من إشراقات رمضان

 

 

جاء شهر النصر والقوة والمنعة، وأطل هلال الخير والبر والبركة، شهر ينتظره المؤمن بشوق لزيادة إيمان وحسنات، ويترقبه المحسن لتكثير صلاة وزكاة، ويطمع فيه التاجر الطالب دنيا لكنز أموال، ويشحذ المجاهد همته بتجديد ذكريات لبطولات.

المؤمن يتلو قوله تعالى: “وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا” فيزداد تمسكا بكتاب الله المتين وحبله القويم، فيقرأ بشغف، ويقلب صفحات القرآن بتتابع، ويريد أن يسابق الزمن ليكسب حسنات كثيرة، فقد ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشرة أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف” رواه الترمذي، ولكن ليته يكون مع هذه القراءة تدبر ومع هذه التلاوة تمعن وتفكر، وليت معها عهد على العمل بحلاله والنأي بالنفس عن حرامه، لو أخذ من كل جزء قرأه خصلة خير، لحصل في نهاية الختمة ثلاثين من خصال الخير التي تسعد نفسه وتريح أسرته وتبث الأخلاق الفاضلة في مجتمعه، فيصبح المجتمع مجتمعا فاضلا لا تجد عداوة أو بغضاء أو آلاف الدعاوى مرفوعة بالمحاكم بين أبنائه.

شهر يترقبه المحسن الكريم ليؤدي ما عليه من واجب الانفاق على أرملة أو مسكين أو معدم وفقير، وهو يعلم بالمنحة العظيمة، فمن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، والأصل في المال الموجود بين أيدي الأثرياء أنه أمانه من الله استخلف عليها صنفا من الناس، قال تعالى: “آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه”. أمر تبارك وتعالى بالإيمان به وبرسوله على الوجه الأكمل، وحث على الإنفاق “مما جعلكم مستخلفين فيه” أي مما هو معكم على سبيل العارية، فإنه قد كان في أيدي من قبلكم ثم صار إليكم، فأرشد تعالى إلى استعمال ما استخلفكم فيه من المال في طاعته، وقوله تعالى: “مما جعلكم مستخلفين فيه” فيه إشارة إلى أنه سيكون مخلفا عنك، فلعل وارثك أن يطيع اللّه فيه فيكون أسعد بما أنعم اللّه به عليك منك، أو يعصي اللّه فيه فتكون قد سعيت في معاونته على الإثم والعدوان.

وشهر يطمع فيه طالب دنيا وجامع أموال وعابد للدرهم والدينار، فيستغل حاجة الناس، فيزيد في الأسعار ويقلل في النصيحة، فلا تهمه بضاعة واهية أو صناعة سيئة، فهمه الوحيد وشغله الشاغل، الربح وجمع المال على حساب الآخرين، ألا يفكر كم تعب أب عامل وصرف من عرق وجهد، في سبيل تحصيل مال يشتري به لنفسه ولأولاده ألبسة متينة، ظنه أن تبقى سنة أو أكثر، و إذ به يفاجأ بهلاك القميص وتمزق البنطال ولما يمض شهران أو ثلاثة على الاستعمال، ورسولنا صلى الله عليه وسلم حذر في حجة الوداع فقال: “إن أموالكم ودماءكم حرام عليكم”، فلا يظن الواحد من هؤلاء التجار أن حرمة أكل المال بالسرقة المعروفة فقط، وليعلم أن هذه أيضا سرقة ولكن بطريقة أخرى، اجتمعت بها سرقة مال مسلم وعدم نصيحته وخيانة أمانة.

رمضان شهر البطولات وشهر الانتصارات يتخذه المجاهد مشعلا في جهاده، و يأخذ منه دروسا في صبره وقتاله، يذكر بدرا ويومها المشهود، “وقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة” انتصروا وهم قلة، وهزموا عتاة الكفر وهم مستضعفون، ويذكر فتح مكة ودخول النبي صلى الله عليه وسلم مطأطئا رأسه يكاد يمس ظهر راحلته، يريد أن يعلم الصحابة رضوان الله عليهم ألا يغريهم نصر ولا يفرحهم تجبر وتكبر، فعليهم توحيد الصف، وتجميع القوى، وعدم الاستبداد بالرأي، وعدم خيانة أمانة، و قبل كل ذلك الإخلاص لله تعالى، فما النصر إلا من عند الله تعالى.. ويومئذ يفرح المؤمنون.

اللهم اجعل رمضان شهر نصر وثبات وفرح على السوريين المجاهدين خاصة وعلى المسلمين عامة، والحمد لله رب العالمين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين