من الطفو إلى الإبحار أو الغرق

الطفو حالة فيزيائية تعتمد على خفة الوزن مقارنة بالحجم (الكثافة)؛ فالإسفنجة تطفو لهشاشتها وخفة وزنها مقارنة بحجمها، وكتلة الحديد الثقيلة من الممكن جعلها تطفو إذا تم تفريغها من الداخل.

وهكذا تقوم سياسة الطفو للدول على صناعة الفراغ؛ بحيث تظل الدول طافية لا هي غارقة بحيث تحرم الدول الكبرى من موارد آمنة للمواد الخام، وسوق رائجة لاستهلاك بضاعة الغرب، ولا هي مبحرة، تصنع غذاءها ودواءها وسلاحها.

صناعة الفراغ تعني تفريغ المجتمع من قيم التقدم والإبحار؛ فلا العلم علم، ولا الفن فن، ولا الدين دين؛ بل تتحول لمجرد شعارات فارغة من محتواها.

ويتحول المجتمع إلى فراغ تملؤه التفاهة وفقدان الهدف وضياع الهوية وغياب الوعي.

في هذا المجتمع الفارغ: ديموقراطية بلا حرية، وسياسة بلا منافسة، وقانون بلا تطبيق، وقضاء بلا عدالة، ومشاريع بلا إنتاج، وجعجعة بلا طحن، وأحزاب (إن وجدت) بلا برامج، وأبو حنيفة لكن بغير فقه.

في هذا المجتمع الفارغ ثروة بلا استثمار، وسواعد بلا إنتاج، وأموال بلا فاعلية، ودين بلا تأثير، وعقول بلا تفكير، وثقافة بلا أصالة.. 

إنه الفراغ.. التفاهة.. التيه.. فقدان الهوية.

صناعة الفراغ تُقْصي من طريقها العلماء والموهوبين والجادين، ويطفو على سطحها التافهون والوصوليون والساقطون.

هذه بعض سمات الدول الطافية، وهي على وشك الغرق.

ولكن ليست هذه الحالة قدرا لا يمكننا دفعه؛ فقد مرت الصين وغيرها بالحالة نفسها، ولم يتورع الغرب من أجل تفريغ تلك الكتلة الصينية الضخمة من استخدام كل الأسلحة القذرة بما فيها نشر الأفيون بالقوة.

وبرغم هذا تعافَت الصين وقاومت ثم نافست وتسيدت.

انتقالنا من الطفو إلى الغرق ليس قدرا محتوماً إذا أدركنا أننا على حافة الغرق، وعلينا أن نقاوم حتى لا يغرق الوطن.

وجِماع هذه الحالة تجده مختصرا واضحا في كلام من أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم : "يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت".

غثاء: تفاهة.. فراغ.. طفو.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين