ملامح سور القرآن الكريم :سورة الرعد

تمثيل الوحي بالماء النازل من السماء مثل شائع في القرآن الكريم، وهو هنا في سورة الرعد مُراعًى فيه ما يصحب الماء من صواعق وبروق ورعود، وهي مثَل للزواجر والقوارع التي جاء بها الوحي، ومثَل أيضًا للعقوبات أو (المثُلات) كما في السورة، التي تنزل على المخالفين، بعد تبليغه، كما جاء في آخرها أيضًا: (ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبًا من دارهم حتى يأتي وعد الله). فهذا الماء هو سبب الحياة على الأرض، وتخرج به الثمرات المختلفة الطعوم، ويحمل أيضًا الزبد الذي يضر ولا ينفع، كما يتعلق بهذا الوحي الغثاء يدَّعي وصلًا به، يطفو عليه، وما هو منه ولا من غرضه الذي من أجله جاء. والمثَل الأشيع لذلك في القرآن هو بنو إسرائيل، وإذا كانت سورة يوسف ذكرت مبدأ قصتهم مع أبيهم إسرائيل، فإن سورة الرعد بينت كيف يكون الوحي -ومثَله الماء- نافعًا للناس ومُخْرِجا للثمرات، وحاملا للزبد، ومعه أيضًا الرعد والبرق والصواعق، وهي مثل لما يكون في الوحي من النُّذُر، وما يستلزمه من العقوبة بعد البلاغ والإنذار والإمهال. وفي سورة الرعد مثَل تلقي الناس للوحي وانتفاعهم به أو قلة انتفاعهم - جلي شائع، ألمح إليه باختلاف الطعوم في الثمرات، وهي تُسقى بماء واحد، وفي مسيل الأودية تتسع للماء بقدَرها، وفي اطمئنان قلوب المؤمنين بذكر الله، وغيرهم شأنهم الجدل وطلب الآيات، ولن تنفعهم الآيات، وهذا القرآن يتلى عليهم، وهو يفوق المعجزات المرئيَّة التي سبقته، ولو أن كلامًا ريم به تكليم الموتى وتقطيع الأرض وتسيير الجبال لكان هذا القرآن من عظمته ونفوذه وأثره، ولو أقبلوا عليه وتدبروه وانتفعوا به، لبلغوا به مبلغًا، وارتفعوا به شأنًا، ولوجدوا فيه ذكرًا وعلمًا وهديًا. وفي مقابلة دوام نعيم الجنة (أكلها دائم وظلها) يأتي الله الأرض ينقصها من أطرافها، فيذهب خيرها وخيارها، كما أشار إلى وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك)، فالأمر لله، وهو يقدر العقوبات برفع العلم ونضوب الفهم، ويبتلي بالموت والخوف ونقص الثمرات وذهاب البركة والانتفاع بالخير، لأن الناس لم يشكروه ولم يقدروا قدره، ولم ينتهزوا الفرصة لاقتباس العلم وشكر النعمة. فالقرآن مثَل الخير يكون مكفورًا ومشكورًا، ويمكن أن تُسَيَّر به الجبال، ويمكن أن يتَّخذ مهجورًا. فما على الرسول إلا البلاغ، وهو قد فعل ذلك على أكمل وجه، وأما ما يكون من الناس بعد ذلك، فأمره إلى الله، وهو حسيبهم، وهو (يعلم ما تكسب كل نفس)، وهو (قائم على كل نفس بما كسبت)، يستوي عنده السر والجهر، واستخفاء الليل وسروب النهار، كتب أعمالهم، وعلم ما يكون منهم في النعم التي أنعم بها عليهم، ومنها نعمة الوحي والقرآن. ولتلقي الوحي بما يليق به علامات، منها اطمئنان القلب بذكر الله، ومنها أخلاق فيما بينهم وبين الناس، وفيما بينهم وبين الله، فهم أهل الوفاء بالعهد، والصبر في ذات الله، والإنفاق في السر والعلن، وتكفير السيئة بالحسنة، وخشية الله وخوف حسابه، فهؤلاء يتصل إنعام الله عليهم في الآخرة بإنعامه عليهم في الدنيا. وأضداد هذه الصفات لمن كفروا بآيات الله فكان مصيرهم النار. وذكر الآباء والأزواج والذريَّة يدخلون الجنة مع ذويهم الصالحين يقابله من طرف خفي قوله للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (ولقد أرسلنا رسلًا من قبلك وجعلنا لهم أزواجًا وذرية)، وهو يشير إلى انتفاع الأهلين بمن يكون بينهم من أهل العلم، وإن كان الغرض المسوقُ له ذلك في شأن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو أنه ليس بدعًا من الرسل في بشريَّته. ومن الذين أحسنوا تلقي الوحي فئام من أهل بالكتاب يفرحون بالقرآن، ويشهدون بصدقه وتصديقه لما علموه من الكتاب الذي عندهم، فيؤتيهم الله أجرهم مرتين. 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين