من روائع البيان في سور القرآن (166)

مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 166)

مثنى محمد هبيان

 

﴿فَإِذَا قَضَيتُم مَّنَٰسِكَكُمۡ فَٱذكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكرِكُمۡ ءَابَآءَكُمۡ أَوۡ أَشَدَّ ذِكراۗ فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلأٓخِرَةِ مِنۡ خَلَٰقٖ﴾ [البقرة: 200]

السؤال الأول:

ما دلالة قوله تعالى في الآية ﴿مِنۡ خَلَٰقٖ﴾ [البقرة:200]؟

الجواب:

 1ـ في الآية طُلب من الحاج أنْ يكون دائماً ذاكراً، وذكرُ الله يستتبع ذكر الآخرة وما فيها من نعيم وشقاء.

2 ـ قوله تعالى: ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا﴾ ما قال آتنا ماذا؟ إمّا لتهوين شأنه، أو لأنه عظيم عندهم، وهم يريدون كل شيء في الدنيا، حتى ما وصفوا هذا المأتي به بأنه حسن، وهذه سِمة لا يحبها الله عز وجل لعباده فكيف أدّبهم؟

هم لا يفكرون بالآخرة، والله عز وجل لا يريد لعباده الصالحين أن يكونوا كهؤلاء، ويريد منهم أن يذكروه ويتذكروا الآخرة، لأن هذه الحياة مهما طالت هي كحلم رائي كما في الأثر: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا، والإنسان في لحظة موته كأنه استيقظ من منام وكان يرى حلماً كل هذه السنوات.

3ـ قوله تعالى: ﴿وَمَا لَهُۥ فِي ٱلأٓخِرَةِ مِنۡ خَلَٰقٖ﴾ [البقرة:200] الخلاق هو النصيب، لكن لم يقل نصيب؛ لأن الخَلَق والخَلَقَات نستعمله للشيء البالي.

وبالتالي يكون المعنى: أنه حتى هذا النصيب البالي التافه ليس لهم في الآخرة؛ لأنهم هم لا يفكرون أصلاً في الآخرة وإنما في الدنيا، ولذلك هم لم يصفوا بالحسن ما أرادوا بل قالوا: ﴿رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنيَا﴾ [البقرة:200] أي: يريدون أي شيء في الدنيا فقط.

4 ـ قوله تعالى: ﴿فَٱذكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكرِكُمۡ ءَابَآءَكُمۡ أَوۡ أَشَدَّ ذِكراۗ﴾ يفيد أنّ للآباء أثر كبير على أبنائهم، فهم القدوة الذين يتلقون منهم القيم، وتربطهم بالأبناء عاطفة قوية، لذا لهم تأثير كبير في توجيه سلوك الأبناء وهذه مسؤولية يجب أن يعيها كل أب حتى يورث أبنائه الصلاح والتقوى.

5 ـ المتأمِّلُ في شعائر الحج يلحظُ تربيةً عجيبةً على كثرة الذكر، فنجد النصَّ عليه في القرآن في مواضع: عند المشعر الحرام، وفي أيام التشريـق، وعند الفراغ من المناسـك، وعند الذبــح، والذكـر على عمـوم نعمـة التوحيـد، والتوفيـق لهـذه المناسـك، فلنفتِّش عن أثر هذه العبادة في مناسكنا.

6 ـ في آيات الحجِّ عالج القرانُ خصائص الجاهلية وكيفية تنقية المجتمع المسلم منها بأسلوب يستثمر المناسبة ويستفيد منها، ومن ذلك التكبُّر على الناس والتميُّز عنهم، والفخر بالآباء والتعصب لهم، تدبر: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ [البقرة:199]، و ﴿فَٱذكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكرِكُمۡ ءَابَآءَكُمۡ أَوۡ أَشَدَّ ذِكراۗ﴾ [البقرة:200]، فما أحوج الدعاة والأمة جميعًا لمثل هذا الأسلوب، ولذلك النقاء.

والله أعلم.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين