مَلِكُ زاهد وطفل رشيد

عُمَرُ بن عبد العزيز - رضي الله عنه - خليفة راشد، وملك زاهد، يَحْكُمُ البلاد من حدود الصين شَرْقاً في آسيةَ إلى الأَنْدَلُسِ غَرْباً من أوربة ... ومع هذا كله كان من أزهد الناس في الدنيا، وأتقاهم وأخشاهم للمولى عز وجل.

رأى ولدَه الصغير يومَ العيد وعليه قميص خَلَقٌ بَالٍ!

بكي الخليفة بكاءً شديداً لما رأى طفله في هذا الثوب البالي يوم العيد وكل الأولاد قد فَرِحُوا في العيد، وتباهَوا بلبس الجديد.

 

قال الطفل لأبيه: ما يُبْكِيكَ يا أَبَتِ؟

قال الخليفة: يا بُنَيَّ، أَخْشَى أن ينكسر قلبك في هذا العيد إذا رآك الأطفال بهذا القميص البالي!

أجاب الطفل: يا أمير المؤمنين، إنما ينكسر قلبُ مَنْ أَعْدَمَهُ الله رضاه، أو عَقَّ أُمَّهُ وأباه، وإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يكونَ اللَّهُ راضياً عني برضاك..

بكي أبوه، وضمَّه إليه، وقَبَّلَ ما بين عينيه ... فكان أَزْهَدَ الناس بعده.

هكذا كانوا يُرَبُّونَ أطفالهم - ولو ملكوا الدنيا ليكونوا عِبْرَةً لِرَعِيَّتِهم، وأُسْوَةً حَسَنَةٌ للفقراء والمحرومين.

وكانوا لا يُعَوِّدُونَهُمُ التَّرَفَ والبذخ من المال الذي في خزائنهم للمسلمين، مُقْتَدِينَ بالمُربي الأعظم صلى الله عليه وسلم لما جاءته ابنته الغالية فاطمة الزهراء، وصهره العزيز ابن عمه علي بن أبي طالب، يطلبان منه خادماً، ليُريح فاطمة من طَحْنِ الشعير، فقال:

«لا أُعْطِيكُما خادماً وأَدَعُ أهل الصُّفَةِ (1) تُطْوَى بُطُونُهُمْ من الجوع، بل أَبِيعُهُ لأَطْعِمَهُمْ...

ثُمَّ دَلَّهُمَا عَلى الذِّكْرِ: «إِذا أَخَذْتُمَا مَضْجَعَكُما فَسَبِّحا الله ثلاثاً وثلاثين، واحمدا الله ثلاثا وثلاثين، وكبِّرا اللهَ ثلاثا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم..» فَفَعَلا وَرَضِيا وأعانهما الله تعالى.

*****

* من كتاب: سلَّم الأطفال إلى بلوغ الكمال، تأليف الشيخ: أحمد قلاش

(1) الصُّفَّة: المصطبة، وأهل الصفة: قوم فقراء غرباء هاجروا إلى المدينة وأعدُّوا أنفسَهم للعلم والجهاد، لم يكن لهم مسكن، فكانوا يبيتون في مصطبة المسجد النبوي.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين