من خلق المسلم: الرفق -9-

 

 

 الرفق في حياة النبي صلى الله عليه وسلم:

 

11- تنبيه المخطئ على خطئه :

إن على المعلم أن يشفق على المتعلمين، وأن يجريهم مجرى بنيه، بأن يقصد إنقاذهم من نار الآخرة ، وهو أهم من إنقاذ الوالدين ولدهما من نار الدنيا.

فالرفق بالمخطئ لا يعني السكوت على خطئه والإغضاء عنه، كلا فالرفق بالمخطئ والإشفاق عليه يوجب تنبيهه على خطئه وزجره عنه بالرفق المناسب لظروف المخطئ ومدى خطئه ونوعه.

ولهذا رأيناه صلى الله عليه وسلم بعد أن ترك الأعرابي يبول في المسجد دون تقطع عليه بولته، دعاه، فقال له: (إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر، إنما هي لذكر الله عزَّ وجل والصلاة وقراءة القرآن).

روى مسلم (537) عن معاوية بن الحكم السُّلمي رضي الله عنه قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عَطَسَ رجلٌ من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أماه، ما شأنكم تنظرون إليَّ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتُّوني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي! ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله ما كهرني- أي ما نهرني ـ ولا شتمني، ولكن قال: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن). 

قال النووي : قوله فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فيه بيان ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم من عظيم الخلق الذي شهد الله تعالى له به ورفقه بالجاهل ورأفته بأمته وشفقته عليهم وفيه التخلق بخلقه صلى الله عليه و سلم في الرفق بالجاهل وحسن تعليمه واللطف به وتقريب الصواب إلى فهمه .[شرح النووي على مسلم 5/ 20].

لقد نبَّه النبيُّ الأكرم  صلى الله عليه وسلم معاوية بن الحكم  على خطئه دون أن يقول له: أسأت وأخطأت، ولم تعرف للصلاة قدرها، ونحو ذلك من العبارات القاسية، وإنما بيَّن له حقيقة الصلاة برفق.

وطورا يكون التنبيه على الخطأ بالهجر والاعتزال لقصد تربوي كما في هجره صلى الله عليه وسلم لزوجاته أمهات المؤمنين  : 

 عن جابر بن عبد الله قال :دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوجد الناس جلوسا ببابه لم يؤذن لأحد منهم - قال - فأذن لأبى بكر فدخل، ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له فوجد النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- جالسا حوله نساؤه واجما (الواجم : من اشتد حزنه حتى أمسك عن الكلام )ساكتا - قال – فقال: لأقولنَّ شيئا أضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة سألتنى النفقة فقمت إليها فوجأت (أي: طعنت ) عنقها ،فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: « هنَّ حولى كما ترى يسألننى النفقة ».

 فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها كلاهما يقول : تسألن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما ليس عنده!!. فقلن :والله لا نسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئا أبدا ليس عنده، ثم اعتزلهن شهرا أو تسعا وعشرين، ثم نزلت عليه هذه الآية: (يا أيها النبي قل لأزواجك) حتى بلغ (للمحسنات منكن أجرا عظيما) قال: فبدأ بعائشة فقال :« يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك ». قالت: وما هو يا رسول الله ؟ فتلا عليها الآية .قالت: أفيك يا رسول الله أستشير أبوي‘ بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة ،وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت.

قال « لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتا ،ولكن بعثني معلما ميسرا ». [صحيح مسلم3763 4/ 187].

 

قال بن بطال: كان عليه السلام معلما لأمته فلا يراهم على حالة من الخير الا احب لهم الزيادة .[فتح الباري 11/ 501].

وطوراً يكون  التنبيه على الخطأ في غاية الرفق،  ورعاية الشعور، كما في قصة ابي بكر حين دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم في الركوع، فكبَّر من أول المسجد وركع، وظل يمشي راكعا حتى وصل الصف، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله قال له هذه الكلمة الطيبة: (زادك الله حرصاً ولا تعد)  رواه البخاري (783) ففي هذه الجملة الموجزة دعاء ونهي، دعاء لحرصه على الا تفوته الركعة مع الجماعة، ونهي بإشعاره بخطئه لئلا يتكرر منه مرة أخرى دون أن يقول له: أخطأت.

12- رفقه صلى الله عليه وسلم بأمته:

كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفيقًا، ليِّنَ الجانب في القول والفعل، يأخذ بالأسهل، ويدعو إلى الرفق في الأمر، ويبين عظيم ثوابه، ويُثني على من يتصفون به.

 

فهذا رفقه بأمته يرويه لنا الإمام مسلم عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا قول الله - عز وجل - في إبراهيم - عليه السلام -: ? رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ? [إبراهيم: 36].

 

وقول عيسى - عليه السلام -: ? إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ? [المائدة: 118].

 

فرفع يديه - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((اللهم أمتي أمتي، وبكى))؛ فقال الله - عز وجل -: ((يا جبريل، اذهب إلى محمد - وربُّك أعلم - فسَلْه: ما يبكيك؟)) فأتاه جبريل - عليه السلام - فسأله، فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما قال - وهو أعلم - فقال الله - عز وجل -: ((يا جبريل، اذهب إلى محمد، فقل له: إنا سنرضيك في أمتك ولا نَسوءك.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين