من ثمرات الاسراء والمعراج رؤية الحقائق الإيمانية رؤية بصر

الشيخ : أحمد النعسان

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الخطبة:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد فيا عباد الله:
لقد وقفنا في الأسبوع الماضي مع ثمرة من ثمرات الإسراء والمعراج ألا وهي أهمية الربط بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى, وأن المسجد الأقصى هو أمانة في أعناق المسلمين حكاماً ومحكومين, وأن الجميع سوف يسأل عن المسجد الأقصى, وماذا قدَّم للمسجد الأقصى من حماية ورعاية؟ وماذا بذل لتحرير المسجد الأقصى؟
حدث الإسراء والمعراج علَّم الأمة الإسلامية بأن المسجد الأقصى دخل في ميراث أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, ويجب عليهم رعايته كرعاية المسجد الحرام, ولهذا تفطَّن الصحب الكرام لهذه المسألة, وقد أكرم الله تعالى سيدنا عمر رضي الله عنه بتحرير المسجد الأقصى من الرومان.
من ثمرات الإسراء والمعراج رؤية الحقائق الإيمانية رؤية بصر:
أيها الإخوة الكرام: إن من ثمرات الإسراء والمعراج الذي كان لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم روحاً وجسماً رؤيتُهُ الحقائق الإيمانية رؤية بصر بعد أن كانت رؤية بصيرة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, لقد رأى الحقائق الإيمانية رؤية عين فصار علمه فيها عين اليقين بعد أن كانت علم اليقين.
كلنا يعلم أركان الإيمان الستة, الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله تعالى.
في ليلة إسرائه ومعراجه رأى الحقائق الإيمانية رؤية بصر بعد أن كانت رؤية بصيرة, أما بالنسبة للمؤمن فما زالت في دائرة رؤية البصيرة, كما كان يقول أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (نُكونُ عِنْدكَ تُذَكِّرُنَا بالنَّارِ والْجنَةِ كَأَنَّا رأْيَ العَيْنِ) رواه مسلم. ويقول بعضهم: (فَبِتُّ وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا) رواه الطبراني والبيهقي.
ماذا رأى من الحقائق الإيمانية رؤية بصر؟
أيها الإخوة المؤمنون: إن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ليلة إسرائه ومعراجه الأنبياء والمرسلين رؤية بصر, وصلى فيهم إماماً يقظة لا مناماً, رأى الملائكة الكرام, ورأى الجنة ورأى النار, ورأى عرش الرحمن, ورأى من آيات ربه الكبرى, وصدق الله القائل: {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِير}. وصدق الله القائل: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}. فما رآه فؤاده هو حق, وما رآه بصره هو حق, وصار بالنسبة له هو عين اليقين.
الحكمة من رؤية الحقائق الإيمانية:
أيها الإخوة الكرام: إن رؤية الحقائق الإيمانية بالنسبة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤية بصر لم تكن لزيادة إيمانه واطمئناناً لقلبه ـ والله تعالى أعلم ـ بل كانت لتطمين قلوب الأمة التي عرفت صدق نبينا صلى الله عليه وسلم.
النبي صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق الذي شهد له أعداؤه قبل أوليائه بقولهم: (ما جرَّجنا عليك إلا صدقاً) رواه البخاري. رأى الحقائق الإيمانية رؤية بصيرة وبصر ليحدِّث الأمة التي صدَّقته وما جرَّبت عليه إلا الصدق عن هذه الحقائق الإيمانية, لأنه صلى الله عليه وسلم هو الصادق المصدوق الحريص على هداية الأمة وإنقاذها من الضلال إلى الهدى ومن المعصية إلى الطاعة, كما قال تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيم}.
عاد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحدث الأمة عن الجنة وعن النار, وعن موجبات دخول الجنة ودخول النار والعياذ بالله تعالى.
من جملة ما رآه
أولاً: عقوبة المغتابين:
أيها الإخوة الكرام: من جملة ما رآه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء من الحقائق الإيمانية: (رأى أقوماً يَأْكُلُونَ الْجِيَفَ, فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ) رواه الإمام أحمد.
لعل الذي وقع في جريمة الغيبة يسمع هذا الحديث بعد أن سمع قوله تعالى: {وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيم}.
لعله يسمع هذا الحديث بعد أن سمع قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ الإِيمَانُ قَلْبَهُ, لا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ, وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ, فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ, وَمَنْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ) رواه الإمام أحمد عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه.
لعل المغتاب من الرجل والمغتابة من النساء تسمع هذه الآية وهذه الأحاديث ويتصوَّر كل واحد منهما عندما يجلس ليأكل لحماً, ولكن أيَّ لحم؟ ليس لحم الأنعام المذكَّاة, بل سيأكل لحماً ميتاً, وياليته كان من لحم الأنعام, إنه من لحم أخيه وهو ميت.
ثانياً: عقوبة أكل أموال اليتامى ظلماً:
أيها الإخوة الكرام: من جملة ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج من الحقائق الإيمانية, وعاد ليحدث الأمة عنها: (رِجَالًا لَهُمْ مَشَافِرُ كَمَشَافِرِ الْإِبِلِ ـ أي كشفاه الإبل ـ فِي أَيْدِيهمْ قِطَعٌ مِنْ نَارٍ كَالأَفْهَارِ, يَقْذِفُونَهَا فِي أَفْوَاهِهِمْ فَتَخْرُجُ مِنْ أَدْبَارِهِمْ . فَقُلْت: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ أَكَلَةُ أَمْوَالِ الْيَتَامَى ظُلْمًا).
لعل هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً يسمعون هذا بعد أن سمعوا قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}.
قولوا لآكل أموال اليتامى ظلماً: ما أنت قائل لربك غداً يوم القيامة بعد أن سمعت الآية الكريمة وحديث النبي صلى الله عليه وسلم؟
قولوا لآكل أموال اليتامى ظلماً: هل استبدلت القرب من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: (أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ, وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ يَعْنِي السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى) رواه الترمذي عن سهل بن سعد رضي الله عنه. استبدلت هذا بِعَرَضٍ من الدنيا قليل, لتكون النتيجة في نار جهنم يوم القيامة؟
ثالثاً: عقوبة آكل الربا:
أيها الإخوة الكرام: لقد عاد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن رأى الحقائق الإيمانية رؤية بصر بعد رؤيته البصيرة ليحدِّث الأمة عن (أقوام بُطُونُهُمْ كَالْبُيُوتِ فِيهَا الْحَيَّاتُ تُرَى مِنْ خَارِجِ بُطُونِهِمْ, قُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ أَكَلَةُ الرِّبَا) رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ليسمع آكل الربا ومطعم الربا وشاهد عقد الربا وكاتب عقد الربا وكفيل مطعم الربا هذا الحديث بعد أن سمع قول الله عز وجل: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون * يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيم}.
ليسمع آكل وموكل وشاهد وكاتب الربا مهما كان وضعه ومهما كان حاله ومهما كان شأنه ومهما كانت مكانته ومنزلته ليسمع قول الله عز وجل بعد سماع هذا الحديث حيث يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين}.
إن كان عند هؤلاء ذرة إيمان ليتركوا الربا أكلاً وإطعاماً, بل ليتركوا كتابة عقد الربا وشهادة عقد الربا, لأن النبي صلى الله عليه وسلم أشرك الجميع في الإثم بقوله صلى الله عليه وسلم: (لَعَنَ اللَّهِ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ) رواه مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
أيها الإخوة الكرام: الدنيا فانية وموقوتة والآخرة باقية, والله تبارك وتعالى خلقنا في الدنيا للابتلاء فجعل الناس أقساماً فمنهم الغني ومنهم الفقير, وإنه والله لا شكَّ بأن الأغنياء سوف يُسألون عن الفقراء, وسوف يُسأل كذلك الفقراء هل صبروا على الفقر أم تجاوزوا حدود الشريعة الغرَّاء فمدوا أيديهم إلى الربا؟
قولوا أيها الإخوة لمن استقرض قرضاً ربوياً من أجل الزواج, واستقرض قرضاً ربوياً من أجل السكن, واستقرض قرضاً ربوياً من أجل الاستثمار, واستقرض قرضاً ربوياً لفتح عيادة ....... قولوا لهؤلاء وأمثالهم اسمعوا هذه الآيات وهذه الأحاديث ووطِّنوا أنفسكم لهذه المواقف يوم القيامة, وليصدِّق من يصدِّق وليكذِّب من يكذِّب, وكلُّ آتٍ قريب, وإنَّ غداً لناظره قريب.
خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:
أيها الإخوة الكرام: إن الحقائق الإيمانية التي كُلِّفنا بالإيمان بها دون أن نراها, لقد رآها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤية بصر وبصيرة وحدَّث عنها الأمة ـ وهو الصادق المصدوق عندها ـ من أجل أن تطمئن قلوبهم.
فيا من آمن وصدَّق! كفَّ لسانك عن الغيبة, ويا من آمن وصدَّق! احذر من أكل أموال اليتامى ظلماً, ويا من آمن وصدَّق! احذر الربا أكلاً وإطعاماً وكتابةً وشهوداً, قبل أن تندم ولا ينفعك الندم.
ولعل الحديث له صلة في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى.
أقول هذا القول وكل منا يستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين