من تفسير القرآن بالسنة

أن تأتي السنة موافقة لمعنى القرآن، مؤكدة عليه، أو مفصلة لبعض إجماله ومبينة له .. كأن تذكر الآية شيئا وتأتي السنة بتفصيل الأسباب والأعراض لتكتمل الصورة وتقوم الحجة.

.

انظر لقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ)

 

فالمرض هو التثاقل إلى الأرض والرضا بالدون ..

.

 ولهذا المرض أعراض جاءت في حديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

 

(إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) .

.

فالتثاقل إلى الأرض يكون لعلة الرضا بأسبابها ومحبتها حتى إن الإنسان يطمئن لثروته ويرضى بزراعته، حتى إن ثروته تقود مواقفه، فيتبع أذناب البقر كإشارة إلى التبعية واللهاث وراء الأموال والبورصات وزيادة الربح، أو يتجاوز ما أحل الله إلى ما حرم فيتعامل بالربا.. لقد صارت القيمة الوحيدة في حياته زيادة الربح ونموه الاقتصادي.. ومع هذا الرخاء الظاهري يعيش حياة الذل لأن كثرة المال ليس دليل عز وشرف بل قد يكون دليل لهاث ونهم ..

.

ومن كان هذا حاله سيرى أمته تمزق وأرضه تسلب ودينه يهان فلا يتحرك له ساكن ، لأن دنياه أولى من آخرته وشبع بطنه أهم من كرامته، فيعيش مدافعا عن ثقافة العلف تاركا ثقافة الشرف!

.

فالآية ذكرت "المرض والعلة" الذي هو التثاقل إلى الأرض والرضا بالدنيا حتى ينسى معاني الشرف وتسقط القيم فتصير القيمة الوحيدة هي المال!

.

والحديث ذكر "الأعراض" المؤدية لهذه الحالة المخزية فذكر ثلاثة أعراض لهذا المرض.

.

يجمعها سبب واحد ومعنى واحد جاء  في حديث آخر قال فيه (حب الدنيا وكراهية الموت).

.

ففي القرآن ذكر المرض، وفي الحديث الأول أعراض هذا المرض، وفي الثاني سبب الوقوع في المرض.

.

أما العلاج فيكون بترك الأسباب ومعالجة الظواهر والأعراض المعبر عنه في قوله تعالى تكملة للآية (أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل)

.

فالآية تخاطب طالب المتعة المقبل على الدنيا قائلة له: (ما عند الله خير وأبقى)، ومؤكدة أن (متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل)، فإن كنت ولابد محبا للمتعة فاطلب الأكمل والأبقى والأنقى إن كان فيك بقية عقل ..

 

القرآن يدل الأمة على مصلحتها الدنيوية قبل الأخروية ، لكن كأن عقول الناس سلبت منهم فلا عادوا يرون ولا يبصرون وإلى مصيرهم المحتوم سائرون ..

 

صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى!

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين