من روائع البيان في سور القرآن (163)

مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 163)

مثنى محمد هبيان


﴿وَأَتِمُّواْ ٱلحَجَّ وَٱلعُمرَةَ لِلَّهِۚ فَإِنۡ أُحصِرتُمۡ فَمَا ٱستَيسَرَ مِنَ ٱلهَديِۖ وَلَا تَحلِقُواْ رُءُوسَكُمۡ حَتَّىٰ يَبلُغَ ٱلهَديُ مَحِلَّهُۥۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ بِهِۦٓ أَذى مِّن رَّأسِهِۦ فَفِديَةٞ مِّن صِيَامٍ أَوۡ صَدَقَةٍ أَوۡ نُسُكٖۚ فَإِذَآ أَمِنتُمۡ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلعُمرَةِ إِلَى ٱلحَجِّ فَمَا ٱستَيسَرَ مِنَ ٱلهَديِۚ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖ فِي ٱلحَجِّ وَسَبعَةٍ إِذَا رَجَعتُمۡۗ تِلكَ عَشَرَةٞ كَامِلَةٞۗ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمۡ يَكُنۡ أَهلُهُۥ حَاضِرِي ٱلمَسجِدِ ٱلحَرَامِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلعِقَابِ﴾ [البقرة: 196]

السؤال الأول:

قوله تعالى في الآية: ﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلعِقَابِ﴾ [البقرة:196] لِمَ أظهر هنا لفظ الجلالة؟

الجواب:

في قوله: ﴿وَٱعلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلعِقَابِ﴾ [البقرة:196] أظهر لفظ الجلالة لتربية الهيبة في النفوس من عظمة الله تبارك وتعالى حتى تكون أكثر خشية، وهذا ما يفعله التعبير بالاسم الظاهر أكثر مما يفعله الضمير في هذا الموضع.

السؤال الثاني:

ما الوقفات والدروس في قوله تعالى في الآية: ﴿وَأَتِمُّواْ ٱلحَجَّ وَٱلعُمرَةَ لِلَّهِۚ﴾ [البقرة:196]؟

الجواب:

 1ـ جاءت هذه الآية في الكلام عن الحج في سياقها الطبيعي بعد أن ذكر الصيام ورمضان فكان طبيعياً أنْ يتكلم عن الحج.

2ـ قوله تعالى: ﴿فَفِديَةٞ مِّن صِيَامٍ أَوۡ صَدَقَةٍ أَوۡ نُسُكٖۚ﴾ [البقرة:196] فيها ترتيب تصاعدي في النفع، فالصيام لا يتعدى النفع المباشر فيه إلى الغير، والصدقة عبادة يتعدى فيها النفع إلى الغير، ولكن بقدر وحدود؛ لأنها إطعام عدد محدود من الأفراد، وأمّا النسك فهو ذبيحة ينتفع بها عدد أكبر من الناس.

3ـ قوله تعالى: ﴿فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ﴾ [البقرة:196] لم يحدد ما الذي لم يوجد؛ ليشمل من لم يجد الهدي، ومن لم يجد ثمنه، فاستفدنا زيادة المعنى، مع اختصار اللفظ.

4ـ سميت أيام التشريق؛ لأنهم كانوا يشرقون اللحم للشمس ليجف ويقدد.

5ـ قال: ﴿تِلكَ عَشَرَةٞ كَامِلَةٞۗ﴾ [البقرة:196] حتى لا يلتبس الفهم بأنّ الواو بمعنى (أو) كما في قوله تعالى: ﴿فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ﴾ [النساء:3] وألا تحل التسع جملة، فنفى بقوله: ﴿تِلكَ عَشَرَةٞ﴾ ظن أحد العددين فقط: الثلاثة في الحج أو السبعة بعد الرجوع.

وأما قوله تعالى: ﴿كَامِلَةٞۗ﴾ [البقرة:196] فهي للتأكيد كما في قوله تعالى: ﴿حَولَينِ كَامِلَينِۖ﴾ [البقرة:233] والمعنى: أنها كاملة في الثواب مع وقوعها بدلاً عن الهدي، أو وقوعها موقع التتابع مع تفرقها، أو وقوعها موقع الصوم بمكة مع وقوع بعضها في غير مكة، والحاصل أنه كمالٌ وصفاً لا ذاتاً.

6 ـ قوله تعالى: ﴿فَمَا ٱستَيسَرَ﴾ ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا﴾ ﴿فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ﴾...مصطلحات تدل على التيسير وعدم المشقة، ومع ذلك نادى بالتقوى وحذّر من شدة عقابه فقال: ﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلعِقَابِ﴾ [البقرة:196].

السؤال الثالث:

ما معنى الشرط في الآية ﴿فَإِنۡ أُحصِرتُمۡ﴾ [البقرة:196] ﴿فَإِذَآ أَمِنتُمۡ﴾ [البقرة:196] وماذا عن استعماله في القرآن؟

الجواب:

انظر الجواب في آية البقرة 191.

السؤال الرابع:

ما أهم دلالات هذه الآية؟

الجواب:

1ـ وجوب الحج والعمرة وفرضيّتهما.

2ـ وجوب إتمام أركانهما وواجباتهما وشروطهما ولو نفلاً.

3 ـ إتقانهما والإخلاص فيهما.

4 ـ قوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّواْ ٱلحَجَّ وَٱلعُمرَةَ لِلَّهِۚ﴾ [البقرة:196] لم يقل في الصلاة وغيرها: (لله)؛ لأنّ الحج والعمرة مما يكثر الرياء فيهما جدًا، فلما كانا مظنة الرياء قيل فيهما: (لله) اعتناءً بالإخلاص.

5ـ عدم الخروج منهما بعد الإحرام حتى يكملهما، إلا بالحصر بمرض أو عدو أو حادث ونحو ذلك، فيذبح المحرم شاة ويحلق أو يقصّر، ويحل من إحرامه، فإنْ لم يجد الهدي صام عشرة أيام، ولا شيء عليه بعد ذلك.

6ـ التقيد بمحظورات الإحرام حتى يوم النحر، بعد رمي جمرة العقبة وطواف الإفاضة والحلق أو التقصير.

7ـ من تمتع بالعمرة إلى الحج عليه هدي، وكذا القارن، وأمّا المفرد لا هدي عليه، ومن لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، وأهل المسجد الحرام ممن هم داخل حدود الحرم لا هدي عليهم، لأنهم لم يحصل لهم نُسكيْن في سفر واحد.

8ـ أعمال الحج والعمرة وفقههما يؤخذ من العلماء ومن كتب الفقه.

والله أعلم.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين