من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 192)

الحكم التشريعي الحادي والعشرون : الطلاق الرجعي

الحكم التشريعي الثاني والعشرون : الخُلْعُ وأدلته

﴿ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡ‍ًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ٢٢٩

[البقرة: 229]

 

السؤال الأول:

قوله تعالى: ﴿ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡ‍ًٔا لِمَ لمْ يقل: مالاً؟

الجواب:

وردت كلمة ( شيء) نكرة، وهو لفظ عميق الدلالة على النكرة، فدلّ استعمال كلمة ﴿ شَيۡ‍ًٔا على تحذير الأزواج من أخذ أقل القليل، بخلاف لو استعمل لفظ (المال) فإنه في هذه الحالة قد يفهم أنه يحذره من أخذ المال ويسمح له بأخذ ما سواه.

 

السؤال الثاني:

شبّه الله تعالى أوامره بالحدود، فما دلالة ذلك ؟

الجواب:

 قوله تعالى في الآية: ﴿ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ انظر كيف شبه الله سبحانه وتعالى أوامره بالحدود؛ لأنّ (الحد) هو الفاصل بين أملاك الناس، وكذلك أحكام الله تعالى هي الفاصلة بين الحلال والحرام والحق والباطل.

والقاعدة أنّ الله تعالى يستعمل ﴿ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَاۗ [البقرة:187] في النواهي كما في آية البقرة 187، ويستعمل ﴿ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ [البقرة:229] مع الأوامر كما في هذه الآية .

 

السؤال الثالث:

قوله تعالى: ﴿ ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ جاءت بالصيغة الاسمية، فما دلالة ذلك ؟

الجواب:

  قوله تعالى في آية البقرة 229: ﴿ ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ جاء بالطلقة الثالثة بالرفع؛ وذلك لأنها الطلقة الأخيرة والحكم معها يكون على وجه الدوام، وهو إمّا الإمساك بالمعروف أو التسريح الذي لا رجعة فيه؛ لذلك لم يقلها بالنصب؛ وذلك لأنّ النصب موقوت، فناسب الصيغة الاسمية التي تدل على الثبات والدوام .

والطلقة الثالثة هي التي سُئل عنها النبي عليه الصلاة السلام لمّا نزل قول الله تعالى : ﴿ ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ  فقيل : أين الثالثة ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : ﴿ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ وهذه هي البينونة الكبرى التي لا رجعة فيها . (رواه الدار قطني في السنن) .

وفي قوله تعالى : ﴿ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ خُلُقٌ عظيمٌ لو تمثله المسلم في كل تسريح ومفارقة بينه وبين من يخالفه من زوجة أو شريك أو عامل أو صاحب.

2 ـ ولذلك في سورة محمد قال تعالى: ﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرۡبَ ٱلرِّقَابِ [محمد:4] جاء بـ ﴿فضرْبَ [محمد:4] منصوباً وذلك على تقدير الفعل، أي: فاضربوا ضربَ، ولم يأت بالرفع وذلك لأنه موقوت بالمعركة وليس أمراً دائماً، فجاء بالصيغة الفعلية التي تدل على الحدوث والتجدد .

 

السؤال الرابع:

قوله تعالى في آية البقرة 228: ﴿ وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِي عَلَيۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ فجاء بـ الذي، وفي آية البقرة 229 قال: ﴿ وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡ‍ًٔا فجاء بـ (ما). فما الفرق ؟

الجواب:

انظر الجواب في آية البقرة 228.

 

السؤال الخامس:

قوله تعالى: ﴿ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ  ما الحد؟ وما الكلمات التي جاءت شبيهة بهذه الكلمة في القرآن الكريم ؟

الجواب:

الحد:

 هو الطرف الذي يميز الشيء عن غيره فلا يختلط به؛ كحد الأرض.

شواهد قرآنية:

﴿ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ [البقرة:229] .

 الطَّرَف:

بداية الشيء ونهايته ولا يمكن فصله عنه.

شواهد قرآنية:

﴿ وَأَطۡرَافَ ٱلنَّهَارِ [طه:130]

﴿ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَآۚ [الأنبياء:44]

الحَرف:

طرف الشيء العالي المُدبَّب وهو حادٌّ كالسكين يصعب الوقوف عليه، وإن وقفت يصعب التماسك وتتعرض للسقوط .

شواهد قرآنية:

 ﴿ مَن يَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفٖۖ [الحج:11] .

الرجـــا: هو عكس (الحرف) بالمعنى ، وجمعها (أرجاء)،  فهو واسعٌ يمكن الجلوس عليه أو تبني فيه.

 شواهد قرآنية:

 ﴿ وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰٓ أَرۡجَآئِهَاۚ [الحاقة:17]، فالملائكة حول العرش في غاية الراحة والسعة.

الحافـــة:

 هو مانع يمنعك من السقوط على الطرف .

 

السؤال السادس:

 ما دلالات قوله تعالى : ﴿ ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡ‍ًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ٢٢٩  ؟

الجواب:

1 ـ لا ينبغي للرجل أن يُضّار المرأة ويضايقها كي يلجئها إلى طلب الطلاق أو تفتدي نفسها منه برد المهر، أو شيء من المال، طلباً للطلاق .

الخُلع : أن تخلع المرأة نفسها بأن ترفع أمرها إلى القاضي ، وتبين له الأسباب الموجبة التي جعلتها لا تطيق العيش معه ، والإسلام في هذه الحالة يطلب منها أن تردّ له مهره أو تفدي نفسها منه على شيء من المال .

3 ـ الخُلع طلاقٌ بائنٌ عند جمهور العلماء .

4 ـ قوله تعالى : ﴿ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ  أي الفاصلة بين الحرام والحلال ، والإسلام يسمي الخُلع أو الطلاق أو الرجعة حدود الله﴿ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ٢٢٩  لأنفسهم بتعريضها لعذاب الله بسبب الظلم الذي وقعت فيه .

5 ـ الظلم ثلاثة أنواع :

آ ـ ظلمٌ من العبد لربه فيما دون الشرك بالله ، وهو راجع إلى مشيئة الله إنْ شاء عفا وإنْ شاء عذّب .

ب ـ الظلم الأكبر هو الشرك بالله ، وصاحبه مخلد في العذاب والنار إنْ مات عليه ، أمّا إنْ تاب قبل الغرغرة والموت فإنّ الله يتوب عليه .

ج ـ وظلمٌ متعلق بحقوق العباد لا يترك الله منه شيئاً . والله أعلم .   

 

السؤال السابع:

 ما دلالة كتابة كلمة ﴿ ٱلطَّلَٰقُ  بحذف الألف من وسط الكلمة في آيتي سورة البقرة [ 228ـ 229 ] ؟

الجواب:

وردت كلمة ﴿ ٱلطَّلَٰقُ  بحذف الألف من وسط الكلمة في آيتي سورة البقرة

 [ 227ـ 229 ] ، ويوحي حذف الألف من وسط الكلمة أن تنكمش الكلمة ، وبالتالي تكون ضيقة المبنى بأن يكون الطلاق في أضيق الحدود ، كما يوحي حذف الألف أنه ما زال هناك ارتباط بين الزوجين في فترة العدة .

ويوحي رسم كلمة﴿ مَرَّتَانِۖ   بالألف الصريحة على ضرورة وقوع المرتين مرة بعد مرة ، وجاءت الألف في وسط الكلمة كألف فارقة لكل مرة على حدة . ومن لطائف القرآن الكريم التناسب العددي بين قوله تعالى : ﴿ ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ    وبين أنّ كلمة  ﴿ ٱلطَّلَٰقُ  قد جاءت مرتين في القرآن الكريم كله .  والله أعلم .

 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين