منزلة العلماء وفضلهم وواجبنا تجاههم
بقلم الشيخ: فائز عبد القادر شيخ الزور
منزلـة العلماء جليلـة في الإسلام ، دونـها بقية المنازل فيما عدا منزلة الأنبياء والمرسلين .
1 - فقد شرف الله العلماء ورفع قدرهم، قال تعالـى : { يرفعِ الذيـن آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } ،
وقال تعالـى : { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائـكة وأولوا العلم .. }
وقال أيضا : { إنـما يخشى اللهَ من عباده العلمـاءُ } .
يقول شيخ الإسلام ابن تيميـة : "العلماء هـم ورثة الأنبياء ، الذين جعلـهم الله بـمنزلـة النجوم، يُـهتدى بـهم في ظلمات البر والبحر، وقد أجمع المسلمون على هدايتـهم ودرايتـهم، وهم خلفاء الرسول r في أمته، والمحيون لـما مات من سنته، بـهم قام الكتاب، وبـه قاموا ، وبـهم نطق الكتاب، وبـه نطقـوا ".
ما الفخر إلا لأهل العلم إنـهم |
|
على الهدى لمن استهدى أدلاءُ |
وتتجلى منزلة العلماء أيضـا في كونهم ورثـة الأنبياء ، يسيرون على منهاجـهم ، ويقتفون آثارهـم ، يدعون إلى الله على بصيرة ، ويعملون صالحا ، ويشفقون على المسلمين ، ولا تزال الأمة بـخير ما دام فيها علماء ربانيـون راسخون في العلم ، يسلكون السبيل المستقيم ، ويسيرون على المنهج القويم ، لا يضرهم من خذلـهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك .
لهذا كان فقد العلماء مصيبة كبيرة ، وخسارة بالغة :
عن عبد الله بن عمرو بن العاص t قال سمعت رَسُول اللَّهِ r يقول:
" إن اللَّه لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا"[ متفق عليه].
2 0 حاجة الناس إلى العلماء أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب ، وطاعتهم أفرض من طاعة الأمـهات والآباء بنص الكتاب ، قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منـكم }، وكما جاء أنَّ أولي الأمـر العلمـاء والأمراء ،
قال الإمام ابن القيـم رحمه الله تعالى : ( والتحقيق أنَّ الأمراء يُطاعون إذا أمروا بمقتـضى العلـم ، فطاعتـهم تبـع لطاعة العلمـاء ) .
وقال الإمام أحمد ـ رحمه الله تعالى : ( الناس إلى العلم أحوجُ منـهم إلى الطعام والشراب ، وذلك أن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب مرة أو مرتين ، أما حاجته إلى العلم فهي بعدد أنفاسه ) .
3 0 فضل العالم يوم القيامة :
عن أبي أمامة t أن رَسُول اللَّهِ r قال:"فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم" ثم قال رَسُول اللَّهِ r :"إن اللَّه وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير"،[رَوَاهُما التِّرمِذِيُّ : 5/50 رقم : 2685 ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ].
وعَن ابْن عَبَاس t قَالَ : قَالَ رَسُول اللّه r :"فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد". [أخرجه ابن ماجه 1/81 رقم : 222 ].
وقد جرت العادة لدى بني البشر جميعاً مؤمنهم وكافرهم ، الصَّالح منهم وغير الصالح ، أن يحزن ويتألم وقد يبكي لفقد عزيز أو حبيب ، ولكن يجب أن نعلم أنه لا يقتصر البكاء والحزن عند فقد حبيب أو عزيز على البشر وحدهم ، فالبكاء والحزن يكون في الإنسان وفي غيره من مخلوقات الله كالسموات والأرض :
نقل ابن جرير رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى :{ فما بكت عليـهم السماء والأرض وما كانوا منظريـن } : أتى ابنَ عباس رجلٌ فقال : ( يا ابن عباس ! أرأيت قول الله تعالى :{فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين}، فهل تبكي السماء والأرض على أحد ؟ ) ، قال : نعم ! إنه ليس أحد من الخلائق إلا له باب في السماء ينزل منه رزقه ، وفيه يصعد عمله ، فإذا مات المؤمن فأغلق بابـه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله ، وينزل منه رزقـه بُـكي عليه ، وإذا فقد مصلاه من الأرض التي كان يصلـي فيها ويذكر الله فيها ، بكت عليـه ، وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الأرض آثار صالحـة ، ولم يكن يصعد إلى السماء منهم خير ، قال : فلم تبك عليهم السماء والأرض .
وعن مجاهد رحمه الله تعالى قال : كان يقال : تبكي الأرض على المؤمن أربعين صباحا .
ففي الآية دلالة على إحساس السماء والأرض وتعبيرهما بالبكاء ، وهما من أعظم مخلوقات الله وأعجبهما ، فإنَّ الله تعالى ذكر بكاء السماء والأرض ، وفي هذا بيان عظيم قدرة الله البالغة في تسخير السموات والأرض وما فيهما لما فيـه خير الإنسانية ، حتى إنـها تبكي عند فراق ووداع العبد الصالح .
فلـمَ لا نبكي ولا نحزن على فقد علمائنا العاملين ؟ بقية السلف الصالح الذين يتخطفهم الموت من بيننا واحداً بعد الآخر ، حتى أطلق على هذا الزمان زمان قبض العلم .
4 0 واجبنا تجاه العلمـاء :
أ ـ الالتصـاق بالعلماء والدعاة ووضـع الأيدي بأيدي العلمـاء ، وعدم القطع بأمر دونـهم .
ب ـ الإفادة من علومـهم وآدابـهم وتجاربـهم ، وطريقة تعاملهم في العلم والدعوة .
جـ ـ سؤالـهم عن مشكلاتنـا الدينية والدنيوية ، والأخذ بفتياهم ، قال تعالى:{فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.
د ـ الدفاع عنـهم والدفع عن أعراضـهم في حياتـهم وبعد مماتهم ، قال ابن عساكر رحمه الله تعالى : ( إن لـحوم العلمـاء مسمومة ، وسنة الله في هتك أستار منتقصيـهم معلومة ، لأن الوقيعة فيـهم بمـا هم منه براء أمرها عظيم ، والتناول لأعراضـهم بالزور والافتراء مرتع وخيـم ، والاختلاف على من اختاره الله تعالى منهم لنشر العلم خلق ذميـم ) .
وكما قيـل : ( من أطلق لسانـه في العلمـاء بالثلب ، بلاه الله بموت القلب ) ،
هـ ـ إعداد البديـل .. بتوجيه أبنائنا إلى تلقي العلوم وخاصـة العلم الشرعـي من مظانه من أفواه العلماء العاملين ، واستغلال وجودهم للاستفادة منهم ، والسير على سبيلـهم ،
[ ورحم الله ابن الوردي إذ يقول في لاميته المشهورة ] :
يا بنيّ اسمع وصايا جمعت |
|
حكماً خُصّت بها خيرُ الملل |
و ـ وهناك حقيقة لا نتذكرهـا إلا عندما نفقد علماءنا الأعلام ـ أطال الله في أعمار الباقين ـ فننساهم أحياء ، وعند فقدهم نقيم عليـهم مأتـما وعويلا ، والجدير بنـا أن نكرمـهم في حياتـهم ، وأن ننشر علمـهم ، ونستفيد من وجودهم.
* * *
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول