من روائع البيان في سور القرآن (الحلقة 190)

الحكم التشريعي التاسع عشر : الإيلاء

﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 226-227]  

السؤال الأول:

قوله تعالى في الآية: ﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) الإيلاء أريد به الحلف، فلِمَ قال تعالى: ﴿يُؤلُونَ ولم يقل: (يحلفون) أو (يقسمون)؟

الجواب:

لأنّ الإيلاء هو حلف ويمين، ولكنه يقتضي التقصير في حق المحلوف عليه، وهو مشتق من (الألو) وهو التقصير، والإيلاء فيه إجحاف وتقصير في حق المرأة التي حلف زوجها أنْ لا يقربها.

السؤال الثاني:

لِمَ عدّى الفعل ﴿يُؤلُونَ بـ (من) فقال: ﴿مِن نِّسَآئِهِمۡ فلِمَ لمْ يقل: (يؤلون على نسائهم)؟

الجواب:

لأنّ الله سبحانه وتعالى أراد أنْ يضعك في صورة مشهد هذا اليمين، فالرجل حلف أنْ يبتعد عن زوجه؛ ولذلك عدّى الفعل (يؤلون) بحرف جرٍّ يناسب البُعد وهو (من)، وتفهم معنى الابتعاد فكأنه قال: للذين يؤلون متباعدين عن نسائهم. والإيلاء هو حلف ويمين ولكنه يقتضي التقصير في حق المحلوف عليه، وهو مشتق من (الألو) وهو التقصير، والإيلاء أيضاً فيه إجحاف وتقصير في حق المرأة التي حلف زوجها أن لا يقربها.

 

السؤال الثالث:

ما المعنى العام للآيتين ؟

الجواب:

الإيلاء مثل اليمين أو القسم أو الحلف، ويقصد صاحبها يميناً على ترك الوطء والمجامعة لزوجته.

وقد كان الإيلاء في الجاهلية طلاقاً، ثم إنّ أهل الإسلام فعلوا ذلك فأزال الله تعالى ذلك وأمهل الزوج مدة أربعة أشهر ليتروى ويتأمل، فإنْ رأى المصلحة في ترك هذه المضارة فعلها وإلا فارق المرأة.

قال: ﴿ مِن نِّسَآئِهِمۡ وفيها معنى البعد، فكأنه قيل: يبعدون من نسائهم.

قوله تعالى: ﴿ فَإِن فَآءُو  أي: إنْ رجعوا، فالفيء هو رجوع الشيء إلى ما كان عليه من قبل، ولهذا قيل لما تنسخه الشمس من الظل ثم يعود: فيءٌ .

ولذلك معنى ﴿ فَإِن فَآءُو  أي: رجعوا عما حلفوا عليه من ترك جماع نسائهم. والرجوع يكون بالقول باللسان أو الجماع ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ     لما وقع من الحلف رحيم بهم حيث لم يؤاخذهم على سوء فعلهم ، ولا كفارة عليه بسبب ذاك اليمين .

4 ـ قوله تعالى : ﴿ وَإِنۡ عَزَمُواْ ٱلطَّلَٰقَ   أي عقدوا عزمهم على الطلاق والاستمرار في اليمين ، وامتنعوا عن الرجوع لعدم رغبتهم مع ترك الجماع ، وهذه تعتبر الطلقة الثانية ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ  لأقوالهم ﴿ عَلِيمٞ   بمقاصدهم وسيجازيهم على ذلك ، وفي هذا تهديد ووعيد لمن قصد بذلك  المضّارة .

5 ـ قوله تعالى : ﴿وَإِنۡ عَزَمُواْ ٱلطَّلَٰقَ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ٢٢٧   فإن قلتَ: عزمُهم الطَّلاق ممَّا يُعلم لا ممَّا يُسمع، فكيف قال: ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ  ؟ قلتُ: العازم على الشيء يُحدِّث به نفسه، وحديث النَّفس ممَّا يسمعه الله ويسمع وسوسة الشيطان، مع أنّ الغالب في عزم الطلاق المقاولة والتحدث مع الزوجة. والله أعلم .

السؤال الرابع:

ما دلالة رسم كلمة ﴿  فَآءُو    بدون ألف في القرآن الكريم ؟   

الجواب:

وردت كلمة﴿ فَآءُو   مرة واحدة في القرآن الكريم بدون ألف في هذه الآية ، والنقص يشير إلى الإسراع في العودة عن الإيلاء ، وألا يكون هناك طلاق كما في الآية اللاحقة (البقرة : 227 ) . والله أعلم .

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين