من العقيدة إلى السياسة نفر من قدر الله إلى قدر الله

 

 

تشير القراءة العملية لواقع القوى المختلفة المسيطرة على موقع القرار السوري المعارض إلى حالة من الاستسلام القدري السلبي و ركون كامل من هذه القوى إلى ( حلٍ منتظرٍ ) والتنكير للتجهيل ، وأن هذا ( الحل ) هو ما سيصنعه أو يقدمه الآخرون للشعب السوري . ويقدر هؤلاء الذين احتلوا مواقعهم ، بطريقة ما ، أن من واجبهم فقط أن يتظاهروا أنهم يعملون ، أو أنهم يهتمون ، بينما هم في حقيقة الأمر يتناجشون ويتهافتون وينتظرون فقط كمن انتظر غودو ينتظرون ...

ولا يرى بعض هؤلاء أنه من غير اللائق أن يعلنوا بصراحة أنهم ينتظرون حلا يقدمه الآخرون ، وأنهم يأملون أن يكون هذا الحل المنظر ( الهدية ) محققا مستوى أكبر من تطلعات السوريين . ولذلك فكثير من هؤلاء حين يتحدثون عن هؤلاء ( الآخرين ) يتحدثون بأدب جم ، ودبلوماسية عالية ، وبلغة التوسل والرجاء . وللحقيقة فإن بعضهم يفعلون ذلك لأنهم مدركون لقصورهم الذاتي وعجزهم الفردي والجماعي مع طموح شخصي عال لما يمكن أن يجود به على أشخاصهم الكرام المانحون ..

حال جمعي مرتبط بتكوين الشخصية الإنسانية في مهادها النفسي الأول انطبعت كما قبضة الطين لتكون قابلة مستسلمة منفعلة سلبية آخذة بينما الثورة ومشروعها تقوم على النفوس المميزة الفاعلة الإيجابية المعطاء ...

في تاريخنا القريب سيطرت على المجتمعات الإسلامية بشكل عام حالة من الاستسلام القدري السلبي حتى أجاب أحدهم وقد مرض وقيل له : أندعو لك الطبيب : الطبيب أمرضني ..وصادروا حق المسلم وواجبه بالدعاء باختراعهم حكاية : علمه بحالي يغنيه عن سؤالي ونسبوها إلى سيدنا إبراهيم أبي المسلمين . والقرآن الكريم يحكي عنه أنه كان يقول : رب ...رب .. رب داعيا في أكثر من موضع

هذه الحالة ( القدرية ) والاستعمال هنا مغاير للمصطلح الكلامي في تاريخنا الإسلامي ، فالقدرية في تاريخ الثقافة الإسلامية الكلامية هم ( نفاة القدر ) وليسوا المستسلمين السلبيين له ، وكانت التسمية تطلق على فرق متعددة على رأسهم ( المعتزلة ) الذين كانوا يقولون أنه لا قدر ، وأن الأمر اُنُف . ولكننا نستعمل المصطلح في هذا المقال إشارة إلى هذا الفريق من الناس الخانع المستسلم لما يظنه قدرا دوليا نافذا لا مفر منه ، وأن على الثورة السورية والمجتمع السوري أن تنزل عليه على شروطه ، دون أن يفكروا حتى في تحسين معطياته ..

يقول لك أحدهم وهل تظنون أنكم قادرون على محاربة العالم ؟ أو محاربة أمريكا ؟ أو .. أو ... ثم يسترسل في سياسات الترجي والتجاهل واللامبالاة والانتظار . وفي حقيقة الأمر نحن لا نريد أن نحارب أحدا من أهل الأرض غير بشار الأسد وعصابته الأدنين ، وليس في مشروعنا أن نستعدي أحدا من هؤلاء علينا ، بل نحن حريصون على نصرة أي فريق من هؤلاء على أي نحو كانت النصرة ما دامت تصب في مصلحة مشروعنا الوطني ومع كل هذا فنحن متمسكون بحقنا في صنع مستقبلنا وتقرير مصيرنا والانتصار للحل الذي يحقق العدل والكرامة لشعبنا كما يريده شعبنا وليس كما يفرضه الآخرون ..

إن هؤلاء المستسلمين القدريين اليوم يسدون مواقع الفعل على الفاعلين في أطر الثورة السورية المختلفة . وهم على الأسف لم يعودوا فقط من دراويش الزوايا والتكايا المنعزلين والمعتزلين كما كانوا على مر التاريخ ، بل إن هذه العقيدة بكل أبعادها السلبية القاتلة؛ الدينية والمدنية امتدت وقفزت بهؤلاء القَعَد العاجزين إلى حيث يجب أن يتقدم القادرون والفاعلون ، وامتدت عقيدة التواكل السلبي لتشمل شرائح كبيرة من الطامحين ممن يقال لهم الإسلاميون والعلمانيون والأصوليون والليبراليون والحداثيون والمابعد الحداثيين . الكل على كراسي صنع القرار مستسلمون لقدر غير رباني ، قدر وقر في صدورهم أنه نافذ عليهم لا مبدل له ولا معقب لحكمه مع إيمانهم أن أصحابه والقائمين عليه هم بشر أمثالهم ....

إن عقيدتنا الإسلامية التي نؤمن بها ، والتي يُعتبر الإيمان بالقضاء والقدر ركنا من أركانها ، ترفض أصلا هذه السلبية المرضية وهذا التواكل القاتل ، وهذه النفوس القابلة للانقياد ، كما ترفض أن تكون نفسية المؤمن مثل قبضة الطين القابلة للانطباع ..

عقيدتنا الإسلامية تعلمنا أن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا نعم ، ولكنها تعلمنا أيضا كيف ندفع عن أنفسنا شرا يمكن أن يصيبنا ، وأن نجلب لأنفسنا خيرا يحقق مصالحنا ..

عقيدتنا الإسلامية تعلمنا : نفر من قدر الله إلى قدر الله (عمر بن الخطاب ) . وندفع الأقدار بالأقدار ، وننازع الأقدار بالأقدار العالم الرباني ( عبد القادر الكيلاني ) ..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين