من دروس رمضان للعلامة الشيخ يوسف القر ضاوي -7-

الدرس السابع من دروس رمضان 1423
درس في تكريم الإسلام للمرأة
آيات من سورة النساء
العلامة الشيخ يوسف القرضاوي
 
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأزكى صلوات الله وتسليماته، على من أرسله ربه رحمة للعالمين، وحجة على الناس أجمعين، سيدنا وإمامنا، وأسوتنا وقائد دربنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه، الذين {آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف:157].
ورضي الله عمن دعا بدعوته، واهتدى بسنته، وجاهد جهاده إلى يوم الدين. ثم أما بعد..
خير ما أحييكم به أيها الإخوة والأخوات تحية الإسلام، تحية من عند الله مباركة طيبة، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.
 
حرمان المرأة في الجاهلية من الميراث :
كانت النساء تورث كرها، ولا ترث، لأن أهل الجاهلية، كانوا لا يرث عندهم، إلا من يحمل السلاح، من يذود عن الحمى، ولذلك كانوا لا يورثون النساء، ولا الصبيان الصغار، وإن كانوا ذكورًا؛ لأنهم لا يحملون السلاح، فلا يرث إلا الذكر الكبير، لأنه الذي يقاتل، كما قال الشاعر:
 
كتب القتلُ والقتال علينا     وعلى الغانيات جرُّ الذيول

 
وعلى هذا، كان الرجال الكبار البالغون هم الذين يرثون، أما في القرآن: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا}[النساء:7]، فورَّث النساء والرجال جميعا.
 
الحكمة في تضعيف ميراث الذكر على الأنثى في حالة الأبوة والبنوة:
 صحيح في بعض الأحيان مثل ميراث الأولاد من أبيهم، جعل للذكر مثل حظ الأنثيين، كما قال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}[النساء:11].
 
وهذا لتفاوت الأعباء والواجبات الماليَّة، ما بين الرجل والمرأة، أو الأولاد بعضهم وبعض، فبناء على هذا التفاوت كان الميراث.

فالإسلام حينما نظَّم شرائعه، جعل على الأبناء أعباء أكبر، لو أنَّ رجلا مات وترك ثلاثمائة ألف ريال، وترك ابنا وبنتا، فالولد سيأخذ (200 ألف) والبنت ستأخذ (100 ألف)، فإذا تزوج الابن سيدفع في الزواج مثلا (50 ألف)، مصاريف المهر والتكاليف على أقل تقدير، فصار نصيب الابن الآن (150 ألف).
 
والذي يأتي للزواج من البنت سيدفع لها أيضا (50 ألف)، فصار نصيبها الآن (150 ألف)، وتساوت بذلك مع أخيها.
فليس إذن تفاوتًا ولا تفاضلا، إنما هو في الحقيقة تحقيق للمساواة، ففي النهاية تتحقق المساواة.
 
تساوي نصيب الذكر والأنثى في الميراث:
كما أنه في بعض الأحيان يكون نصيب الذكر والأنثى سواء في الميراث، مثل: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ}[النساء:11]، فإذا مات وترك أبا وأما، وله أولاد، يعطى كل من الأب والأم السدس، وهذا ذكر وهذه أنثى.
 
 وفي حالة الإخوة لأم: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ}[النساء:12]، الإخوة لأم لكل واحد منهما السدس، وإن كانوا أكثر فهم شركاء في الثلث بالتساوي.
فليست كل الأحوال يتفاوت فيها الذكر والأنثى، إنما في حالة الأبوة والبنوة.
 
تنظيم تعدد الزوجات :
فالإسلام أراد أن يرفع ظلم الجاهلية عن المرأة، ومن هذا الظلم، أن الرجل كان يتزوج من النساء ما شاء، يتزوج عشرة أو عشرين، يتزوج ما شاء، والأمم كلها كان عندها هذا الأمر، حتى جاء في التوراة، أن داود كان عنده (100 امرأة)، و(200 جارية)، وأن سليمان كان عنده (300 امرأة)، و(700 سرية) يعني عنده جيش من النساء، والعرب كانوا كذلك، والرومان كانوا كذلك.
 
فجاء الإسلام، وأباح تعدد الزوجات، ولكن قيَّده، فقال: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم}[النساء:3]، وقد كانوا يتورَّعون من الزواج باليتيمات، فقال لهم الإسلام: انكحوا ما شئتم مثنى وثلاث ورباع، بشرط أن تثق بالعدل، بحيث إذا خفت أن لا تعدل فلا تقدم.
 {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}: وليس العدل فقط ، بل القدرة على النفقة أيضا، فهذا أمر طبيعي، فالإنسان لا يتزوج حتى الأولى إلا إذا كان قادرا على النفقة، "من استطاع منكم الباءة فليتزوج" والباءة: هي القدرة على الحياة الزوجية، ونفقاتها، وأعبائها، "فمن لم يستطع فعليه بالصوم"، فإذا كان هذا في الأولى فما بالك بالثانية، فهل يجوز أن يتزوج وهو لا يستطيع أن ينفق عليها؟
وكذلك القدرة على الإحصان، بحيث يعف المرأة ويحصنها، حتى لا تتطلع إلى غيره.
{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}
 
مللك اليمين :
وملك اليمين هم: الجواري والإماء، والإسلام لم يحدد عددا معينا في امتلاكها، وبعض الناس اتخذوا منها وسيلة للطعن في الإسلام، وقالوا: أباح الجواري بدون قيود ولا ضوابط.
والحقيقة أن الإسلام له في ذلك هدف كبير جدا، أن الإسلام كان حريصا على تحرير الرقيق، فالإسلام لم يستحدث الرق، ولكنه استحدث العِتق.
فقد جاء الإسلام والرق موجود في العالم، فلا يمكن أن يلغيه بـ(جرَّة قلم)، وإنما وضع من التعاليم والأحكام ما يلغيه عمليًّا بالتدريج.
حتى إن الإسلام جعل من مصارف الزكاة، مصرفا اسمه (في الرقاب)، يعني في تحرير الرقاب.
وقد أرسل والي عمر بن العزيز على إفريقية، برسالة إلى عمر بن عبد العزيز يقول فيها: اجتمعت عندي أموال من الصدقات والزكوات، وبحثت عن فقير فلم أجد، فماذا أفعل؟
فأرسل عمر بن العزيز إليه يقول: اشتر بها رقابا فأعتقها.
وهذا يعني أن الإسلام حينما نجح في تحرير الناس من الفقر، بدأ يوجه الزكاة إلى تحرير الناس من الرق، ولذلك فقد شرع الإسلام أشياء كثيرة جدا، وفتح أبوابا واسعة لتحرير الرقيق.
 
فتح أبواب تحرير الرقيق:
ومن هذه الأبواب: باب الكفارة، ففي القتل الخطأ مثلا، يقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}[النساء:92].
فالقاتل عن طريق الخطأ، يُطلب منه تحرير رقبة مؤمنة! كما أنه قتل مؤمنًا، فعليه إحياء مؤمن. وإحياؤه بأن يفك رقبته، ويحرره من الرق، فهذا إحياؤه.
وبهذا كأن القرآن يعتبر الرق موتا أدبيا، موتا معنويا، والتحرير إحياء، فتحيي نفسا بعد أن أمتَّ نفسا.
 
ومن الكفارات: كفارة اليمين، قال تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}[المائدة:89].
 وكذلك كفارة الظهار: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}[المجادلة:3]، وكذلك من جامع امرأته في نهار رمضان..الخ
ومن الأبواب التي فتحها لتحرير الرقاب: أن الرجل إذا ملك الجارية، واشتاقت نفسه لمعاشرتها، فحملت منه، تصبح حرة حريَّة معلقة، فإذا ولدت هذا الجنين فقد أعتقها ولدها، وتسمَّى (أم ولد)، ولا يجوز له أن يبيعها، ولا أن يهبها لغيره.
فكأن الإسلام هنا ينتهز ويستغل شهوات الرجال، في تحرير الرقيق، عاشر من شئت فإذا حملت إحداهن فهذا سبيل تحريرها، ومن أجل هذا لم يقيد هذا الأمر، من أجل تحرير الرقيق.
فتحرير الرقيق أكبر من تحديد العدد، وغير ذلك.
والمهم أيها الإخوة: ينبغي أن نعلم أن من يقرأ القرآن، ويقرأ هذه السورة، يعرف ماذا صنع الإسلام للمرأة.
وقد قام المستشرقون والمبشرون قاموا بحملات تقول: ان الإسلام ظلم المرأة، وقهرها، ولم يعطها حقها.
 
النظرة الدونية للمرأة :
وصحيح أن بعض الناس ينظرون للمرأة نظرة دونيَّة، معتبرين أن المرأة خُلقت لخدمة الرجل، منهم من يقول: المرأة مثل النعل، ألبسه إذا شئت، وأخلعه متى شئت.
والقرآن يقول: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}[آل عمران:195]، وانظروا إلى قوله: {بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} يعني الرجل من المرأة، والمرأة من الرجل، هو يحتاج إليها، وهي تحتاج غليه، لا يستغني عنها، ولا تستغني عنه، {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[التوبة:67].
 
فنظرة هؤلاء للمرأة نظرة ليست إسلامية، فنظرة الإسلام هي ما بدأت به هذه السورة، نجده في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} والنفس الواحدة هي نفس آدم أبو البشر، {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} أي: وخلق من هذه النفس زوجها.
 
خطأ بعض الناس في فهم قوله تعالى: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}:
بعض الناس فهم خطأً أن المرأة هي الأصل، وآدم هو الذي خُلق من المرأة، وقال: لأن القرآن قال: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}، ولم يقل: وخلق منها زوجتها!! ونسي هذا الذي كتب هذا الكلام، أن اللغة العربية وأن القرآن الكريم، يقول عن الرجل زوج وعن المرأة زوج، وكل واحد منهما زوج، ففي القرآن: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}[البقرة:35]، {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ}[البقرة:102]، {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا}[النساء:20]، {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ}[الأنبياء:90].
فالمرأة (زوج) كما أن الرجل (زوج)، والمرأة (إنسان) كما أن الرجل (إنسان)، لا نقول: إنسانة، وإنما نقول: إنسان.
ومعنى كلمة (زوج) أي: اثنين، وحين يعتبر القرآن المرأة وإن كانت بمفردها زوجا والرجل زوجا، فكأن الرجل هو واحد في الظاهر واثنين في الحقيقة، لأنه يمثل نفسه، ويمثل امرأته، والمرأة نفس الشيء، تمثل نفسها، وتمثل زوجها، فكلاهما فرد في الظاهر وزوج في الحقيقة.
 
هل خلقت حواء من ضلع آدم ؟
ومما يقوله بعض الناس أيضا عن قوله تعالى: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}: أن المرأة خُلقت من ضلع آدم، وهذا لم يأت به نص قرآنيّ ولا نص نبويّ، وإنما جاء في التوراة، أن الله خلق حواء من آدم وهو نائم.
كما أن في التوراة أيضا أن المرأة هي التي أغرت آدم بالأكل من الشجرة، ويحمِّلونها شقاء البشرية. والحقيقة أن الذي أغرى آدم هو الشيطان، قال له: {قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى * فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}[طه:120]، فليس الذي أغرى آدم حواء، وإنما الذي أغرى آدم وقاسمه، هو إبليس اللعين، {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ}[الأعراف:21-22].
فالمرأة لم تُخلق من ضِلَع آدم، وإنما هو كما قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الروم:21]، هذا خطاب للجميع، للرجال وللنساء جميعا، لأن المرأة أيضا خلق الله لها رجلا من جنسها، لتسكن إليه، فهو يسكن إليها، وهي تسكن إليه، الأمر مشترك، {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}[البقرة:187].
 
المعاشرة بالمعروف:
ومن الأشياء المهمة التي جاءت بها هذه سورة النساء لحقوق النساء، قوله تعالى:
{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)}
فالرجال مأمورون بمعاشرة النساء بالمعروف، وكلمة المعروف كلمة كبيرة، تشمل كل ما يعرفه أهل الخير وأهل الفضل من الناس، من مكارم الأخلاق، ومحاسن الصفات، ومحاسن العِشرة.
{فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}
إن كرهتم النساء، فلا تستجيبوا لعاطفة الكره، ولا يستعجل الإنسان طلاق امرأته لمجرد إحساسه بالكره، وإنما يجب على المسلم أن يضغط على عاطفته، لعل هذه المرأة تكون سببا في الخير له، ولعل الله يوسع عليه بسببها، ولعله يرزق بالذرية الصالحة منها. فلا ينبغي للإنسان أن يركض وراء عاطفته.
جاء إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رجل فقال له: سل هذه لم طلقتها؟! فسألها عمر، فقالت: يا أمير المؤمنين، ناشدني الله: أتحبينني؟! فسكتُّ، فناشدني الله ثانية وثالثة، فقلت له: لا أحبك، فطلقني.
فقال عمر رضي الله عنه: إذا كانت إحداكنَّ لا تحبُّ زوجها، فلا تخبره، فإنَّ أقل البيوت، ما بُني على الحب، وإنما يتعاشر الناس بالشرف والإسلام.
يعني: ليس كل أحد مع زوجته قيس وليلى، أو عنتر وعبلة، بل يتعاشر الناس بالشرف أي: بالرجولة والأخلاق، فليس الحب والعشق شرطا في دوام الحياة الزوجية.
وإنما ينبغي للمرأة إذا سألها زوجها عن مدى حبها له، فلتجبه إجابة غير صريحة، تقول مثلا: ومن لا تحب زوجها، ومن لا تحب مثلك.. الخ.
فينبغي للمسلم أن يعاشر امرأته بالمعروف، ولا ينبغي أن يستجيب لعاطفة الكره، ويسير وراءها، {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}.
 
وهكذا أيها الإخوة:
لا يوجد دين أنصف المرأة وكرَّمها كالإسلام، أنصف المرأة وكرَّمها إنساناً، وأنصف المرأة وكرَّمها أنثى، وأنصف المرأة وكرَّمها بنتاً، وأنصف المرأة وكرمها زوجاً، وأنصف المرأة وكرمها أماً، وأنصف المرأة وكرمها عضواً في المجتمع؛ وذلك لأن شارع هذا الدين هو خالق الرجل والمرأة جميعا، وعدله للجميع.
اللهم فقهنا في ديننا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، إنك سميع مجيب، وصل اللهم وسلم على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين