من السلطة إلى الدولة وليس أي دولة نريد

لا يساعدنا الوضع الدولي والإقليمي الذي يحيط بالثورة السورية حياطة غدر ومكر أن نسترسل في الجدل الحالم حول الفروق أو التشققات في الدولة السورية التي نريد . والمشمول بضمير نحن في( نريد ) هو كل السوريين الذين يريدون في سورية ( دولة ) بالمفهوم الدستوري للدولة بغض النظر عن الوصف الإضافي وبأي دلالات له تكون .

ولو كان لي من الأمر شيء لخرجت على العالم مطالبا ببناء ( دولة ) في سورية . دولة بالمفهوم الدستوري المطلق لمصطلح الدولة . وسأكون على يقين أن بناء الدولة بهذا المفهوم وبغض النظر عن أي وصف إضافي سيلبي تطلعات كل السوريين الأولية على اختلافاتهم التي ستجد طريقها الجدلي للتطوير والتحسين .

لم يعلن الشعب السوري الثورة على أي شكل من أشكال الدولة . ولم يكن في سورية أي شكل من أشكال الدولة . ولذلك غاصت الثورة السورية فيما غاصت فيه . لم تكن في سورية دولة على غرار دولة ابن علي ولا دولة مبارك ، على عمق ما في هاتين الدولتين من اضطراب ووهن وبغي وعدوان . لقد وئدت الدولة السورية الوليدة بعد سنوات قليلة من عهد الاستقلال .وقد نفذ فيها حكم الإعدام منذ الثامن من آذار 1963 ؛ ولم تقم لها بعدُ قائمة حتى اليوم. ليصير الأمر في سورية إلى سلطة عصابة بغي وشر وعدوان تتحكم فيها النزوة والشهوة ويسيرها الحقد وتغذيها النقمة .

وإنها لجناية كبرى على الحضارة والمدنية والفكر والسياسة ألا يميز مفكرون وساسة وعلماء اجتماع بين بناء الدولة بأبسط أشكالها حتى في شكلها الأبوي والرعوي والعشائري وبين السلطة العصابة . سلطة القراصنة يخطفون سفينة ويستبدون بركابها ..

إن الذين يتحدثون في سورية عن دولة الاستبداد أو دولة الفساد أو حتى الدولة الأمنية يخادعون أنفسهم ويخدعون الناس . إن سيادة القانون هي أبسط رابط يربط الواقع بالدولة ، مهما كان شأن هذا القانون ، ويكذب ويفتري كل من يزعم أن سورية كان يسود فيها أي شكل من أشكال القانون وأتحداهم حتى بقانون السير ..

حتى القانون 49 / 1980 الذي حكم بالإعدام على كل منتسبي جماعة الإخوان المسلمين ، مع كل مافيه من جور وظلم وإفك لم ينفذ كقانون دولة بل نفذ كأداة جريمة يعبر به مجرمو العصابة السلطة عن أحقادهم . إذ لا يوجد قانون في أي شكل من أشكال الدولة في العالم يطبق على الناس بأثر رجعي . وهو ما اقترن في سورية السلطة الأسدية بهذا القانون ليغطى به على عار جريمة سلطوية شملت عشرات الألوف من المواطنين الأبرياء . حصل كل هذا وناس العالم المتحضر من حولنا ينظرون ..

مع الأسف لم تنجح المعارضة السياسية في سورية حتى اليوم بإقناع كيري الأمريكي أو لافروف الروسي أن الشعب السوري يستحق دولة ، أي نوع من أنواع الدولة . بل ما أن انبلج فجر الثورة السورية ولاح في الأفق تباشير فجر بناء الدولة حتى سارع الكثير من السوريين بعضهم بحسن نية وبعضهم بغيره يتساءلون عن بقرة بني إسرائيل : ما هي ..؟! ما لونها ..؟! مرة أخرى ما هي ..؟! والشعب السوري أرادها دولة ..دولة يسود فيها القانون– أي قانون - وتظلل مظلتها كل المواطنين ..

 كل الجهود الدولية المبذولة اليوم لقيادة ( الممثلين المزعومين ) للثورة السورية إلى جنيف هي لإقناعهم بحظ من الكعكة في الوجود السلطوي المقترح لسورية ما بعد جنيف . دور ما يعطي لفريقٍ ما حظا من الضوء يقنعهم أنهم قد أصبحوا شركاء في السلطة الممنوحة لبشار والتي لن تمنح بالقدر نفسه لبقية الشركاء المتطفلين .

لم يحصل الشعب السوري رغم عظم التضحيات وبعد ثلاث سنوات من الثورة على اعتراف دولي بحقه في الدولة . في رأي الأمريكي والروسي والفرنسي أن الشعب السوري لا يستحق أكثر من ( سلطة ) سلطة يتحكم بها كل المتخوفين من الشعب السوري ومن الجغرافيا السورية . هذه الحقيقة لا تحتاج بعد اليوم إلى كبير برهان ..

السوريون الأعزاء الأحبة الذين يشترطون في لون عيني الوليد قبل أن يرزقوه على الثورة وعلينا وعلى أنفسهم يستعجلون ...

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين