من خلق المسلم: الرفق -7-

 

الرفق في حياة النبي صلى الله عليه وسلم:

4- الرفق مع السائل :

قال أنس : (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي، فجبذه بردائه جذبة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء) رواه البخاري، ومسلم. 

وروى البزار (8799) : أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب من عطاءَ، فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم قم قال له: أحسنت إليك؟ قال الأعرابي: لا، ولا أجملت، فغضب المسلمون وقاموا إليه، وقد هموا أن يؤدبوه بالعنف، فأشار إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن كفوا، ثم قام ودخل منزله، فأرسل إليه وزاده شيئاً، ثم قال له: أحسنتُ إليك؟ قال: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(إنك قلت ما قلت آنفاً، وفي نفس اصحابي من ذلك شيء، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب ما في صدورهم عنك) قال: نعم فلما كان الغد جاء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الأعرابي قال ما قال فزدناه فزعم أنه رضي، أكذلك؟) قال: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (مثلي ومثل هذا كمثل رجلٍ له ناقة شردت عليه، فأتبعها الناس، فلم يزيدوها إلا نفوراً، فناداهم صاحبها، فقال لهم: خلوا بيني وبين ناقتي فإني أرفق بها منكم وأعلم، فتوجه لها بين يديها فأخذ من قُمام الأرض، فردها، حتى جاءت واستناخت وشدَّ عليها رحلها، واستوى عليها، وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه فدخل النار) . قال الهيثمي في مجمع الزوائد (14193) فيه راو متروك، وانظر: تخريج الإحياء للعراقي (3/1470) وضعفه.

5-  الرفق بالناس في العبادات:

 قال جابر بن عبد الله: (أقبل رجل بناضحين وقد جنح الليل فوافق معاذا يُصلي فترك ناضحه وأقبل إلى معاذ ، فقرأ بسورة البقرة أو النساء ، فانطلق الرجل وبَلَغَه أن معاذا نال منه ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فَشَكَا إليه معاذاً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا معاذ أفتان أنت أو فاتن ثلاث مرار فلولا صليت بـ "سبح اسم ربك"، "والشمس وضحاها" ، "والليل إذا يغشى "، فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة. متفق عليه. 

 وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطوِّل فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوَّز في صلاتي؛ كراهية أن أشقَّ على أمِّه". رواه البخاري 707، ومسلم 470

6- الرفق في تعليم الجاهل: 

عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه يقول:" بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله. فرماني القوم بأبصارهم فقلت: واثكل أميّاه، ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني، لكني سكت، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فو الله ما كهرني ولا ضربني، ولا شتمني، قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هوالتسبيح والتكبير، وقراءة القرآن." رواه النسائي. 

قال النووي : " فيه بيان ما كان عليه رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ من عظيم الخُلق الذي شهد الله تعالى له به، ورفقه بالجاهل، ورأفته بأمته وشفقته عليهم .. وفيه التخلق بخلقه ـ صلى الله عليه و سلم ـ في الرفق بالجاهل، وحسن تعليمه واللطف به، وتقريب الصواب إلى فهمه ".

7- الرفق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

روى البخاري (220) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بال أعرابي في المسجد، فقام الناس إليه ليقعوا فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوه وأريقوا على بوله سَجلاً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) فقد علم الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا أصحابه كيف يكون الرفق بالجاهلين، وكيف يجب أن يكون الدعاة إلى الله عزَّ وجل ميسرين لا معسرين. 

وروى البخاري (6025)، ومسلم (285) عن أنس رضي الله عنه قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَهْ مَهْ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تُزرموه ـ أي لا تقطعوا عليه بوله ـ دعوه) قال أنس: فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: ( إنَّ هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذره إنما هي لذكر الله، والصلاة وقراءة القرآن) قال أنس رضي الله عنه: وأمر رجلاً من القوم فجاء بدلوٍ من ماء فسَنَّهُ عليه ـ أي: فصبه على المكان الذي بال فيه الأعرابي لتطهير المكان من النجاسة ـ 

وفي هذه القصة، تبدو حكمة الرسول التربويَّة لهذا الأعرابي الجاهل بآداب المساجد، وهي تدل على رفق النبي صلى الله عليه وسلم وحسن سياسته، وبهذا الخلق العظيم ملك قلوب أصحابه وفرض به احترامه على أعدائه.

راعى الرسول صلى الله عليه وسلم بداوة الرجل ونشأته وظروف حياته، فلم يستجب لثورة أصحابه عليه، وعرفهم أن علاج الأمر سهل في مسجد لم يكن مفروشاً إلا بالحصباء، وهو صبُّ دلو من الماء، ثم نبَّههم على طبيعة رسالتهم التي كلفوا حملها للناس، وهي التيسير لا التعسير.

ورد في الأثر: (من أمر بمعروف، فليكن أمره بمعروف) رواه البيهقي في "شعب الإيمان " (7198).

وقال الإمام الغزالي: (لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، إلا رقيق فيما يأمر به رفيق فيما نهى عنه، حليم فيما يأمر به، حليم فيما ينهى عنه، فقيه فيما يأمر به، فقيه فيما ينهى عنه).

 

8- الرفق مع العاصي التائب: 

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت، قال: ما لك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال صلى الله عليه وسلم :هل تجد رقبة تعتقها ؟ قال: لا . قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. فقال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً ؟ قال :لا . فمكث النبي صلى الله عليه وسلم قال: فبينما نحن على ذلك أُتي النبي صلى الله عليه بعرق فيه تمر. والعرق :المكتل ، فقال: أين السائل؟ فقال: أنا ،فقال: خذه فتصدق به. متفق عليه. 

وكذلك رفقه  مع الرجل الذي قبَّل امرأة وجاء نادماً فبيَّن له: أن الصلاة كفارة لذنبه ولم يعنف عليه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين