ملحوظات حول الانتخابات التركية

وانتهت الانتخابات التركية بفوز متوقع للرئيس التركي رجب الطيب أردوغان وبانتخابات حرة نزيهة باعتراف المعارضة التركية ودول العالم. أدوّن ملاحظاتي:

1. احتاج أردوغان جولة ثانية ليفوز بنسبة 52.14% وهي نسبة جيدة جدا في الديمقراطيات. أما في الانتخابات البرلمانية فتحالف حزب العدالة والتنمية لا زال يشكل الأغلبية رغم تراجعه مقارنة بالبرلمان السابق (حصل في 2023 على 322 مقعدا من أصل 600 مقعد بينما كانت حصته 354 في برلمان 2018) لكن مع التذكير أن المعارضة كتلتان وليست كتلة واحدة.

2. الصحافة الغربية عموما كانت تتعامل مع الأمر بعصبية وحقد وصل ببعضهم إلى وصف أردوغان بالديكتاتور وهو أمر لا يقوله إلا جاهل أو حاقد فالديكتاتور عادة ينجح بنسبة 99% ولا يحتاج لجولة ثانية ولا تستطيع المعارضة مهاجمته على وسائل الإعلام. أردوغان زعيم ذو شخصية قوية لكن من الحماقة وصفه بالديكتاتور فالديكتاتور يحتاج إلى دولة ديكتاتورية لا يقيّده فيها أي سلطة أخرى ولا يجرؤ أحد على انتقاده. الانتقادات الغربية لديمقراطية تركيا لم نرها من قيادات الغرب أو صحافته لأبشع الممارسات الاستبدادية لحلفائهم من زعماء العرب.

3. على ذكر الديكتاتورية فلعل أبرز إنجازات الحكومة التركية الحالية هو إبعاد الجيش عن القرار السياسي فقبل ذلك كانت قيادة الجيش التركي ترى نفسها "حامية العلمانية" وهذه عبارة مطاطة يفسرونها على هواهم مما أدى بالجيش إلى الإطاحة بالحكومة عدة مرات (1960 - 1980 - 1997) وحل البرلمان ومؤسسات الدولة وإعدام المئات (بما في ذلك رئيس الوزراء الشهيد عدنان مندريس) واعتقال مئات الألوف واستبداد وظلم. احتمال الانقلابات في تركيا أصبح أقل بكثير ولم يعد لقيادة الجيش أي حجة لذلك بل حدد الدستور بشكل واضح دور الجيش وأن القرار هو بيد السلطة التنفيذية.

4. علينا أن ننظر بعقلانية وواقعية لحكم حزب العدالة والتنمية في تركيا خلال 21 عاما. هناك إنجازات هائلة لا ينكرها إلا أعمى البصيرة ، من بنية تحتية (جسور وأنفاق وشبكات مواصلات) إلى مستشفيات ومراكز علمية وصناعية وتجارية وصناعات عسكرية متقدمة نقلت تركيا إلى مصاف الدول المصنّعة الكبرى وتطور كبير في الزراعة ، ووراء هذه جامعات تضاعف عددها عدة أضعاف. هل هناك أخطاء؟ نعم بكل تأكيد فليس هناك بشر معصومون فهناك أخطاء وفساد يجب التحدث عنه ومعالجته لكن من الظلم أن يتم التركيز على السلبيات والتعامي عن الإيجابيات التي تفوق السلبيات بأضعاف كثيرة.

5. كثير من العرب والمسلمين تفاعلوا بعاطفية وعفوية ورأوا في أردوغان زعيما لهم وأملا في التخلص من أوضاعهم المزرية... صحيح أن مشاعرهم هذه مبالغ فيها وأن سلطة وقدرة أردوغان محدودة وجلّ اهتمامه ينصب على بلده تركيا وهذا واجبه، لكني لا ألوم هؤلاء على عواطفهم الجياشة فقد رأوا بصيص أمل في ظلام دامس. لكني ألوم الطرف الآخر الذي يتهم الطرف الأول بالعاطفية (ليش بتقدسوا أردوغان؟) بينما هم الذين تحركهم عواطف الحقد والكره.

6. هذه هي الفترة الثانية والأخيرة للرئيس أردوغان وبعدها سنرى قيادة مختلفة سنقيّمها في حينها وندعو لها بالسداد. قبل 2018 كانت تركيبة الحكومة التركية حسب الدستور السابق تتكون من رئيس لا يملك سلطات تنفيذية واسعة (منصب بروتوكولي) ورئيس وزراء يعتبر رأس السلطة التنفيذية (تقلد أردوغان كلا المنصبين) لكن الدستور الجديد ألغى منصب رئيس الوزراء ووضع سلطاته بيد رئيس الجمهورية كما هو الوضع في أميركا. أيّ النموذجين أفضل؟ لا أدري فلكل نموذج ميزاته ومآخذه لكن المهم هو توازن السلطات وألا يسمح الدستور باستئثار السلطة وبالتالي الديكتاتورية. وهناك رغبة لدى الأتراك (من كل الأطراف) بإجراء تعديلات على الدستور الحالي لجعله أكثر توازنا. لكن من يزعم أن أردوغان لم يهيّئ بديلا له لا يعلم حقائق الأمور فتركيا دولة مؤسسات وهناك بديل لكل مسؤول.

7. نقطة أخيرة: في نفس الوقت التي كانت الانتخابات التركية تجري (الجولة الأولى مع الانتخابات البرلمانية) كانت هناك انتخابات أيضا في اليونان وهي دولة أوروبية وعضو الناتو لكنها لم تحظَ بعُشْرِ التغطية التي حظيتها الانتخابات التركية... لماذا؟ ولماذا يهتم الغرب بدرجة جنونية بانتخابات تركيا (حملة مسعورة ضد أردوغان في البداية ثم هدوء وانكسار ثم اعتراف بالواقع وتهنئة خجولة) مع وجود استثناءات كالصحفي البريطاني المنصف ديفيد هيرست.

...

أخيرا ندعو الله بالتوفيق لتركيا وبالفرج لكل دولنا العربية والمسلمة وشعوبنا المضطهدة.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين