من خلق المسلم: الرفق -5-

الرفق في الدعوة إلى الله 

- إن الدعوة إلى الله تعالى لا تؤثر ما لم تقترن بخلق الرفق في دعوة الخلق إلى الحق، وتعليم الناس لا يؤتي ثمراته الطيبات ما لم يقترن بخلق الرفق الذي يمتلك القلوب بالمحبة.

روى البخاري (6125)، ومسلم (1734) عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا).

الغلظة والخشونة  والفظاظة في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :

وضد الرفق: الغلظة والخشونة والفظاظة في التعامل والأسلوب والدعوة خلافاً لهدي الله تعالى وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم.

 أمرنا الله تعالى أن ندعو إلى الله بالحكمة لا بالحماقة، و بالموعظة الحسنة لا بالعبارة الخشنة:[ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ] {النحل:125}.

ووصف رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: [لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ] {التوبة:128}.

وخاطب رسوله مبيناً علاقته بأصحابه:[فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ] {آل عمران:159}.

ولم يذكر القرآن الغلظة والشدَّة إلا في موضعين:

1 ـ في قلب المعركة ومواجهة الأعداء، وفي هذا يقول الله تعالى:[ قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً] {التوبة:123}.

2 ـ وفي تنفيذ العقوبات الشرعية على مستحقيها، حيث لا مجال لعواطف الرحمة في إقامة حدود الله عزَّ وجل:[ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ] {النور:2}.

أما في مجال الدعوة فلا مكان للعنف والخشونة.

بعض الشباب تجده قبل الالتزام مرحـًا وخفيفـًا وبشوشـًا يجلس مع والديه وإخوانه يمازحهم ويضاحكهم ، فإذا ما منَّ الله عليه بالالتزام قطب جبينه وعبس وكشَّر ، وغاضت البسمة من وجهه ، وأخذ ركنـًا وحده ، واعتزل أهل البيت ، إذا خرج أحس أهل البيت براحة كبيرة وبهم قد انزاح عن قلوبهم ، وإذا دخل سكت المتكلم ، وأمسك المبتسم ، وانكمش الأولاد في زاوية البيت ، كلامه أوامر ، وخطابه شديد ..، .. 

وبعض الشباب غلب عليهم المخاطبة بالشدة والخشونة، والمواجهة بالغلظة والحدَّة، ولم يعد جدالهم لمعارضيهم بالتي هي أحسن، بل بالتي هي أخشن، ولم يفرقوا بين الكبير والصغير، ولم يميزوا بين من له حرمة خاصة كالأب والأم، ومن ليس كذلك... ولا بين من له حقُّ التوقير والتكريم كالعالم الفقيه والمعلم المربي، ومن ليس كذلك، ولا بين من له سابقة في الدعوة والجهاد، ومن لا سابقة له. والواقع المشاهد يعلمنا: أن الأسلوب الخشن يضيِّع المضمون الحسن.

 

هذا النوع من الملتزمين يتمنى أهله لو بقي طيلة عمره بعيدًا عن الالتزام ، وعن هؤلاء المتشددين الذين خربوا عليهم الولد أو الرجل ، ومثل هذا يضر أكثر مما ينفع لجهله بالدين ، وأخلاقيات المسلمين ، وبكيفية الدعوة إلى رب العالمين .

ألم يسمع هؤلاء إلى قول الله تعالى لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم - : (وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ )(آل عمران/159) ، وقوله تعالى : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة)(النحل/125) .

 

هذا إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - يقول لأبيه وهو يدعوه : ( يَا أَبَتِ.. يَا أَبَتِ .. يَا أَبَتِ ) .. ونوح - عليه السلام - يقول لابنه : (يَا بُنَيَّ) .. وكل نبي يقول لقومه ( يَا قَوْمِ).

فهي نداءات تحمل معنى الحب والقرب والصلة بين الداعي والمدعوين ، ففيها إشارة لمدى الرحمة بهم والخوف على المخالف والشفقة على المعارض ، فليس مقصد الداعي الاستعلاء بدعوته ، وإنما المقصد استنقاذ أكبرِ قدرٍ من الناس من الهلاك .

 

روى البخاري، ومسلمعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال : " إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد نارًا ، فجعل الجنادب والفراشات يقعن فيها وهو يَذُبَّهنَّ عنها ، وأنا آخذ بِحُجَزكم ، وأنتم تفلتون مني ، تقحمون فيها ". 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين