من حسنات فيلم (في سبع سنين)

أثار فيلم (في سبع سنين) الذي بثته قناة الجزيرة زوبعة من الانتقادات تلخَّصت في أنه يشجِّع على الإلحاد ويطرحه كوجهة نظر قد تستساغ في المجتمع وتطفو على السطح وتتحول لظاهرة بدلا من كونها مدفونة في صدور أصحابها.

ولكنني رأيت في هذا العمل غير ذلك فالفيلم مميَّز في موضوعه ويكفي أنه أثار زوبعة من الأراء ليثبت أنها قضية شائكة وخطيرة يجب تناولها ونقاشها والتحدث بشأنها وإيجاد الحلول لها ورغم أن الفيلم لم يتناول كل هذا ولكنه دفعنا لفعل ذلك وهو أمر إيجابي في حد ذاته.

أرى أن الفيلم له وعليه ..

له أنه اظهر الملحدين كأصحاب مشكلة حقيقية وليسوا طبيعيين. أي أنَّ توجُّههم حدث جراء صدمة .. أظهرهم كضحايا للظلم وأن كل واحد منهم اتبع طريقه بناء على ردة فعل أو حادثة وليس بناء على دراسة وفهم.

أظهرهم مترددين وحيارى ومنكسرين.. لم يتكلم منهم أحد وهو واثق في أفكاره أو حتى بشكل سوي أوسعيد. (سوى الجهاديين)..

وهذا ذمّ غير مباشر للإلحاد وطريقه ومتبعيه وهذا يحسب لصالح الفيلم ولا شك.

أما ما يُؤْخذ عليه فهو عدم طرحه علاج لهذه المشكلة ولو بطرح غير مباشر.

إن تناول الفيلم للقضية بشكل أقرب للحيادية كان ظاهرًا وكان بالإمكان طرح الفكرة بتوجيه أوضح حتى يظهر مدى المشكلة ومدى سوئها وهذا بالطبع باحترافية إعلامية ودون الخروج عن أسس العمل الإعلامي التوثيقي.

هذا ما يجب أن يفطن له صانعو الفيلم وكذلك المعترضين عليه فهو ليس موعظة دينية أو برنامجا دعويًا وفي الوقت ذاته لا يعني ذلك أن يكون بلا هُوية أو غاية إصلاحية وأن يذوب صانعوه في المهنية حتى يصبحوا بلا طعم ولا لون.

من حسنات هذا الفيلم في رأيي: أنه سلط الضوء على ظاهرة الانتماء الشكلي للأفكار والمعتقدات.

صحيح أن هؤلاء الشباب قد غيروا أفكارهم السابقة بسبب صدمة في حياتهم ولكنه أظهر حقيقة إيمانهم هذا لأنفسهم.

ولكونهم كانوا صادقين مع أنفسهم لم يستمروا في التظاهر بانتماءاتهم السابقة. فكم من المسلمين اليوم يظنون أنهم مسلمون ولكنهم لم يتعرضوا لهزَّة تثبت إيمانهم بهذا الدين وهذا هو الهدف من الابتلاء (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون).

هؤلاء لن يشفع لهم انتماؤهم الظاهري للاسلام يوم القيامة فهم منافقون في الحقيقة.

وهنا تكمن الصدمة الحقيقية فأعداد الملحدين الحقيقيين تفوق كل ما توصَّلت له الدراسات الميدانية.

من الإيجابيات أيضا: أنه قربنا من شريحة موجودة اختارت أن تكفر بالله لا عن قناعة راسخة ولكن من باب الشك والهزيمة النفسية وهم في الحقيقة أغلب من اختاروا هذا الطريق في حين أننا نتحدث دائما عن المرتد وكأنه شخص يحارب الإسلام ويطعن فيه ويعاديه عن وعي كامل وهذا مخالف للواقع، وأظن أن قليلا من الجهد الدعوي وتصحيح المفاهيم بالطريقة المناسبة سيجعل من مهمة عودتهم للاسلام أمرًا سهلا وميسَّرًا.

ولكن المهمة الأصعب هي تكوين مجتمع مؤمن بحق.

‏‎تبين لنا من هذا الفيلم أيضا: أنَّ المشكلات العائلية والعاطفية وقسوة الآباء والأزواج وغياب القدوات قد ينتج عنه خروج كلي عن الإسلام اذا صاحب هذا جهل بحقيقة الدين ومفاهيمه.

وهذا يظهر أهمية التنشئة العلمية الشرعية التي تعصم الأبناء من الداخل حتى وإن غابت القدوات أو انتكست الأحوال.

وتبيّن أيضا أن هناك ثغرة كبيرة ناتجة عن الأسلوب الدعوي الذي يركّز على بعض الجوانب دون الأخرى وأن تكامل الأفكار الإسلامية غاية في الأهمية لإنتاج تصور قوي وسليم عن الإسلام.

فعلى سبيل المثال: التركيز على الترهيب دون الترغيب في قصة المنتقبة التي ألحدت أو التسامح أثناء المعركة في قصة الأب الذي رفض الدعاء على قاتل ابنه وهو لا يزال مستضعفا... وغير ذلك من الأفكار غير المتوازنة بميزان الشرع . كل ذلك أدى إلى ردود فعل عكسية وصلت إلى الإلحاد أو التشدد.

‏‎ملاحظة أخرى أعجبتني وهي: أن صانعي الفيلم أظهروا الشباب المجاهد بمظهر إنساني جيد يخالف الصورة النمطية عن الجهاديين فهم شباب واع وظف ردة فعله تجاه الظلم في مساندة إخوانهم السوريين دون انحراف وانزلاق في مزالق التكفير واستباحة الدماء المعصومة.

إن تجاهل المشكلة التي أثارها الفيلم يدعو لتفاقمها ولذلك فمن واجب العلماء والدعاة أن يتحركوا سريعا فالهجمة ضد الإسلام شرسة ولا يوجد من الجهد المعاكس لها ما يردها إلا توفيق الله وبركته في جهود المصلحين.. وكلما زاد الجهد زادت البركة إن شاء الله.

إنَّ ما يجب أن يشغل الدعاة والمربّين والعلماء هو كيفية إيجاد بدائل لاحتواء الشباب في هذا الزمن الذي توالت فيه الهزائم والأزمات وتوجيه الطاقة وردة الفعل الناتجة عنها إلى مسارها الصحيح لتصبح عامل بناء قوي وفعَّال بدلا من الإمعان في الانهزام والبكاء على الأطلال والتلاوم الذي يولد الفرقة ويعمق من الشعور بالخسارة.

إن أهم درس في هذا الفيلم: أن قيمة الهداية عظيمة، وأن الكفر والإلحاد قد يكون كامنا في داخلنا ..

اللهم لا تبتلينا فتفضحنا فإنا ضعفاء .. 

اللهم يسِّر الهدى إلينا وثبِّتنا على طاعتك وارزقنا رضاك.

ليست الهداية ذكاء او شطارة وانما هي منة من الله الكريم.

فلنحمد الله عليها ولنسأله الثبات.

‏‎#في_سبع_سنين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين