﴿كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّنَ
مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلكِتَٰبَ بِٱلحَقِّ لِيَحكُمَ بَينَ
ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱختَلَفُواْ فِيهِۚ وَمَا ٱختَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعدِ مَا جَآءَتهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ بَغيَا
بَينَهُمۡۖ فَهَدَى
ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱختَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلحَقِّ بِإِذنِهِۦۗ وَٱللَّهُ يَهدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ
صِرَٰطٖ مُّستَقِيمٍ﴾ [البقرة: 213]
السؤال الأول:
ما معنى قوله تعالى: ﴿كَانَ ٱلنَّاسُ
أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ﴾ وبما أنّ الناس أمة واحدة فما الغرض من بعث النبيين مبشّرين
ومنذرين؟
الجواب:
1ـ قوله تعالى: ﴿كَانَ ٱلنَّاسُ
أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ﴾ أي: متفقين على التوحيد مقرّين بالعبودية.
2ـ السؤال: إذا كانوا كذلك لم أرسلَ الرُّسلَ؟ نقرأ الآية:
﴿كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّنَ
مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلكِتَٰبَ بِٱلحَقِّ لِيَحكُمَ بَينَ
ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱختَلَفُواْ فِيهِ﴾
[البقرة:213].
إذن كانوا أمة واحدة
فاختلفوا، كما في آية أخرى ﴿وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ
إِلَّآ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَٱختَلَفُواْۚ﴾
[يونس:19] ولمّا قال: ﴿لِيَحكُمَ بَينَ ٱلنَّاسِ
فِيمَا ٱختَلَفُواْ فِيهِ﴾ إشارة إلى أنهم اختلفوا، وهذا اقتضى إرسال
النبيين والمرسلين.
السؤال الثاني:
ما معنى كلمة (أمّة) في القرآن الكريم ؟
الجواب:
كلمة (أُمَّة) جاءت في القرآن الكريم بأربعة معانٍ، هي:
1ـ الأمّة بمعنى المِلّة: أي: العقيدة، كما في قوله تعالى:
﴿وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلَّآ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَٱختَلَفُواْۚ وَلَولَا كَلِمَةٞ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَينَهُمۡ فِيمَا فِيهِ يَختَلِفُونَ﴾ [يونس:19]
﴿إِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعبُدُونِ﴾ [الأنبياء:92] .
2ـ الأمّة بمعنى الجماعة: كما في قوله تعالى: ﴿وَمِن قَومِ مُوسَىٰٓ أُمَّةٞ يَهدُونَ بِٱلحَقِّ وَبِهِۦ يَعدِلُونَ﴾ [الأعراف:159] ﴿وَمِمَّنۡ خَلَقنَآ أُمَّةٞ يَهدُونَ بِٱلحَقِّ وَبِهِۦ يَعدِلُونَ﴾ [الأعراف:181].
3ـ الأمّة بمعنى الزَّمَن: كما في قوله تعالى: ﴿وَلَئِنۡ أَخَّرنَا عَنهُمُ ٱلعَذَابَ إِلَىٰٓ أُمَّةٖ مَّعدُودَةٖ لَّيَقُولُنَّ
مَا يَحبِسُهُۥٓۗ أَلَا يَومَ يَأتِيهِمۡ لَيسَ مَصرُوفًا عَنهُمۡ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَستَهزِءُونَ﴾ [هود:8] ﴿وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعدَ أُمَّةٍ أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأوِيلِهِۦ فَأَرسِلُونِ﴾ [يوسف:45] .
4ـ الأمة بمعنى الإمامِ: كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ إِبرَٰهِيمَ كَانَ أُمَّةٗ قَانِتا لِّلَّهِ حَنِيفا وَلَمۡ يَكُ مِنَ ٱلمُشرِكِينَ﴾ [النحل:120]
أي: القُدوةُ.
وقوله تعالى: ﴿كَانَ ٱلنَّاسُ
أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّنَ
مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلكِتَٰبَ بِٱلحَقِّ لِيَحكُمَ بَينَ
ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱختَلَفُواْ فِيهِۚ وَمَا ٱختَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعدِ مَا جَآءَتهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ بَغيَا
بَينَهُمۡۖ فَهَدَى
ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱختَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلحَقِّ بِإِذنِهِۦۗ وَٱللَّهُ يَهدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ
مُّستَقِيمٍ﴾ [البقرة:213] في آية سورة البقرة ، الأمة هنا بمعنى العقيدةِ
الواحدةِ والمِلّة الواحدةِ.
السؤال الثالث:
يقولون إنّ هذه الآية لخَّصت تاريخ البشريةِ من عهد آدم إلى أن
تقوم الساعة، فكيف؟
الجواب:
هذه الآية لخّصت تاريخ
البشرية من عهد آدم إلى أنْ تقوم الساعة، ومعناها أنّ الناسَ كانوا على عقيدةٍ
واحدةٍ من عهد آدم إلى زمن ما قبل نوح حيث بدّلوا عقيدتهم، فالدين واحد والعقيدة
هي الإيمان بالله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ
ٱلإِسلَٰمُۗ
وَمَا ٱختَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلعِلمُ بَغيَا بَينَهُمۡۗ وَمَن يَكفُرۡ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ
سَرِيعُ ٱلحِسَابِ﴾ [آل عمران:19] ﴿وَمَن يَبتَغِ
غَيرَ ٱلإِسلَٰمِ دِينا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي ٱلأٓخِرَةِ مِنَ ٱلخَٰسِرِينَ﴾ [آل عمران:85] . وكأنّ في الآية جملةً مقدّرةً
: (كان الناس أمة واحدة فضلُّوا وتفرَّقوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين) .
السؤال الرابع:
لم أفرد الله عز وجل( الكتابَ) في الآية وجمعَ (النبيين) ؟
الجواب:
بعث الله تعالى الأنبياء فعبّر عنهم بصيغة الجمع ﴿ٱلنَّبِيِّنَ﴾ ولكنه قال: ﴿وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلكِتَٰبَ بِٱلحَقِّ﴾ ولم يقل: الكُتُب، مع
أنهم جمعٌ متتابعٌ ولم يكن للكلِّ كتابٌ واحدٌ، فلِمَ أفرده تعالى؟
أفرده ليعلِّمَنا أنّ الحقَّ الذي نزل به الأنبياء واحدٌ،
ولكنه نزل على فترات، وكلُّ واحد منهم متمِّمٌ لما قبله.
السؤال الخامس:
لماذا أنَّثَ (البينات) فقال: ﴿جَآءَتهُمُ
ٱلبَيِّنَٰتُ﴾ ؟
الجواب:
انظر الجواب في السؤال الأول من آية البقرة 209.
السؤال السادس:
ما أهم دلالات هذه الآية ؟
الجواب:
1 ـ هذه الآية تبيّن أنّ البشرَ بحاجة إلى
تشريعٍ إلهي وبشكل مُلِّح ، لأنّ حبَ الدنيا عندهم حبٌ قديم، أدى بهم إلى الكفر
والتفرق والبغي ، وبدأ ذلك من عهد نوح عليه السلام حيث عبَدَ الناسُ الأصنام ( ود
ـ سواع ـ يغوث ـ يعوق ) بعد حوالي ألف سنة من زمن آدم عليه السلام ، لذلك بعث الله الأنبياء بالكتب لهداية البشرية
.
2ـ ( الكتاب ) يُطلق على جميع الكتب السماوية ﴿لِيَحكُمَ﴾
هؤلاء الرسل بين الناس فيما اختلفوا فيه
من الشرك والتوحيد بمقتضى ما جاء فيها .
3 ـ ( البغي ) هو أعمال الحسد بالقول والفعل ،
والحرصُ على طلب الدنيا بغير حق ، وكذلك
التعدي والتجاوز بأشكاله المختلفة .
4 ـ قوله تعالى : ﴿وَمَا
ٱختَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعدِ مَا جَآءَتهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ بَغيَا
بَينَهُمۡۖ﴾ هم اليهود والنصارى
الذين اختلفوا فيما بينهم في شأن محمد عليه السلام من باب البغي والحسد والظلم
من بعد أن رأوا العلامات الدّالة على صدقه ، وكان هذا من باب الحسد لانتقال الرسالة منهم إلى العرب .
5 ـ كان ممّا اختلفوا فيه أيضاً: شأن عيسى
عليه السلام ـ شأن إبراهيم عليه السلام أيهودي أم نصراني ـ في شأن القبلة ـ في شأن يوم الجمعة ، فاختار اليهود السبت
واختار النصارى الأحد ـ في شأن مدة الصيام ـ في شأن الرسول محمد عليه أفضل الصلاة
وأتم التسليم .
6 ـ قوله تعالى : ﴿فَهَدَى
ٱللَّهُ﴾ في إسناده إلى اسم
الجلالة إعلام بأنّ الهدى من الله بعونه وتوفيقه .
والله أعلم .
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول