من أعظم دروس الإسراء والمعراج


1- الاهتمام بالمسجد الأقصى
فقد وقعت هذه الرحلة من بقعة مباركة " إن أوَّل بيت وُضع للناس للذي ببكة مباركاً"[1] " إلى بقعة مباركة " إلى المسجد الأقصي الذي باركنا حوله "[2] وفي ذلك إشعار بأهمية هذا المكان فقد كانت القدرة صالحة للعروج به صلي الله عليه وآله وسلم من المسجد الحرام مباشرة إلى سدرة المنتهى ولكن قدَّر الله تعالي هذه الوقفة في الأقصى للإشعار بالرابطة بين هذين الحرمين وهاتين البقعتين من أرض الله تعالي وفي شق الوحي الثاني السنة النبوية هذا الربط في الصحيح " لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى"[3] هذه الرحلة كانت من أول مسجد وضع في الأرض إلى ثاني مسجد وضع في الأرض في الصحيح عَنْ أَبي ذَرَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَوّلِ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ» قُلْتُ: ثُمّ أَيّ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الأَقْصَىَ» قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ عَاماً, ...»[4].

2- البشارة بانتشار الإسلام
  من الثابت تاريخياً أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقت الإسراء به لم يكن الاسلام قد دخل هذه المنطقة من أرض الله عـزَّ وجلَّ فكان وصوله صلي الله عليه وآله وسلم إليها وعروجه منها بشارة بوصول الاسلام إليها ثُمَّ رؤية الرسول صلي الله عليه وآله وسلم لنهري دجلة والفرات " وإذا أربعةُ أنهارٍ: نهران باطنان ونهرانِ ظاهران. فقلتُ: ما هذانِ يا جبريل؟ قال: أما الباطنان فنهرانِ في الجنة, وأما الظاهرانِ فالنيلُ والفُرات. " كان ذلك إيذاناً ببلوغ الاسلام هذه المنطقة والبلاد الواقعة على ضفاف هذين النهرين وقد كان ذلك بل إلى ماهو أبعد من ذلك . وتلك واحدة من البشارات المبشرات بانتشار الاسلام وعلامة من علامات النبوة ومنها كذلك ما في الصحيح ".وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ »[5].

3- السيادة على أرض فلسطين للمسلمين
من الثابت تاريخياً أيضاً أن اليهود لم يكن لهم وجود ولا ذكر في هذه المنطقة وقت الإسراء فما لهم في دعواهم الملكية لهذه الأرض من سند ولا برهان وما كانوا صادقين والمسلمون أسبق منهم في فتح هذه البلاد ومن سَبق إلى شيء فهو أحق به هذه واحدة. وأختها لقد جمع الله تعالي الأنبياء في هذه الليلة وصلَّى بهم رسول الله محمد صلي الله عليه وآله وسلم ركعتين بمن فيهم من أنبياء بنى اسرائيل كموسى وعيسى وغيرهم …عليهم السلام ودلالة ذلك أن الريادة والسيادة والراية في هذه المنطقة يجب أن تكون للمسلمين فهم أحق بها وأهلها ودليل ذلك أن المسلمين عندما تُوُفي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم واجتمعوا في سقيفة بنى ساعدة للتشاور بينهم في اختيار خليفة لهم بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقدموا ذلك على الاشتغال بتجهيزه صلي الله عليه وآله وسلم ودفنه والصلاة عليه وذلك لأهمية هذا الأمر وتأكده فما سر وقوع اختيارهم على أبي بكر رضي الله عنه ليخلفهم بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم ؟! قالوا رضيه رسول الله لديننا أفلا نرضاه لدنيانا " وذلك أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لمَّا ثقل المرض عليه في أُخريات حياته ما رضي أن يخلفه أحد في إمامة المسلمين في الصلاة إلاَّ أبا بكر .. وعليه فالدرس من إمامة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم للأنبياء في هذه الليلة سيادة المسلمين على هذه المنطقة والكلمة العليا فيها ينبغي أن تكون لهم .ولا يتصوَّرن أحد أن اتفاق أوسلو أو مدريد سَيُعيد القدس ! كلاَّ [ إن ما أُخذ بالعقيدة لا يُستردُّ بغير العقيدة ] لقد تجمع اليهود من شتات الأرض من روسيا وأثيوبيا واليمن وبولندا وتشيكوسلوفاكيا سابقاً وغيرها من بلدان العالم في هذه الأرض عقيدة يقولون إنها أرض الميعاد ! وهي كذلك أرض الميعاد عند المسلمين عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قلت: يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس, قال: أرض المــَحْشَرْ والمــَنْشَرْ إيتوه فصلوا فيه فإن صلاةً فيه كألف صلاة في غيره قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أحمل إليه؟ قال: فتهدي له زيتاً يُسْرَجُ فيه فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه. "في هذا الحديث إشارة مُهمَّة إلى أهمية التبرع والانفاق في سبيل الله تعالي لهذه المناطق المقدسة وأهلها لتمكينهم من المحافظة على هذه الحرمات وتمكينها من أداء رسالتها . قلت : هذه العقيدة التي يجب أن يحملها المسلمون في صدورهم وأرواحُهُم على أكفهم لاسترداد بيت الله الأقصى وردِّه إلى حرمات المسلمين والجهاد في سبيل الله هو السبيل لذلك هذا هو السبيل الوحيد وإن طال المدى وإن غداً لناظره لقريب

قف دون رأيك في الحياة مجاهدا إن الحياة عقيدة وجهاد


4- الترقية من علم اليقين إلى عين اليقين
من المعلوم أن الأنبياء بشَّروا الطائعين من أقوامهم بالجنة وأنذروا العصاة بالنار فمن أين العلم للأنبياء بالجنة والنار ؟! إن علم الأنبياء بهما عن سماع وإيمان بالغيب أما نبينا محمد صلي الله عليه وآله وسلم فقد ارتقى في العلم بالجنة والنار من علم اليقين إلى عين اليقين حيث قد دخل الجنة ورأى النار في الحديث الصحيح الوارد في الإسراء " ثمّ أُدخِلتُ الجنةَ فإِذا فيها جَنابذُ الْلُؤلؤ, وإِذا تُرابُها المِسك». وفي الصحيح " عُرِضَتْ عَلَيّ الْجَنّةُ. حَتّىَ لَوْ تَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفاً أَخَذْتُهُ (أَوْ قَالَ: تَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفاً) فَقَصُرَتْ يَدِي عَنْهُ. وَعُرِضَتْ عَلَيّ النّارُ. فَرَأَيْتُ فِيهَا امْرَأَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ تُعَذّبُ فِي هِرّةٍ لَهَا. رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا. وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ. وَرَأَيْتُ أَبَا ثُمَامَةَ عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ يَجُرّ قُصْبَهُ فِي النّارِ. ..»[6]. وأيضا «إِنّي رَأَيْتُ الْجَنّةَ. فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُوداً. وَلَوْ أَخَذْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدّنْيَا. وَرَأَيْتُ النّارَ. فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَراً قَطّ. وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النّسَاءَ...ّ». هذا في غير الإسراء والمعراج لكن في الإسراء والمعراج فقد ارتقى في العلم بالجنة والنار من علم اليقين إلى عين اليقين حيث قد دخل الجنة في الحديث الصحيح الوارد في الإسراء " ثمّ أُدخِلتُ الجنةَ فإِذا فيها جَنابذُ الْلُؤلؤ, وإِذا تُرابُها المِسك» . وبهذا المثال يتضح المقال ويُستوعب الدرس . الخبر عن العسل بأن " فيه شفاءٌ للناس "[7] يُفيد علم اليقين ، فإذا باشر طبيب أمامك العلاج بالعسل لبعض مرضاه فأبصرت الشفاء بالعسل أمامك واضحاً لا تتمارى فيه نقلتك الرؤية من علم اليقين بالشِّفاء بالعسل إلى عين اليقين لأنك رأيت بعينيك فإذا باشر علاجك أنت بالعسل فشفاك الله تعالي به فذلك سبيل ارتقائك من عين اليقين إلى حق اليقين وفي المثل " ليس الخبر كالعِيان " ويقولون أيضاً " ليس من رأى كمن سمع " ونبي الله ابراهيم عليه السلام أراد الارتقاء في العلم بقدرة الله تعالي على البعث بعد الموت من الإيمان بالبيان إلى الإيمان بالعيان أراد أن يرى بعينيه بعدما سمع بأذنيه .ليرتقى علمه بذلك من علم اليقين إلى عين اليقين حيث قال " رب أرني كيف تُحيي الموتي قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي …"[8] أمَّا نبينا محمد صلي الله عليه وآله وسلم فقد رقي الله تعالي علمه بالجنة والنار من علم اليقين إلى عين اليقين ونظير هذا في الكتاب العزيز كثير منه ماورد عن أصناف الناس يوم القيامة في آخر سورة الواقعة قال تعالي " فأمَّا إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم وأمَّا إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين وأمَّا إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم إن هذا لهو حق اليقين "[9] بعد دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ليس فوق مرتبة المعرفة بحقيقتهما شيء بعد دخولهما ولهذا قال تعالي " إن هذا لهو حق اليقين " [10] وفي التكاثر " كلاَّ لو تعلمون علم اليقين لترونَّ الجحيم ثُمَّ لترونَّها عين اليقين "[11]


[1] آل عمران : 96

[2] الإسراء /1

[3] صحيح البخاري 20 - كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة

بَابُ فَضْلِ الصَّلاَةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ أخرجه مسلم في الحج باب لاتشد الرحال إلا لثلاثة مساجد

[4] صحيح البخاري كتاب/ فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة باب مسجدِ بيتِ المقدِسِ ((ولا تُشَدّ الرّحالُ إلاّ إلى ثلاثةِ مَساجِدَ: مَسجدِ الحَرامِ, ومسجدِ الأقصى, ومَسجدي». مسلم كتاب/ المساجد ومواضع الصلاة

[5] صحيح البخاري (5/ 45) 63 - كتاب مناقب الأنصار بَابُ مَنَاقِبِ الأَنْصَارِ بَابُ مَا لَقِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مِنَ المُشْرِكِينَ بِمكَّةَ

[6] مسلم كتاب/ صلاة الكسوف باب ما عرض على النبيّ صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار

[7] النحل / 69

[8] البقرة /260

[9] الواقعة / 88- 95

[10] الواقعة / 95.

[11] التكاثر/ 5-7.


 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين