من بركات الصدقة

من بركات الصدقة

محمد محمد الأسطل

 

للصدقة تأثير عجيب في دفع أنواع البلاء، حتى لو كانت من فاجرٍ أو ظالمٍ بل من كافرٍ، وهذا معلومٌ عند أهل الأرض كلهم، خاصتهم وعامتهم؛ لأنهم جربوه، وقد ورد في بعض الآثار: " بَاكِرُوا بِالصَّدَقَةِ؛ فَإِنَّ الْبَلاَءَ لاَ يَتَخَطَّاهَا " [ابن القيم / الوابل الصيب ص (49)، والأثر فيه ضعف].

الرزق رزقان: رزق إيجاب، ورزق سلب، أما رزقُ الإيجاب؛ فَكَأَنْ تأتيك [100 جنيه] من حيث لا تحتسب، فهذا رزقٌ من جهة الإيجاب !

أما رزقُ السلب؛ فكأن يُنَجِّيكَ الله جلَّ وعلا بِصَدقتك من نَفَقَاتٍ إِضَافيَّةٍ، فمثلًا: رجل راتبه [1000 جنيه]، وآخر راتبه [200 جنيه]، فقدر الله للأول نفقات لم يَكْفِهِ راتِبُهُ لقضائِها، وَنَجَّى الآخر منها؛ فَادَّخَر من راتبه، فهذا رزقٌ من جهةِ السلب !

أذكر أنني ذهبت بولدي للطبيب، وأنا في صالة الانتظار حدثني أحد الإخوة أنه أجرى لولده عملياتٍ جراحيةٍ أربعة، وقد استهلك من النفقات ما قدره [3000 دولار]، فقلت لزوجتي: إن ولدنا أكبر منه بأربع مرات، ولم ننفق عليه سوى [300 دولار] فيكون الله قد رزقني [2700 دولار] من جهة السلب، فكيف لو ضاعفت المبلغ أربع مرات احتسابًا للعمر؟! وأنا لم أتيقظ لها إلا الآن، غفر الله لنا تقصيرنا في شكره !

ورزقُ السَّلبِ قَلَّ من يفطن له، فَضلًا عن أن يَشْكُرَ ربَّهُ عليه، وهو من أعجبِ أَسْرَارِ الصدقة، فَإِنَّ أجرهَا إن لم يظهر للعبدِ من جِهَةِ الإيجاب، فإنَّهُ آتٍ من جهة السَّلْبِ، كَدَفعِ الآفات، والنجاة من الكربات، والسعيدُ الموفقُ من فقه عن الله سننه !

 

سعادة قلبية غامرة:

إنَّ صاحِبَ الصدقة قلبُهُ عنوان السعادة، وَكَنزُ الإفادَة، وَصدرُهُ بنك السرور، ومصرف الحبور؛ ذلك أنه استمد عطاءَه من لطيفٍ بِعِبَادِهِ، مَعروفٍ بِإمداده، جوادٍ في إسعاده !

فأي لسانٍ يُحَدِّث بالسعادة التي شَعَرُوا؟! وأيُّ قَلمٍ يَسطُر اللذةَ التِّي وَجَدُوا؟!

وهاك شهادةَ من ذاق، يُتحِفُنَا بِنَسائم الأشواق، والمَذاق الرقراق، إنه الصحابي الجليل حكيم بن حزام رضي الله عنه الذي كان يجتاحه الهمُّ والحَزَنُ إذا مرَّ به يومٌ لا يجد فيه محتاجًا يقضي حاجته، حيث قال: ما أصبحتُ وليسَ بِبَابِي صاحبُ حاجةٍ؛ إلا علمت أنها من المَصائِبِ التي أسألُ اللهَ تعالى الأجرَ عليهَا !

ولذا قال الرافعي: إنَّ السعادةَ الإنسانيةَ الصحيحةَ فِي العَطَاءِ دُونَ الأخْذِ، وإنَّ الزَّائِفَةَ هي فِي الأخذِ دُونَ العطاء، وهذا آخر ما انتهت إليه فلسفةُ الأخْلاق !

اختبــارٌ عملـــي: خُذ [100 ريال] لعائلةٍ فقيرةٍ، أو بقدرها طعامًا يُحِبُّونَه، أو كساءً يَلبَسُونَه، أو متاعًا تعرِفُ أنَّهُم يحتاجُونَه، ثم أخبرني عن اللذة الروحيةِ القلبيةِ النفسيةِ التي سَتَشْعُر، وإن كانت الإجابة معلومة إليَّ سلفًا؛ إذ إن الخبر ليس كالمعاينة !

سيادة الناس:

أفاد ابنُ عباس أن الصدقة سبيل مآله سيادةُ الخَلقِ، فَقَال: ساداتُ النَّاسِ فيِ الدُّنيَا الأسخِيَاء، وفيِ الآخرةِ الأتقياء ! وهذا ما عناه صلاح الدين الصفدي بقوله:

من جَادَ سَادَ وأحيا العالمون  له ** بديع حمد  بمدح الفعل متصـل

من رام نيل العلا بالمال يجمعه ** من غير حلٍّ بلى من جهله وبلي

  أخي: إنَّ من أحسنَ إلى العباد فَقَد سَادَهُم، وَكَم سَتَرَ اللهُ عُيوبَ المتصدقين إكرامًا لهم !

ويُظْهِرُ عيبَ المرء للناس  بُخْلُهُ ** ويستره عنهـم جميعًـا سخـاؤه

تَغَـطَّ  بأثـواب السخاء؛ فإنني ** أرى كل عيب، فالسخاء غطاؤه

[الوابل الصيب ص (49)]

إنَّ من صِفَاتِ الله تعالى أنه يرحم عبادَهُ ويسترُهُم، ويُكْرِمُهُم وينفعُهُم، ويجودُ عليهم، ويُحسِنُ إليهم، وإن من وافقَ اللهَ تعالى في صفةٍ من صِفَاتِه؛ قَادَتْهُ تلك الصفة إليه بِزمامه، فَأَدخَلَتْهُ عَلَى رَبِّه، وأَدْنَتْهُ مِنْهُ، وَقَرَّبَتْهُ من رحمته، وَصَيَّرتْهُ مَحْبُوبًا له، فمن رَحِمَ عبادَ اللهَ رَحِمَه، ومَن سَتَرَهُم سَتَره، وَمَن أكرمَهُم أكرمَه، وَمَن نَفَعَهُم نَفَعَهُ، وَمَن جَاد عليهم جَادَ عليه، وَمن أَحسَنَ إليهِم أَحسَنَ إليه، وَمَن يَسَّرَ علَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ عليهِ حِسَابَه! [ابن القيم / الجواب الكافي ص (44)، الوابل الصيب ص (49)].

أخي: أنقذْ إخوانَك بِصَدَقَتِك، وأَعْلِ صَرحَ الإسلامِ بِنَفَقَتِك، وَبَرهِنْ علَى حياةِ فُؤَادِك بِإخْرَاجِ مَالِك، ما لك تَتَراخَى فِي تَزكِيَةِ نَفسِك، وطهارةِ مَالِك؟! أَمَعَكَ من الحسنات قَناطِير؟! أم إذا نَظَرْتَ إليها ارتدَّ بَصَرُكَ خاسئًا وهو حَسِير؟! أم ما زلت تُعلِنُ المَعاذِير؟! وأنك مسكين أو فقير؟! ونسيت أنَّ الصدقة سببٌ شرعي في مضاعفة المال أضعافًا كثيرة؛ لِتُصَيِّرَ الفقيرَ غَنِيًّا، وهذا ما قصدتْهُ عائشة ل بقولها: إذا افْتَقَرتـُــم فَتَصَدَّقُــــــوا !

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين