من خلق المسلم: الرفق -3-

رفق الحكام:

إذا كان الرفق مطلوبا من كل مسلم في قوله وتعامله فإنه يتأكد على الحكام وكل من ولاه الله مسؤولية، فيجب عليهم أن يرفقوا برعيتهم، ولا يشقُّوا عليهم، فالرفق بهم يملك قلوبهم ويطوعهم بالمحبة، والعنف يورث الكراهية والتذمّر والضجر والخروج عن الطاعة، ويورث العداوات والأحقاد، ورغبات الانتقام.

 "أفضلُ الناس عند الله منزلةً يوم القيامة إمامٌ عادلٌ رفيق، وشرُّ عباد الله عند الله منزلةً يوم القيامة إمامٌ جائر"

[رواه إسحاق بن راهويه في مسنده (المطالب العالية 10/85 رقم 2150) واللفظ له، وابن أبي حاتم في العلل (2/174 رقم 2016) وابن الأعرابي في معجمه (1/357-358 رقم 693 و694) والبيهقي في الشعب (13/70 رقم 6988) من طرق عن محمد بن أبي حميد، عن محمد بن زيد بن المهاجر بن قُنْفُذ، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب مرفوعا. وبآخره عندهم (إلا في العلل) زيادة: جائر خَرِق.

قال أبوحاتم: "هذا حديث منكر، وابن أبي حميد ضعيف الحديث".

 

لكن الجملة الأولى يَشهد لها ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعاً: "سبعةٌ يُظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: إمامٌ عادل"].

 

- وروى مسلم (1828) عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول في بيتي: (اللهم من وليَ من أمر أمتي شيئاً فشقَّ عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أول أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به).

ودعاء الرسول صلى الله عليه وسلم مستجاب وهو تأكيد لسنة الله تعالى في عباده: أن الجزاء من جنس العمل.

إن الرفق عنصر من عناصر القيادة الناجحة، التي يرتقب لها الاستمرار والقبض على أزمَّه قلوب الأفراد والرعية.

إنَّ أعظم ما يكون الرفق سُمُوًّا حين يكون من القادر على غير القادر، وحين يكون من الراعي على الرعية، فإن الأمة إنما تنظر إلى قائدها نظر الجندي للقائد البصير الذي يقودها إلى النصر، ونظر ركاب السفينة إلى القائد الحريص على أن يتجنب برعيته العواصف والزوابع، وأما حينما يكون الراعي عنيفًا شديدَ السَّوْق للرعية حريصًا على ما في أيديهم، طامعًا فيه، ينظر إليهم نظرَ الصائد الذي ينتهز الفرصة لكي يقتنص صيده، عند ذلك سينظر الناس إليه نظرَ الطير للصائد، ومن ثَم يكونون أخوفَ ما يكونون منه ,وأحرص ما يكونون على هلاكه.

روى مسلم (1830) عن عائذ بن عمرو أنه دخل على عبيد الله بن زياد فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنَّ شر الرِّعاء الحُطَمة) والحطمة هو الذي يشتد على إبله أو بقره أو غنمه فيسوقها سوْقاً عنيفاً، حتى يحطم بعضها بعضاً، ويقتل بعضها بعضاً.

إنَّ شَرَّ الحكام هو العنيف الشديد الذي لا رفق عنده، ولا رحمة في قلبه، فهو يقسو ويشتد على رعيته، ويوسعهم عسفاً وتحطيماً، ولا يعاملهم بالرفق والحكمة .إنهم الحكام القساة الغلاظ الذين يشتدّون على الناس ويدفعونهم بالعنف والعَسْف إلى أن يحطم بعضهم بعضاً، ويقتل بعضهم بعضاً.

ومن ترك واجب الرفق: احتجاب الراعي عن رعيته، وعدم اهتمامه بمصالحهم وحاجاتهم.

- روى أبو داود (2948) ،والترمذي (1332) وقال: حديث غريب، عن أبي مريم الأزدي أنه قال لمعاوية رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من ولاه الله شيئاً من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة). 

إلى كل مسؤول نقول: إلى كل من وَلِي أمر المسلمين - سواء كانت ولا‌ية عامة أو ولا‌ية خاصة - كن رفيقًا بمَن هم تحت مسؤوليَّتك، كن معينًا لهم على قضاء حوائجهم، وإياك أن تُماطل بهم، أو تسعى للإ‌ضرار بهم؛ فإن الله سائلك عن ذلك، فإن أحسنتَ، أحسن الله إليك، وإن أسأْتَ، جازاك الله على إساءتك بما تستحق، وكنت مذمومًا في الدنيا والآ‌خرة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين