ملاحظات على الفيلم الوثائقي :

لا أخفي أنني تأثرت لأول وهلة عندما شاهدت فيلم "في سبع سنين"، ولكني – كعادتي – أقوم بمراجعة فكرية للمحتوى الذي أشاهده بعيدًا عن العاطفة قدر الإمكان، فماذا وجدت؟

لقد وجدت نوعية معتادة من الأفلام الوثائقية التي تلعب على عدة أوتار لتجعل الفيلم مثيرا وجاذبا للانتباه ومؤثرًا في مشاعر الناس:

- الموسيقى الجميلة المرافقة لكل منحنى من منحنيات المشاهد/الكلام/المواقف/الأحداث. وقد كانت في نظري ناجحة جدًا، رغم ابتذال بعض المقاطع الموسيقية أحيانا.

- اللعب على وتر المفارقات، فرغم أنَّ التحولات التي حدثت في مصر مرتبطة بأكثر من عامل (ليس التغيير السياسي وحده) إلا أنّ الفيلم بمؤثراته اختار أن يسلّط الضوء على الأحداث السياسية كعنصر مواز شبه وحيد للتحولات الفكرية لدى الشباب. أضف إلى ذلك أن التحوّلات كانت أكثر اتساعا بألوانها من هذين اللونين (الإلحاد واللاأدرية أو الجهاد المسلّح)، لكن هذه التحوّلات الحدّية هي الأكثر "فرقعة" بالنسبة لمعدّي الفيلم، فلماذا لا نركز عليها؟ وهذا منطق إعلامي يهدف إلى الفرقعة لا غير.

- اعتماده على الحكايات الشخصية كعنصر رئيسي في الفيلم، والقصص الشخصية التي تتعامل مع الشخصية كضحية تثير غالبا التعاطف لدى المشاهدين، ضع في الحسبان هنا الموسيقى الحزينة المرافقة لهذه القصص المؤلمة، والتي لا شك أنها تلامس قصصا أخرى لآلاف المصريين ممن عاشوا الثورة وما جرى بعدها من أحداث. إلى جانب استحضار "الأم" كعنصر عاطفي يتسبب في ذرف دموع المشاهدين ولا شكّ.

- إعادة ذكريات مؤلمة لأذهان المشاهدين، وخصوصا مرحلة رابعة، والتي تشكّل جرحًا عميقًا في الذاكرة الجمعية المصرية بل والعربية الإسلامية عمومًا، ولعل هذا هو أكثر ما أثار مشاعري عند مشاهدة الفيلم.

سوى ذلك ماذا أضاف الفيلم؟ من الناحية الموضوعية لم يعكس حقيقة الواقع كما هو، بل اختار مفارقات حدّية تشكل عمود الأساس بالنسبة للفيلم، وتعبّر الصورة الترويجية للفيلم عن هذا العمود، ثم إذا بحثت بعد ذلك عن شيء فلا تكاد تجد عرضا موضوعيا كافيا للتحولات بجميع أطيافها ولجميع العوامل المؤثرة فيها.

ومع ذلك فمن الملاحظات المهمة التي يمكن استفادتها من فيلم "في سبع سنين" مدى الأثر السيء للخطاب الإسلامي القاصر أو المنحرف في أتباعه حين يثقون به، فالشباب الذين ظهروا في الفيلم ليسوا الوحيدين الذين خذلهم عمرو خالد بتلوّنه ومهادنته للظالمين، ولا الوحيدين الذين صُدموا ببعض مشايخ "السلفية الإعلامية" الذين كانوا بين منقطع عن الواقع وصاحب خطاب ساذج وبين مهادن للظالمين ومدافع عندهم، ولا الوحيدين الذين صُدموا بالأداء غير المسؤول لحركة الإخوان المسلمين. وهذا شيء مرعب؛ لأنه يدلنا على مدى مسؤولية أن تكون داعيا ولك أثر في الناس، فكثيرة هي الأوزار التي يمكن أن تحملها عندما تستسهل الانحراف. كما يدلّنا على خطورة أن يقع المسلم بكليّته في أحضان خطاب شخصية ما أو حزب ما، بل عليه أن يحافظ على قدر كاف من الاستقلالية الفكرية وبناء شخصية فردية قوية لا ترفض العمل الجماعي، ولكنها لا تهتز أو تسقط أو تذوب عند سقوط الشخصية المثال أو الحركة الحاضنة. فالدعاة ليسوا معيارا للحق بل مجرد أدلاء قد يسقطون ونمضي، والحركات ليست إطار انتماء بل إطار عمل قد ينفرط ونمضي.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين