنفَق عليه ، ونزلت في الصدقة يُتصدق بها على المحتاجين .

  عمرو بن الجموح كان رجلاً كبيراً كثير المال ، فسأل النبي عليه السلام بماذا نتصدق ؟ وعلى من نُنفق ؟ وقد تكرر هذا السؤال من قبل بعض الصحابة ، فأنزل الله سبحانه  مبيناً الأَوْلى بالنفقة فالأَوْلى ، وأنّ النفقة تكون بما تيسر لهم من الخير من أصناف المال الحلال الطيب .

3 ـ راعى الترتيب في الإنفاق ، فقدّم الوالدين لعظم حقهما ، ثم ذكر الأقربين ، ثم اليتامى والمسكين وابن السبيل .

4 ـ قوله تعالى : ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ ختم بالعلم لأجل دخول الخلل على النيات في الإنفاق، لأنّ تباهي النفس بالإنفاق يفسد الصدقة حيث لا بدّ معها من الإخلاص  . والله أعلم .

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين