ملامح سور القرآن: سورة الزمر

موضوع سورة الزمر الإخلاص، وهو في أربعة أنحاء: في التصور أي الاعتقاد والاستمداد والتوجه والتوكل، فهو إله واحد، وله الأمر شرعًا، وله الأمر قدَرًا، والابتغاء لمرضاته. وهذا طريق موصل إلى الإحسان، والقرآن هو معيار ذلك. وهذه الأركان الثلاثة: الإخلاص والإحسان والقرآن، تكاد تؤلف ملامح السورة.

وجاءت الزمر بعد سورتي الصافات وص اللتين ذكر فيهما عباد الله المخلِصين، وهم المخلَصون، بمعنى المصطفَين، فهذه السورة شرح لمعنى الإخلاص المؤهل للاصطفاء.

وفي صدرها نفي الشركاء، ووعيد المشركين، وتكذيب دعواهم التزلف بهم إلى الله، فهم لا ينفون إلهية الله، ولكن يجعلون له شريكًا، ويزعمون له ولدًا، سبحانه وتعالى. ثم مشهدان من آياته: مشهد علوي في خلق السموات والأرض وما يتصل بهما من شمس وقمر وليل ونهار، ومشهد سفلي في خلق الدواب في بطون الأمهات. فهذا الخلق لا شريك له فيه، فيجب أن يكون الدين له كذلك لا شريك له فيه. ومثله الاستدلال بوحدانيته القَدَرية، فهو الذي يُخَوِّل النعمة، وما يَدْعون من دونه لا يمسكون الرحمة، ولا يكشفون المضرة، وهو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، وهو الذي يتوفى الأنفس في منامها وفي موتها.

ومن أول السورة تجد قوله: (فاعبد الله مخلصًا له الدين. ألا لله الدين الخالص)، وهذا الإخلاص يظهر في الشدائد، فالإنسان مفطور عند الضيق وانقطاع الأسباب على الإنابة إلى الله ودعائه: (وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبًا إليه)، ثم بعد قليل: (قل: إنما أمرت أن أعبد الله مخلصًا له الدين)، (قل: الله أعبد مخلصًا له ديني)، ثم يأتي مثَل الشركاء المتشاكسين يملكون رجلًا، في مقابلة رجل خالص لرجل، وجاء قوله من بعد: (أليس الله بكاف عبده) في إخلاص التوكل. وآيات أخرى في السورة.

وآية التوبة في السورة: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) وما تلاها، إنما هو لإسقاط الوسطاء، لأن من الناس من يعتقد أنه لا بد لتكفير الذنوب من وسيط، كاعتقاد النصارى أن المسيح فدى بنفسه المذنبين، فبينت السورة أن الله يقبل التائبين مهما كانت ذنوبهم، ولو أسرفوا على أنفسهم، وحثتهم على المسارعة والإحسان، لتكفير ما فات، وحذرتهم من التسويف والتهاون حتى يأتي الأجل فيتعذر الاستدراك، ويكون الندم.

والإحسان معنى شائع في السورة، ذلك أن مراعاة نظر الله هو الإحسان، كما جاء في الحديث: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، وهو معنى متحرك، انظر إلى قوله: (للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة، وأرض الله واسعة)، فتبديل المكان من وسائل الإحسان، وهو يشير إلى تبديل الوسائل في الجملة. والإشارة إلى ذلك أوضح في قوله: (يستمعون القول فيتبعون أحسنه)، لأن الأظهر أن القول هنا قول الناس، فهذا الاجتهاد البشري، يأخذون أحسنه. وقال في الوحي الإلهي: (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم)، واتباع الأحسن هنا بفعل واجب الوقت والحال. ويوم القيامة يستحق هؤلاء جزاء المحسنين، ويُجزون بأحسن ما عملوا، ويتمنى المسيء أن يعود فيكون من المحسنين، ولكن بعد الفوات: (لو أن لي كرة فأكون من المحسنين).

وجاء ذكر القرآن في السورة في أول آية: (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم. إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق)، ثم في وسطها: (الله نزل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا مثاني)، وذكر أثره في المؤمنين إذا سمعوه، تقشعر منه جلودهم ثم تلين، ويقابلهم الذين تشمئز قلوبهم من ذكر الله، وذكر ضرب الأمثال فيه: (ولقد ضربنا في هذا القرآن من كل مثل) الآيات، ثم بعد ذلك: (إنا أنزلنا عليك الكتاب بالحق).

وذكر دخول الناس إلى النار وإلى الجنة زمرًا من أجل اختلاف أزمانهم وأقطارهم وأحوالهم وأئمتهم، كما قال: (يوم ندعو كل أناس بإمامهم)، وهؤلاء الأئمة هم الذين يَسُنُّون السُّنَن السيئة أو الحسنة، أي المتبوعون في الشر أو الخير، يجتهدون في الإضلال أو الهداية. وناسب الزمر أيضًا ذكر الغرف فوقها الغرف للمؤمنين، وتقابلها الظلل من النار من فوقهم ومن تحتهم.

ومشهد القيامة في آخر السورة طويل ومفصل، منذ النفخة الأولى فالأخرى، ثم حشر الناس للقضاء، ووضع كتاب الأعمال، واستشهاد الأنبياء والأمة الخاتمة، لأنه قال فيهم: (لتكونوا شهداء على الناس)، ثم سَوْق زمر المؤمنين والكافرين إلى الجنة وإلى جهنم، مع مخاطبة كل فريق بما يستحقه من التسليم والتكريم، أو التقريع والتنديم.

وتختم السورة بحمد المؤمنين الله على كرامته وتحقيق وعده، وبمشهد يسدل فيه الستار على سُوق الحياة الدنيا بالقضاء الحق، تحف فيه الملائكة العرش مسبحة حامدة، ويتردد قول: الحمد لله رب العالمين، ينطق به كل شيء.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين