من روائع البيان في سور القرآن (174)

من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 174)

مثنى محمد هبيان

 

﴿فَإِن زَلَلتُم مِّنۢ بَعدِ مَا جَآءَتكُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ فَٱعلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: 209]

السؤال الأول:

ما الفرق من الناحية البيانية بين ﴿جَآءَهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُۚ﴾ [آل عمران:105] و ﴿جَآءَتكُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ﴾ [البقرة:209] في القرآن الكريم؟

الجواب:

1ـ كلمة (البيّنات) ليست مؤنثاً حقيقياً، لذا يجوز تذكيرها وتأنيثها.

2ـ هناك حكم نحويٌّ مفاده أنه يجوز أنْ يأتي الفعل مذكراً والفاعل مؤنثاً مع المؤنث غير الحقيقي .

3ـ والسؤال ليس عن جواز تذكير وتأنيث البيّنات؛ لأنّ هذا جائز كما قلنا، لكن السؤال: لماذا جاء بالاستعمال فعل المذكر ﴿جَآءَهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُۚ﴾ [آل عمران:105] مع العلم أنه استعملت في غير مكان بالمؤنث ﴿جَآءَتهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ﴾ [البقرة:213]؟

والجواب:

آـ عندما تكون ﴿ٱلبَيِّنَٰتُ﴾ بمعنى العلامات الدالة على المعجزات والنبوءات يؤنث الفعل .

ب ـ وعندما تكون ﴿ٱلبَيِّنَٰتُ﴾ بمعنى الأمر والنهي يذكر الفعل .

 

 شواهد قرآنية على التأنيث، أي: بمعنى المعجزات والنبوءات:

 ـ ﴿فَإِن زَلَلتُم مِّنۢ بَعدِ مَا جَآءَتكُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ فَٱعلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة:209] .

 ـ ﴿كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّ‍نَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلكِتَٰبَ بِٱلحَقِّ لِيَحكُمَ بَينَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱختَلَفُواْ فِيهِۚ وَمَا ٱختَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعدِ مَا جَآءَتهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ بَغيَا بَينَهُمۡۖ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱختَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلحَقِّ بِإِذنِهِۦۗ وَٱللَّهُ يَهدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّستَقِيمٍ﴾ [البقرة:213].

ـ ﴿تِلكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلنَا بَعضَهُمۡ عَلَىٰ بَعضٖۘ مِّنهُم مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُۖ وَرَفَعَ بَعضَهُمۡ دَرَجَٰتٖۚ وَءَاتَينَا عِيسَى ٱبنَ مَريَمَ ٱلبَيِّنَٰتِ وَأَيَّدنَٰهُ بِرُوحِ ٱلقُدُسِۗ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِنۢ بَعدِهِم مِّنۢ بَعدِ مَا جَآءَتهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ وَلَٰكِنِ ٱختَلَفُواْ فَمِنهُم مَّنۡ ءَامَنَ وَمِنهُم مَّن كَفَرَۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقتَتَلُواْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ [البقرة:253] .

﴿ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلعِجلَ مِنۢ بَعدِ مَا جَآءَتهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ فَعَفَونَا عَن ذَٰلِكَۚ وَءَاتَينَا مُوسَىٰ سُلطَٰنا مُّبِينا﴾ [النساء:153] .

شواهد قرآنية على التذكير، أي: بمعنى الأمر والنهي:

ـ ﴿كَيفَ يَهدِي ٱللَّهُ قَوما كَفَرُواْ بَعدَ إِيمَٰنِهِمۡ وَشَهِدُوٓاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقّٞ وَجَآءَهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُۚ وَٱللَّهُ لَا يَهدِي ٱلقَومَ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ [آل عمران:86].

ـ ﴿وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱختَلَفُواْ مِنۢ بَعدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ﴾ [آل عمران:105] .

ـ ﴿قُلۡ إِنِّي نُهِيتُ أَنۡ أَعبُدَ ٱلَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَمَّا جَآءَنِيَ ٱلبَيِّنَٰتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرتُ أَنۡ أُسلِمَ لِرَبِّ ٱلعَٰلَمِينَ﴾ [غافر:66] .

السؤال الثاني:

ما دلالة قوله تعالى: ﴿فَإِن زَلَلتُم﴾ ؟

الجواب:

 1ـ قوله: ﴿فَإِن زَلَلتُم﴾ معناه: انحرفتم عن الطريق الذي أُمرتم به، ويدخل في ذلك الكبائر والصغائر، وفي ذلك زجر للمؤمن كي يتحرز عن الذنوب كبيرها وصغيرها . قال ابن عباس : السّلم الإسلام ، والزلل ترك الإسلام .

 2ـ دلت الآية على أنّ المؤاخذة بالذنب لا تحصل إلا بعد حصول البيان للمكلف لا حصول اليقين .

3ـ يحكى أنّ قارئاَ قرأ (غفور رحيم) في هذه الآية، فسمعه أعرابي فأنكره، وقال له: الحكيم لا يذكر الغفران عند الزلل؛ لأنه إغراء عليه .

والله أعلم .

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين