مَن أحقُّ الناس؟ طلاب العلم

الناظر في حال طلاّب العلم يلحظ أنّ جملتهم ممّن حالهُم ضعيفٌ مادّيًّا، والمعروف أنّ هذا أمرٌ سعى إليه الذين تحكّموا في مصير هذه الأمّة من الظلمة لعقود!

 

ولم يكن السبب الأوّل أنّ سياسات الدولة الظالمة قضت بجعل الأئمّة والخطباء والوعّاظ من أقلّ الناس مرتّباتٍ شهريّة، وإنّما كان ذلك مخطّطًا له في نوعيّات الطلاّب الذين يُقبلون في كلّيات الشريعة بحسب معدّلاتهم المتدنيّة! ثمّ يتمّ السماح لمجموعات منهم منتقاة بممارسة وظائف إداريّة يُضعفون من خلالها مؤسّسات التعليم الدينيّ على الأصعدة كافّة.

 

حين بدأت دورة الجهاد في بلاد الشام ضدّ طاغوتها لم يُشارك كثيرٌ من طلبة العلم فيها في الحراك؛ لئلاّ تكون مشاركتهم ذريعة يتّخذها عدوّ الله وعدوّهم لوأد الثورة في مهدها، وحرصًا منهم على لقمةِ عيشٍ تسدّ رمقهم لم يجدوا لها بديلاً، فوقع اللوم عليهم...

 

قلنا لهم حينها: أنتم قدوة الناس! أنتم أعرف الناس بظلم الظالم وطغيانه! إليكم توجّهت سهام غدره مرارًا، ونالكم من أذاه ما يجعلكم أولى الناس بردعه عن ظلمه والأخذ على يديه!

 

قلنا لهم: إن قعد بعضُ العامّة فلإنّهم لم يعرفوا أجر المجاهد وثوابه ومنزلته في الدنيا والآخرة! لم يعرفوا أجر المبادر إلى الخير فتركوا المبادرة والمسارعة!

 

وقالوا لنا: إنّ ما نحن فيه من ضيق الحال والتضييق الأمني يمنعنا من المبادرة! فأعين رجال الظلم والخوف (المخابرات) متوجّهة إلينا ينتظرون منّا زفرةً من الصدر أو خفقانًا في القلب ليحاسبونا عليه، فيمنعوا الناس بنا من جهادهم!

 

وهم في ذلك قد أصابوا ... فلم يكن أمامهم من خيار!

 

وحين انضمّ كثيرٌ منهم إلى خطّ الجهاد حين استقرّ سيره في بلاد الشام لم يجدوا من المجاهدين بأنفسهم وأموالهم إلاّ مثل ما كانوا يجدون من النظام الظالم!

 

لم يجدوا إلاّ إيثار المجاهدين من غير طلاّب العلم الشرعيّ بالدعم بحجّة القرابة والصلة والمنطقة!

 

لم يجدوا إلاّ الرغبة في دعم البسطاء الذين ما زلنا نتعرّف كلّ يومٍ إلى آكلٍ لمالٍ بغير حقٍّ منهم! لا لأنّه تعمّد السرقة، بل لأنّه لم يعرف الحلال من الحرام!

 

وجد طلاّب العلم تهميشًا لدورهم الدعويّ على حساب العمل العسكريّ.

 

وجدوا تهميشًا لتشغيلهم في مؤسّسات الإغاثة وهم أولى من يُديرها.

 

هم من يعرف مصارف الزكاة ... هم الذين يدركون حاجة الفقير.

 

والأهمّ من هذا أنّهم الأولى بأن يُحسّنوا صورةً جاهد النظام لعقود ليطبعها في ذهن أهل بلاد الشام  ... صورة الشيخ الذليل الذي يُعطى ولا يُعطي .. يدفَعُ الناس إليه فضلَ أموالهم، يواسونه بما زاد عن احتياجهم!!

 

ينبغي أن تُطبع صورة طالب العلم الذي يبذل من وقته في سبيل الله كما يبذل من ماله؛ وهذا لا يكون إلا بعد أن يُعطى كفايتَهُ وزيادة.

 

ينبغي أن تُطبع صورة طالب العلم الذي يُستأمن على أموال الناس كما نستأمنُهُ على عقولهم إذ يصعد إلى المنبر ليوجّه ويُعلّم ويُرشد.

 

ينبغي أن نجتهد في ترسيخ صورة طالب العلم المستغني عن مدّ اليد ووضعها في الجيب! عن طلب دواءٍ لابنه إذا مرض! عن طلب حاجةٍ لمنزله إذا احتاج!

 

ينبغي أن نبذل لطالب العلم ما يُعينه على أداء هذه العلم فهو أمانة ورسالة، تحمّلها عن هذه الأمّة، وهو الأمين على تبليغها؛ أوليس العلماء ورثة الأنبياء؟ أولم يخبرنا الحبيب صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّ خير الناس أنفعهم للنّاس؟

 

وهذا وذاك لا يكون إلاّ إذا كان همّنا أن نوصل لطالب العلم ما يدّخره للإنفاق على نفسه عند تعليم الناس، وعلى الناس في مجالس تعليمهم.

 

نحتاج أن نراجع سجلاّت دعمنا ... فربّما وضعتَ درهمًا أو دينارًا في يد من أساء استعماله، فتُسأل عن عدم التحرّي، أمّا إذا وضعتَه في يد طالب علم فإنّه المسؤول أمام الله عزّ وجلّ عن تصرّفه فيه! وتبرأ بذلك إلى الله تعالى ذمّتُك.

 

نحن أحقّ الناس أن يكون لجهادنا قادةٌ من طلاّب العلم ... لئلاّ يتعاظم في عين المتطفّلين على الجهاد من العوام أنّهم نصرونا إذ طبّقونا فينا جهلهم!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين