من روائع البيان في سور القرآن (173)

مختارات من كتاب من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 173)

مثنى محمد هبيان

 

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدخُلُواْ فِي ٱلسِّلمِ كَآفَّةٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ﴾ [البقرة: 208]

السؤال الأول:

لِمَ قال تعالى: ﴿ٱدخُلُواْ فِي ٱلسِّلمِ﴾ ولم يقل: سالموا بعضكم، مثلاً؟

الجواب:

الدخولُ يدل على العمق، ومن دخل المنزلَ صار داخله وفي عمقه ومحاطاً ببنائه، ولذلك من دخل السِّلم صار في أقصى غاية المسالمة وليس مسالماً فقط.

السؤال الثاني:

ما الفرق بين: السِّلْم ـ والسَّلْم ـ والسَّلَم في الاستعمال القرآني ؟

الجواب:

1 ـ السِّلْم - بكسر السين وتشديدها وسكون اللام هو الإسلام، وكلُّ الناس مأمورون بالدخول فيه كافة، وهو السلام . وقد وردت مرة واحدة في القرآن في قوله تعالى : ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدخُلُواْ فِي ٱلسِّلمِ كَآفَّةٗ﴾  [ البقرة : 208 ] .

2 ـ السَّلْم: بفتح السين وتشديدها وسكون اللام ، يُذكّر ويؤنث، هو الصلح أو هو الميل إلى الاستسلام والمسالمة وترك القتال والحرب، وهذه دعوة موجهة إلى الكفار ليجنحوا إليه. وقد وردت مرتين في القرآن في سياق القتال بين المسلمين والأعداء في قوله تعالى:

﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلمِ فَٱجنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلعَلِيمُ﴾ [الأنفال: 61] أي إذا استسلم الكفار فلا مانع .

 

﴿فَلَا تَهِنُواْ وَتَدعُوٓاْ إِلَى ٱلسَّلمِ وَأَنتُمُ ٱلأَعلَونَ وَٱللَّهُ مَعَكُمۡ﴾ [محمد: 35] في الآية نهي عن الوهن والضعف .

3 ـ السَّلَم: بفتح السين وتشديدها وفتح اللام هو السّلف عند أهل العراق وهو أحد البيوع الجائزة ، وهو أيضاً الاستسلام الذليل المهين حيث يُلقي الكفار للمسلمين السَّلَم في الدنيا. وقد وردت خمس مرات في القرآن في قوله تعالى :

آ ـ في سياق الحرب بين المسلمين والكفار :

﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَومِۢ بَينَكُمۡ وَبَينَهُم مِّيثَٰقٌ أَوۡ جَآءُوكُمۡ حَصِرَتۡ صُدُورُهُمۡ أَن يُقَٰتِلُوكُمۡ أَوۡ يُقَٰتِلُواْ قَومَهُمۡۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمۡ عَلَيكُمۡ فَلَقَٰتَلُوكُمۡۚ فَإِنِ ٱعتَزَلُوكُمۡ فَلَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ وَأَلقَواْ إِلَيكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ عَلَيهِمۡ سَبِيلٗ﴾ [النساء: 90].

﴿سَتَجِدُونَ ءَاخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأمَنُوكُمۡ وَيَأمَنُواْ قَومَهُمۡ كُلَّ مَا رُدُّوٓاْ إِلَى ٱلفِتنَةِ أُركِسُواْ فِيهَاۚ فَإِن لَّمۡ يَعتَزِلُوكُمۡ وَيُلقُوٓاْ إِلَيكُمُ ٱلسَّلَمَ وَيَكُفُّوٓاْ أَيدِيَهُمۡ فَخُذُوهُمۡ وَٱقتُلُوهُمۡ حَيثُ ثَقِفتُمُوهُمۡۚ وَأُوْلَٰٓئِكُمۡ جَعَلنَا لَكُمۡ عَلَيهِمۡ سُلطَٰنا مُّبِينٗ﴾ [النساء: 91].

ب ـ استسلام الكفار الذليل يوم القيامة ، وعند الاحتضار :

﴿ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡۖ فَأَلقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعمَلُ مِن سُوٓءِۢۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعمَلُونَ﴾ [النحل: 28].

﴿وَأَلقَواْ إِلَى ٱللَّهِ يَومَئِذٍ ٱلسَّلَمَۖ وَضَلَّ عَنهُم مَّا كَانُواْ يَفتَرُونَ﴾ [النحل: 87].

ج ـ عمن يخضع لغير الله :

﴿ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلا رَّجُلا فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَٰكِسُونَ وَرَجُلا سَلَما لِّرَجُلٍ هَلۡ يَستَوِيَانِ مَثَلًاۚ ٱلحَمدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكثَرُهُمۡ لَا يَعلَمُونَ﴾ [الزمر: 29].

السؤال الثالث:

ما أهم توجيهات هذه الآية  ؟

الجواب:

1 ـ لما دعا اللهُ الذين آمنوا أن يدخلوا في السلم حذّرهم أن يتبعوا خطوات الشيطان ، فإنه ليس هناك إلا اتجاهان اثنان إمّا هدى وإمّا ضلال ، فينبغي أن يدرك المسلمُ موقفه فلا يتردد بين شتى السبل وشتى الاتجاهات .

2 ـ أصعب الحرام أوله، ثم يسهل ، ثم يستساغ ، ثم يؤلف ، ثم يحلو، ثم يطبع على القلب ، ثم يبحث القلب عن حرام آخر ، حتى يعاقب فلا يجد له لذة، ولا هو يستطع تركه.

3 ـ الخطوة مسافة يسيرة ،  تبدأ بمعصية صغيرة حتى تألفها النفس وتزيد خطوة أخرى وقوله :(خطوات) أي أن الشيطان لن يقف عند خطوة واحدة.

4 ـ قوله تعالى : ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدخُلُواْ فِي ٱلسِّلمِ كَآفَّةٗ﴾  لمّا كان الدخول في السلم كافة لا يمكن أن يتصوَّر إلا بمخالفة الشيطان قال: ﴿وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيطَٰنِۚ﴾  .

5 ـ قال أبو حامد الغزالي : الذين ذهبوا إلى كسرى لم يذهبوا إليه باسطوانات المصحف المرتل، ولا بطبعة جديدة من المصحف، إنما ذهبوا بدرجة كبيرة من الوعي والطهر والعدل! وقف ربعي بن عامر يعرض الإسلام خُلقًا وسلوكًا، ويعرضه نظام حياة وأمل جماهير.. إنّ القرآن قد بدأ بسورة العلق، وختم بسورة المائدة وسورة النصر؛ ليقال لنا: هذا هو الخط السماوي الذي يجب أن يعيش الناس به!

والله أعلم .

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين