من أعلام الإسلام الطفيل بن عمرو الدّوسي

 

الصحابي الجليل، والشاعر ذو الشعور النبيل والنَّفَس الطويل، كان سموَ شعوره ورقة وجدانه السبب القوي في إسلامه، على الرغم مما كاد يعوقه من مكر الماكرين، وأساليب المحتالين.

 

كان الطفيل السيد المطاع في قومه، وقومه دوْس من أشراف العرب، أسلم الطفيل بمكة قبل الهجرة، وحسن إسلامه، ولقّب بذي النور، لسبب نفصّله في هذا المقال إن شاء الله تعالى.

 

ولعلنا لا نجافي جانب الصواب إن نحن خليَّنا بين القارئ الكريم، وبين هذا المسلم الشاعر الحكيم، ليحدثه بعض الحديث عن نفسه، ويكشف له جانباً مثيراً من ملابسات إسلامه، لا يُحسن الحديث عنها غيره.

 

روى صالح بن كيسان عن الطفيل بن عمرو الدوسي قال: كنت رجلاً شاعراً سيداً في قومه – قال – فقدمت مكة، فمشيت إلى رجالات قريش – وفي كتاب أسد الغابة – فمشى إليَّ رجال من قريش – فقالوا: يا طفيل – إنك شاعر، سيد مطاع في قومك، وإنا خشينا أن يلقاك هذا الرجل – يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم – فيصيبك ببعض حديثه، فإنما حديثه السحر، فاحذره أن يُدخل عليك وعلى قومك ما أدخل علينا، وعلى قومنا، فإنه يفرّق بين المرء وابنه، وبين المرء وزوجه، وبين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه – يقول الطفيل – فوالله ما زالوا يحدثونني وينهونني أن أسمع منه، حتى قلت: والله لا أدخل المسجد إلا وأنا سادّ أذني – قال – فعمدت إلى أذني فحشوتها كرسفاً: قطناً، ثم غدوت إلى المسجد، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً في المسجد – قال – فقمت منه قريباً، وأبى الله تعالى إلا أن يسمعني بعض قوله: - قال – فقلت في نفسي: والله إن هذا للمعجز، والله إني امرؤ ثَبْت، ما يخفى علي من الأمور حسنها ولا قبحها، والله لأستمعن منه، فإن كان أمره رشداً أخذت منه، وإن كان غير ذلك أجتنبه – قال – فأمسكت بالكرسفة فنزعتها من أذني فألقيتها، ثم استمعت له، فلم أسمع كلاماً قط أحسن من كلام يتكلم به، - قال – فقلت في نفسي – يا سبحان الله، ما سمعت كاليوم أحسن منه ولا أجمل، - قال الطفيل – ثم انتظرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انصرف، فأتبعته، فدخلت معه بيته، فقلت له: يا محمد – إن قومك جاءوني، فقالوا لي، كذا وكذا، - فأخبرته بالذي قالوا – وقد أبى الله إلا أن أسمعني منك ما تقول، وقد وقع في نفسي أنه حق، فأعرض عليَّ دينك، وما تأمر به، وما تنهى عنه، - قال – فعرض عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام فأسلمت.

 

ثم استأنف الطفيل رضي الله عنه حديثه فقال – ثم – قلت يا رسول الله إني أرجع إلى دوْس وأنا فيهم مطاع، وأنا داعيهم إلى الإسلام – لعل الله أن يهديهم – فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عوناً عليهم – فيما أدعوهم إليه، فقال: اللهم اجعل له آية تعينه على ما ينوي من الخير، - قال الطفيل – فخرجت حتى أشرفت على ثنية أهلي التي تهبطني على حاضر دوس – قال – وأبي هناك شيخ كبير، وامرأتي ووالدتي، - قال – فلما علوت الثنية وضع الله بين عيني نوراً يتراءاه الحاضر في ظلمة الليل، وأنا مُنهبط من الثنية، فقلت: اللهم في غير وجهي، فإني أخشى أن يظنوا أنها لفراق دينهم، فتحول في رأس سوطي، فلقد رأيتني أسير على بعير إليهم، وإنه على رأس سوطي كأنه قنديل معلق فيه، حتى قدمت عليهم – ثم قال – فأتاني أبي فقلت: إليك عني فلست منك ولست مني – قال – وما ذاك يا بني؟ - قال قلت – أسلمت واتبعت دين محمد، فقال: أي بني فإن ديني دينك، - قال – فأسلم وحسن إسلامه، - ثم أتتني صاحبتي: زوجي: فقلت: إليك عني، فلستُ منك ولست مني، - قالت وما ذاك – بأبي أنت وأمي، قلت: أسلمت واتبعت دين محمد، فلستِ تحلين لي ولا أحل لك، قالت: فديني دينك، - قال – قلت فاعمدي إلى هذه المياه فاغتسلي منها و تطهري وتعالي – قال – ففعلت ثم جاءت فأسلمت وحسن إسلامها.

 

إذن فقد أسلم أبوه وزوجه ولكن أمه لم تسلم، ثم قال الطفيل: ثم دعوت دوساً إلى الإسلام فأبت عليَّ وتعاصت ولم يجبني إلا أبو هريرة رضي الله عنه، ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فقلت: يا رسول الله – غلب على دوس الزنا والربا فادع عليهم، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (اللهم اهد دوساً: ثم رجعت إليهم أدعوهم إلى الإسلام، حتى استجاب منهم من استجاب، وسبقتني بدر وأحد والخندق، ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بثمانين أو تسعين أهل بيت من دوس إلى المدينة، فكنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله مكة – فقلت يا رسول الله ابعثني إلى ذي الكفين: صنم عمرو بن حَمَمة حتى أحرقه، قال: أجل، فاخرج إليهم فحرّقه، فجعلت أوقد النار وهو يشتعل وأنا أقول:

 

يا ذا الكفين لستُ من عبادكا=ميلادنا أكبر من ميلادكا

إني حشوت النار في فؤادكا

 

قال الطفيل – ثم قدمت على رسول الله فأقمت معه حتى قبض، فلما بعض أبو بكر بعثه إلى مسيلمة الكذاب، خرجت مع من خرج من المسلمين، ومعي ابني عمرو ابن الطفيل، حتى إذا كنا ببعض الطريق رأيت فيما يرى النائم، أن رأسي قد حُلق، وخرج من فمي طائر، وأن امرأة قد أدخلتني في فرجها، وأن ابني قد طلبني حثيثاً فلم يقدر – وقد طلبت من أصحابي تعبير هذه الرؤيا، فما زادوا على أن قالوا: خيراً – فقلت لهم: أما أنا والله فقد أوّلتها – وكان تأويل الطفيل إياها: أن رأسه يقطع، وأن الطائر روُحه، وأن المرأة: الأرض يدفن فيها، وأن ابن عمرو بن الطفيل يطلب الشهادة فلا يلحقها، ولقد صدقت الأحداث رؤياه، فقتل الطفيل يوم اليمامة، وعاش ابنه بعد ذلك، وكان جندب بن عمرو بن حَمَمة ابن عوف الدوسي يقول في الجاهلية: إن للخلق خالقاً، لكن لا أدري من هو؟ فلما سمع بخبر النبي صلى الله عليه وسلم خرج ومعه خمسة وسبعون رجلاً من قومه، فأسلم وأسلموا – قال أبو هريرة رضي الله عنه فكان جندب يقدّمهم رجلاً رجلاً - وكان عمرو بن حمَمَة والد جندب هذا حاكماً على دوس سنوات طوالاً.

 

يرحم الله الطفيل رضي الله عنه ومن لفّ لفه، واقتفى أثره من جماهير المؤمنين المجاهدين في سبيل الله، الذين باعوا أنفسهم رخيصة رجاء الوصول إلى مرضاة الله ومرضاة رسول الله.

 

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

المصدر: مجلة لواء الإسلام السنة 20، العدد 8، ربيع الثاني 1386 الموافق يوليه 1966

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين