منشورات الحبّ والوفاء :

د. عبد المجيد البيانوني
عضو رابطة العلماء السوريين

( أم لم يَعرِفُوا رَسُولَهم فهُم له مُنكِرُون ) المعرفة الحقّة أساس الحبّ والطاعة ، والشوق والحنين .. (1)
عظمة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم وآيات نبوّته : 
لقد حبا الله نبيّه صلّى الله عليه وسلّم العزّ المكين ، والنصر المبين ، بشّره أوّل عهده بالنبوّة بقوله سبحانه : { ولسوف يعطيك ربّك فترضى (5) }الضحى ، فهل ترى عطاء لله أوسع من عطاء الله له في حياته ، وخلال هذه القرون المتطاولة .؟! ورفع له ذكره في العالمين ، فالثناء المحمود عليه كلّ آن ، وبكلّ لسان : {ورفعنا لك ذكرك (5) } الشرح ، وأخزى الله عدوّه ، وكبته وكفاه شرّه : { إنا كفيناك المستهزئين } الحجر ، وقطع أثر مبغضه اللئيم فقال سبحانه : {إنّ شانئك هو الأبتر } الكوثر . 
فانظر أيّها العاقل هذه الآيات بعين البصيرة تكن من أهل السعادة والزيادة .!

واعلم أخي المؤمن وفّقنا الله وإيّاك : أنّه مهما تعدّدت جوانب العظمة في حياة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وتحدّث الناس عنها ، وأفردوها بالبحث والعناية فإن مردّها جميعاً إلى العظمة النفسيّة التي جبله الله عليها ، وأودعها في فطرته ، وجعله سيّد ولد آدم بما خصّه من خصائص ، وما حباه من مكرمات ، وقد أشار الله تبارك وتعالى إلى ذلك في قوله سبحانه : {وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُون}[الأنعام:124] .

ومما يجلّي المعنى المراد في هذه الآية ما جاء في الحديث الشريف عَنِ المُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ قَالَ : قَالَ العَبَّاسُ : بَلَغَهُ صلّى الله عليه وسلّم بَعْضُ مَا يَقُولُ النَّاسُ قَالَ : فَصَعِدَ المِنْبَرَ ، فَقَالَ : ( أيُّها النَّاسُ ! مَنْ أَنَا ؟ قَالُوا : أَنْتَ رَسُولُ الله ، فَقَالَ : أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ ، إِنَّ الله خَلَقَ الخَلْقَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ خَلْقِهِ ، وَجَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ فِرْقَةٍ ، وَخَلَقَ الْقَبَائِلَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ قَبِيلَةٍ ، وَجَعَلَهُمْ بُيُوتاً ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ بَيْتاً ، فَأَنَا خَيْرُكُمْ بَيْتاً ، وَخَيْرُكُمْ نَفْساً )  .

فعظمة محمّد صلّى الله عليه وسلّم تتجلّى في أخلاقه الشريفة صلّى الله عليه وسلّم وشمائله ، التي انبثق عنها كلّ ما اتّصل بشخصيّته من فضائل ومكارم ، وقد دلّ عليها ما جاء به من مبادئ سامية ، وقيم رفيعة ، وما قام به من أعمال جليلة ، وتغيير عظيم في حياة الأمّة التي بعث فيها ، حتى تحقّق فيه بصدق أنه أخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربّهم ، كما أخرج للناس جيلاً قياديّاً صالحاً ، قاد البشريّة بشريعة الله ، وأقام فيهم موازين الحقّ والعدل ، وأنشأ حضارة إنسانيّة فاضلة سعدت بها البشريّة قروناً 

وينبغي أن يعلم أن خصال الكمال والجمال في البشر نوعان : 
ـ النوع الأول : ضروريّ دنيويّ اقتضته الجِبِلّة وضرورة الحياة الدنيا ، وليس للمرء فيه اختيار ولا اكتساب ، ككمال الخلقة ، وجمال الصورة ، وقوّة العقل ، وصحّة الفهم ، وفصاحة اللسان ، وقوّة الحواسّ وسلامة الأعضاء ، وشرف النسب وعزّة القوم ..

ويلحق بهذا النوع ما تدعو ضرورة الحياة إليه ، من المأكل والمشرب ، والملبس والمسكن ، والنوم والمنكح ، والمال والجاه .

وقد تلحق هذه الخصال الأخيرة بالنوع الثاني إذا قصد بها التقوى ، ومعونة البدن على سلوك طريق الآخرة ، وكانت بحدود الحاجة ووفق الشريعة .

ـ والنوع الثاني : مكتسب دينيّ ، وهو ما يحمد فاعله ، ويقرّب إلى الله زلفى ، كالأخلاق العليّة والآداب الشرعيّة : من الدين والعلم ، والحلم والصبر ، والشكر والعدل ، والعفّة والجود ، والعفو والشجاعة ، والحياء والمروءة ، والرفق والرحمة ، وحسن الخلق والمعاشرة .. وقد يكون لبعض الناس من هذه الأخلاق ما هو في الغريزة وأصل الجِبلّة ، وبعضهم لا تكون فيه فيكتسبها .

فإذا كانت خصال الكمال والجمال ما ذكرنا ، ووجدنا الواحد من الناس يشرف بواحدة منها أو اثنتين ، حتى يعظم بين الناس قدره ، ويضرب باسمه المثل ، فما ظنّك بعظيم قدر من اجتمعت فيه كلّ هذه الخصال ، إلى ما لا يأخذه عدّ ، ولا يعبّر عنه مقال ، ولا ينال بكسب ولا حيلة ، إلاّ بتخصيص الكبير المتعال ؛ مما خصّ الله به نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم ، من فضيلة النبوّة والرسالة ، والخلّة والمحبّة ، وختم النبوّة به وعموم دعوته ، وإعطائه الشفاعة والوسيلة ، وشرح الصدر ، ووضع الوزر ، ورفع الذكر ، وعزّة النصر ، وإجابة الدعاء ، وإعطاء السؤل وتمام الفضل ، ونزول السكينة ، والتأييد بالملائكة ، وإيتاء الكتاب والحكمة ، والسبع المثاني والقرآن العظيم ، والتأييد بالمعجزات ، ونبع الماء من بين أصابعه ، وتكثير الطعام القليل ببركته ، وانشقاق القمر ، والإسراء والمعراج ، والعصمة من الناس  .. وبالجملة فإنّه صلّى الله عليه وسلّم أعلى الناس قدراً ، وأرفعهم ذكراً ، وأكملهم محاسن وفضلاً .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين